أخشى من العقوق لأنني لا أعرف كيف أتعامل مع والديّ!

0 10

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

جزاكم الله خيرا على جهودكم الطيبة.
لدي بعض الإخوة منهم من لا يصلي ومنهم من يصلي ويقطع، نصحتهم كثيرا، ولكنهم لا يسمعون نصائحي، ويقومون بأعمال لا ترضي الله من سرقة، واعتداء على الناس، ونصب واحتيال، وحين يقعون في قبضة القانون والعدالة يطلبون المساعدة، ويأمرني والدي بمساعدتهم من خلال توكيل محام للدفاع عنهم، أو زيارتهم، أو غير ذلك.

المشكلة أنهم لا يرتدعون، في كل مرة يخرجون فيها من السجن يعودون إلى نفس الطريق، أنا لدي أسرة، وأعمل من أجل أن أصرف على أسرتي بالحلال، فأبي وأمي يستلمون راتب التقاعد، وهم ليس بحاجة إلى مساعدتي المادية، المشكلة أن والداي (أبي وأمي) يغضبون علي ويقاطعونني إذا لم أساند إخوتي العصاة، مع أنني حاولت مرارا وتكرارا التوضيح لهم أنه لا يجوز مساندة من يمشي في الباطل، فكما تعلمون الصرف على المحامي وزيارتهم في السجون وغيرها من المصاريف، تعد تكلفة باهظة خصوصا على شخص مثلي دخله محدود ويعيل أسرة -والله المستعان-.

أرجو منكم توجيهي، فالأمر الذي يقلقني هو خوفي من الوقوع في عقوق الوالدين، وخسران رضى الله فهو من رضاهم، ووالداي يعلمان هذا الأمر، وهما يضغطان علي من هذا الباب.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ فيصل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك أيها -الابن الكريم والأخ الفاضل- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام والحرص على السؤال، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يرزقك بر الوالدين، وأن يهدي إخوانك إلى الحق، وأن يهديهم لأحسن الأخلاق والأعمال، فإنه لا يهدي لأحسنها إلا هو.

أرجو أن تستمر في بر الوالدين، بر الوالدين شأنه عظيم، كما نرجو أن تستمر في دعوة الإخوان إلى الله تبارك وتعالى، واستبشر بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم)، ونحب أن نبشرك بأنك على خير كثير، واجتهد في الأمرين: ناحية بر الوالدين، يقتضي منك أن ترضيهم، وأن تحسن الاستماع إليهم، ولكن ليس من البر أن تفعل ما لا يرضي الله، وليس من البر أن تفعل ما هو فوق طاقتك، ولكن قل خيرا، واجتهد في مساعدتهم، فالإنسان يساعد أي إنسان يقع في ورطة، فكيف إذا كان أخا له؟!

واجتهد دائما في أن تكون المساعدة في الأمور التي لا يترتب عليها تشجيعهم على المعصية، وتشجيعهم على المخالفة، وإذا كنت لا تستطيع دفع الأشياء المالية فلا تكلف نفسك ما لا تطيق، واجتهد في الاعتذار للوالدين، قل لهم: (إذا جاءني الخير فأبشروا)، ووضح لهم هذه الأمور بعد أن تظهر التعاطف معهم، بعد أن تظهر الرغبة في تنفيذ كلامهم، واجتهد دائما في أن يستمر منك النصح، وحاول أيضا إذا ذهبت إلى محام أن يتكلم مع والديك، وأن ينصح لهما، وينصح لهؤلاء أيضا ويبين لهم عواقب هذا الطريق وعاقبة السير فيه، فإن النصح للوالدين إذا جاء من إنسان متخصص يختلف.

فنقترح عليك أن تأخذ المحامي إلى الوالدين، حتى يبدأ يكلمهم بصدق؛ لأن الطريق الذي يمشي فيه الأبناء خطير جدا، وأن التردد على المحاكم والتردد على القضاء ليس فيه مصلحتهم، لأن هذا يضع الإنسان في موطن الشبهة الدائمة، وأنت تستمر كما قلنا فيما تستطيعه، في الذي تقدر عليه، وكما قلنا: إذا كان عندي أخ مقصر فأنا أعاونه وأنصح له، وأساعده، وأكون إلى جواره.

واعلم أن وجودك معهم واستمرارك في نصحهم سيقلل الشر، بخلاف البعد والتنكر لهم، فإن هذا سيزيد الأمر سوءا؛ لأن الإنسان إذا نصح فإنه يتردد، حتى وإن فعل الخطأ فإن النصح ينفعه، {وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين}، والإنسان لا يدري متى تنفع هذه الذكرى، فسيأتي الوقت الذي ينتفعون فيه بنصائحك.

إذا نريد أن نقول: استمر في إرضاء الوالدين بقدر ما تستطيع، واجتهد في أن تكون مداخلتك ومساعدتك لهؤلاء الإخوان في الأمور العادية التي تصلح أن تساعد كل إنسان، ولا تكلف نفسك في أمر الإنفاق على المحامي ما لا تطيق، ولكن الكلام الجميل له أثر، ففرق بين الإنسان الذي يقول: (لن أدفع) وبين الذي يقول: (الأمر صعب، أسأل الله أن يعيني، لن أقصر معهم، ولكن الآن عندي ظروف، وأبشروا)، فالكلمة الطيبة لها أثر كبير جدا على الوالدين.

نسأل الله أن يهدي هؤلاء الشباب إلى ما يحب ربنا تبارك وتعالى ويرضاه، وأن يعينك على بر الوالدين، وإذا قمت بما عليك من بر الوالدين وبما تستطيعه من تقديم المساعدات والنصح لإخوانك؛ فلن يضرك بعد ذلك غضب الوالدين أو عدم رضاهم، لأن الإنسان إذا قام بما عليه فهو معذور، واعلم أن البر طاعة لله تبارك وتعالى.

كما أرجو ألا يمنعك نصح هؤلاء الإخوة في عودهم إلى المعصية، في رفع الصوت على الوالدين، أو إدخال الغضب عليهم، ولكن أيضا كما قلنا: أنت مطالب بالمداراة، أن تداريهم، تسمعهم الكلام الذي يعجبهم، والمداراة هي أن نعامل كل إنسان بما يقتضيه حاله.

واطلب من والديك أيضا أن يكثرا من الدعاء لأولئك الشباب حتى يعودوا إلى الحق، فإن دعاء الوالدين أقرب للإجابة.

نسأل الله الهداية، ونسأل الله لنا ولكم التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات