طلبت العلم لكني لم أبرز وأوفق مثل غيري!

0 12

السؤال

السلام عليكم

ما حكم من أحب طلب العلم، واجتهد، ولكنه لم يتمكن من تحصيل العلم الشرعي، بشكل صحيح، لأسباب عديدة؟ هل له أجر من الله على نيته؟ وهل هذا يدل على أن من وفقه الله من أقرانه فصار من العلماء يدل على صلاح الشخص، وأنه أفضل عند الله، ولذلك وفقه الله لذلك، أفضل من الذي لم يوفقه الله ليكون من أهل العلم؟

حيث إني اجتهدت في الثانوية، وكنت من الأوائل، ثم دخلت كلية الشريعة، واجتهدت وتخرجت، وكنت الثانية على الدفعة في البكالوريوس، وأكملت الماجستير، وتخرجت أيضا بمرتبة ثانية على الدفعة، ولكني تزوجت وانشغلت بالبيت والأطفال، فلم أتمكن من إكمال الدراسة، وأيضا لم يكن عندي مال لأدفع رسوم الدكتوراة، وأيضا العلم الذي حصلته في البكالوريوس وفي الماجستير وجدته ضعيفا، وتخرجت وأنا غير راضية عما حصلته.

عند ما أرى غيري ممن هو بمثل عمري أو أصغر أكرمه الله بالعلم، وحفظ المتون، والتتلمذ على أيدي علماء فضلاء، وصار يخدم الدين، أغبطه وأتمنى لو رزقني الله مثله.

أشعر أن لصلاح ذاك الشخص وقوة إيمانه أكرمه الله، وأني لو كنت أستحق ذلك لأكرمني الله بأن جعلني من أهل العلم مثله، لكني ربما أضعف إيمانا، وأقل صلاحا، فلم يوفقني الله، فهل هذا صحيح أم الذي أشعر به هو تيئيس من الشيطان؟

وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أم سعد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -أختنا الكريمة وابنتنا العزيزة- في استشارات إسلام ويب.

أولا: نهنئك بما تفضل به ربك عليك من نعمه الجسيمة، وآلائه العظيمة، ومن ذلك نعمة تحبيب العلم الشرعي إليك، والحرص على تحصيله، ونية طلبه، ومن ذلك حبك للعلم الشرعي ولأهله، وهذه كلها أعمال صالحة، تنالين بها أعظم الثواب، وتبلغين بها أعلى المراتب، وإن لم تفعلي ذلك الفعل، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (المرء مع من أحب)، وقد قال راوي الحديث: (ما فرحنا بعد الإسلام بشيء كفرحنا بهذا الحديث)، فمن عظيم فضل الله تعالى أن يبلغ الإنسان منازل من يحبهم، ويتمنى أن يكون معهم.

إن النية تبلغ بالإنسان مبلغ العامل، وإن لم يعمل، فقد قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (إنما ‌الدنيا ‌لأربعة نفر، عبد رزقه الله مالا وعلما فهو يتقي فيه ربه، ويصل فيه رحمه، ويعلم لله فيه حقا، فهذا بأفضل المنازل، وعبد رزقه الله علما ولم يرزقه مالا، فهو صادق النية يقول: لو أن لي مالا لعملت بعمل فلان) قال عليه الصلاة والسلام: (فهو بنيته فأجرهما سواء) إلى آخر الحديث.

اشكري نعمة الله تعالى عليك الذي حبب إليك هذه الخصال، ورغبك فيها، واعلمي -أيتها البنت الكريمة- أن طريق العلم طريق طويل، وهو مفتوح المصارع والأبواب، والله تعالى يقسم فيه الأرزاق بين الناس بحكمة بالغة، فلا تقصري فيما تقدرين عليه من تحصيل العلم، ولو كان شيئا يسيرا، اجتهدي فيه؛ فإن طلب العلم قربة من أعظم القرب والطاعات التي يتقرب بها الإنسان إلى ربه، وكما قال الشاعر:

على المرء أن يسعى ويبذل جهده … وليس عليه أن تتم المقاصد
فإن نال بالسعي المنى تم قصده … وإن خالف المقدور كان له عذر

اجتهدي في استغلال وقتك، واملئي ليلك ونهارك بالأعمال الصالحة، امتثالا لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (‌احرص ‌على ‌ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز)، وستبلغين -إن شاء الله- المراتب العالية، وكما قال الشاعر وهو يحث على طلب العلم:

اطلب العلم ولا تكسل فمـا ... ‏أبعـد الخير على أهـل الكسل
‏واحتفـل للفقه في الدين ولا ... ‏تـشتغل عنـه بـمال وخـول ‏
واهـجر النوم وحصله فمن ... ‏يعرف المطلوب يـحقر ما بذل
لا تقل قد ذهبت أربابه ... كل من سار على الدرب وصل
‏في ازدياد العلم إرغام العدى ... ‏وجمال العلم إصـلاح العمـل

استغلي أوقاتك، واملئي أوقات الفراغ بطلب العلم، وسبل تحصيل العلم في هذه الأيام مسهلة وميسرة، فمواقع العلماء المشهورين كثيرة، والدروس العلمية تملأ شبكة الإنترنت بالصوت والصورة، فنظمي أوقاتك، وحاولي التدرج في طلب العلم، وستصلين -إن شاء الله تعالى- إلى ما قدره الله تعالى لك، فالله لطيف بعباده، يقدر لهم ما فيه الخير، ويقسم بينهم هذه الأرزاق، ومجرد أنه سبحانه وتعالى رزقك هذا الميل نحو العلم الشرعي وحبه ونية تحصيله؛ فإن هذا اصطفاء من الله تعالى لك واختيار لك، فاحذري من أن يصرفك الشيطان عن هذا الفضل العظيم.

أما أن تكوني كغيرك من الناس الذين طلبوا العلم وبرزوا فيه؛ فليس هذا أمر إليك، فهذا تقسيم الله تعالى وتقديره، وله سبحانه وتعالى الحكمة البالغة والحجة القاهرة، يفعل ما يشاء، وهو أعلم سبحانه وتعالى بأحوال عباده، فيعطي هذا قليلا ويعطي هذا كثيرا، وعلينا أن نرضى بما يقدره الله تعالى لنا، ونعلم يقينا أنه ذو اللطف والرحمة.

احرصي على النافع، واشتغلي بتحصيله، ثم بعد ذلك ينبغي أن ترضي بما يقدره الله تعالى، واحذري من أن يتسلل الشيطان إلى قلبك ليغرس فيه الحزن والكآبة، فهو حريص بذلك على صرفك عن هذا الطريق.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن ييسر لك الخير، ويبلغك آمالك بما فيه مرضاته تعالى.

مواد ذات صلة

الاستشارات