أبحث عن الراحة والسعادة ولا أجدهما رغم أني أصلي، فما السبب؟

0 11

السؤال

السلام عليكم.

أنا شاب، عمري 25 سنة، أبحث عن الراحة والسعادة ولكنني لا أجدهما، فكل أمور حياتي معقدة وصعبة، مع العلم أنني ملتزم بالصلاة وذكر الله يوميا.

وشكرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سائل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -أخي العزيز- في إسلام ويب، ونسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياك لصالح القول والعمل.

أخي: اعلم وفقك الله أن رغبات النفس لا يحدها شيء، فالنفس تجنح للراحة والسكون وتبحث عن كل ما يسعدها ويحقق لها رغباتها، وتنفر من أي أعباء ومجهود، لذلك من تبع مراد نفسه أوردته المهالك وقربته من الشهوات، ومن ألجمها بلجام الدين والتقوى والشرع استقامت وصلح حالها، فالنفس تحتاج إلى تهذيب وتربية لتستقيم على الخير وتسعى إليه، يقول تعالى: (قدۡ أفۡلح من تزكىٰ ۝١٤ وذكر ٱسۡم ربهۦ فصلىٰ ۝١٩).

ولكن الذي ينبغي أن تدركه -أخي الكريم- أن سنن الله في الحياة لا تسير وفق معادلة الراحة والسعادة لمجرد الرغبة والتمني، ولكن العكس تماما فبلوغ الراحة والسعادة وتحقيق الأهداف لا ينال إلا على جسر من التعب، والكدح والبناء، والاجتهاد حتى تصل إلى تحقيق ما تريد، يقول تعالى: (یـٰۤأیها ٱلۡإنسـٰن إنك كادح إلىٰ ربك كدۡحࣰا فملـٰقیه)، فسنة الله أن الحياة دار كدح وعمل، واجتهاد، وتنافس، وبقدر اجتهاد الإنسان يتحقق له الاستقرار والراحة والسعادة.

وهذه السعادة التي يبلغها الإنسان ليست سعادة دائمة لا تتحول أو تتبدل، فالحياة لها بداية ونهاية والإنسان بين ذلك يعيش ما قدر الله له في فترة أساسها الزمن الذي من سماته أنه لا يتوقف حتى لو رحل الإنسان من الدنيا حتى قيام الساعة، وهذا يقتضي أن الحياة في ومن فيها في حركة وسعي دائم تكتنفه الأحداث، وتقلب الأحوال بين رخاء وشدة، وعسر ويسر، وبلاء ومنحة وهكذا، يقول تعالى: (وٱلۡعصۡر ۝١ إن ٱلۡإنسـٰن لفی خسۡر ۝٢ إلا ٱلذین ءامنوا۟ وعملوا۟ ٱلصـٰلحـٰت وتواصوۡا۟ بٱلۡحق وتواصوۡا۟ بٱلصبۡر ۝٣).

اعلم -أخي- وفقك الله أن تحقيق الأماني دون سعي واجتهاد أحد مداخل الشيطان التي يستدرج بها عباد الله فيوقعهم في الحزن الذي يورث العجز والألم، ويضعف القلب، ويوهن العزيمة، لذلك جعله الشيطان الباب الواسع الذي يدخل منه لقلب المسلم فيحزنه، ليتحول هذا الحزن مع الوقت إلى عجز وعدم رضا تتكدر معه حياة الإنسان، وفي ذلك يقول الله تعالى حاكيا عن مكائد الشيطان: (ولأضلنهمۡ ولأمنینهمۡ ولـٔامرنهمۡ فلیبتكن ءاذان ٱلۡأنۡعـٰم ولـٔامرنهمۡ فلیغیرن خلۡق ٱللهۚ ومن یتخذ ٱلشیۡطـٰن ولیࣰا من دون ٱلله فقدۡ خسر خسۡرانࣰا مبینࣰا)، فالتمني دون عمل واجتهاد وسعي لا يحقق للإنسان سوى الحزن لفوات المرغوبات التي لا تنتهي.

ومن آثار الحزن الذي يصيب القلب أن الإنسان لا يرى نعم الله التي هو فيها، فيتجاهل الخير الذي يحيطه به من كل مكان لضر عارض أو لنازلة حادثة، أو في لحظات فشل، أو مصيبة تحل به، يقول الله تعالى: (إن ٱلۡإنسـٰن خلق هلوعا ۝١٩ إذا مسه ٱلشر جزوعࣰا ۝٢٠ وإذا مسه ٱلۡخیۡر منوعا ۝٢١ إلا ٱلۡمصلین ۝٢٢ ٱلذین همۡ علىٰ صلاتهمۡ داۤىٕمون ۝٢٣)، ولا يستثنى من ذلك إلا أهل الإيمان والصلاح الملتزمون بأداء الفرائض وتنقية قلوبهم بكثير من النوافل والطاعات.

وما يصبر الإنسان عند النوازل هو اعتقاده التام بعلم الله وقدرته وإحاطته وتدبيره، فكل قضاء يقضيه الله تعالى خير لعبادة وإن كان ظاهره شرا كما يبدوا للناس، فالمؤمن يرى في النوازل والشدائد أنها بلاء يرفع الله به الدرجات ويكفر السيئات، جاء في الصحيحين عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ما يصيب المسلم من نصب، ولا وصب، ولا هم، ولا حزن، ولا أذى، ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه).

كما أن المؤمن يرى في الشدائد أنها تربية للنفس، وامتحانا على صدق التوجه إلى الله، وسلامة الإيمان من التعلق بالدنيا، وخلوصه من شوائب الرياء، فالشدائد تظهر صدق الصادقين، ويتساقط عندها أهل النفاق وحب السمعة، يقول الله تعالى: (أمۡ حسبۡتمۡ أن تدۡخلوا۟ ٱلۡجنة ولما یعۡلم ٱلله ٱلذین جـٰهدوا۟ منكمۡ ویعۡلم ٱلصـٰبرین).

والابتلاءات بمختلف الشدائد والنوازل لا تنفك عن المؤمن في نفسه وأهله وماله فالدنيا دار اختبار لا دار قرار، فعندما يدرك المؤمن ذلك يجتهد في تحويل المحن والشدائد إلى منح فينظر من خلالها إلى الجانب المشرق والنعم التي تجاهلها، ويرى النتائج التي تثمرها تلك الشدائد على النفس والحياة، يقول الله تعالى: (ولنبۡلونكم بشیۡءࣲ من ٱلۡخوۡف وٱلۡجوع ونقۡصࣲ من ٱلۡأمۡو ٰ⁠ل وٱلۡأنفس وٱلثمر ٰ⁠تۗ وبشر ٱلصـٰبرین*ٱلذین إذاۤ أصـٰبتۡهم مصیبةࣱ قالوۤا۟ إنا لله وإناۤ إلیۡه ر ٰ⁠جعون*أو۟لـٰۤىٕك علیۡهمۡ صلو ٰ⁠تࣱ من ربهمۡ ورحۡمةࣱۖ وأو۟لـٰۤىٕك هم ٱلۡمهۡتدون).

واعلم أن الإنسان يبتلى بقدر صلاحه وتقواه لله تعالى، فعن مصعب بن سعد، عن أبيه، قال: " قلت : يا رسول الله ، أي الناس أشد بلاء؟ ، قال (الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، فيبتلى الرجل على حسب دينه ، فإن كان دينه صلبا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه ، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة) رواه الترمذي. فكون الإنسان يصلي ويدعي الاستقامة فسنة البلاء فيه أعظم، والعاقبة أكبر يقول تعالى: (قلۡ یـٰعباد ٱلذین ءامنوا۟ ٱتقوا۟ ربكمۡۚ للذین أحۡسنوا۟ فی هـٰذه ٱلدنۡیا حسنةࣱۗ وأرۡض ٱلله و ٰ⁠سعةۗ إنما یوفى ٱلصـٰبرون أجۡرهم بغیۡر حسابࣲ).

إذا نظر المسلم إلى الشدائد من هذا المنظور ستصبح الشدائد والنوازل وسيلة بناء وتربية لا سبب حزن وألم، وتصبح وسيلة لبناء الذات وتعزيز العلاقة بالله تعالى، فكم من إنسان ابتعد عن الله وغرق في المعاصي ولم يوقفه شيء، حتى إذا أبتلي استيقظ من سكرة الشهوات، وعرف قدر نفسه، وعاد إلى ربه وصلح حاله، يقول الله تعالى: (كلاۤ إن ٱلۡإنسـٰن لیطۡغىٰۤ ۝٦ أن رءاه ٱسۡتغۡنىٰۤ ۝٧).

أخيرا -أخي- إذا رأيت الحزن والشعور بالعجز وعدم الرضا يتسرب إلى قلبك في أي لحظة؛ فبادر إلى النظر في حال من هم أكثر منك في الشدائد والنوازل، والمرض والحاجة هنا ستدرك نعم الله عليك، وأنه فضلك على كثير ممن خلق، فالتطلع إلى ما عند الآخرين من مال ومتاع الدنيا -الذي ابتلي به الناس اليوم عبر مواقع التواصل الاجتماعي وغيره- يزيد القلب حزنا وينسي الإنسان فضل الله عليه، جاء في الحديث عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم؛ فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم) متفق عليه .

وإن رأيت حياتك تزداد تعقيدا وصعوبة وتأخر عليك الفرج فتذكر قول الله تعالى: (فإن مع ٱلۡعسۡر یسۡرا ۝٥ إن مع ٱلۡعسۡر یسۡرࣰا ۝٦)، فمهما ضاقت الأحوال التزم طاعة الله تعالى، ولا تقنط من رحمة الله، وبادر إلى النظر في الجانب الإيجابي في أي نازلة أو شدة، فكم من شدة كان فيها خير، وكم من خير كان سببا في بلاء وضيق ونحن لا نعلم، يقول تعالى: (وعسىٰۤ أن تكۡرهوا۟ شيئا وهو خیۡرࣱ لكمۡۖ وعسىٰۤ أن تحبوا۟ شيئا وهو شرࣱ لكمۡۚ وٱلله یعۡلم وأنتمۡ لا تعۡلمون).

ثم اعلم أن عاقبة المجاهدة والصبر والتربية هي تحقيق المقاصد وبلوغ الغايات، وهذا الذي يتميز به أصحاب الهمم عن أصحاب الأماني والأحلام والكسل، وأنت لا تزال في مقتبل العمر ولا بد أن تجتهد في بناء نفسك، والتعرف إلى ربك، ومعرفة سنن الله تعالى في خلقه وتدبيره، ويتحصل لك ذلك من تدبر القرآن وفهم مقاصده، والنظر العميق في سيرة النبي -صلى الله علية وسلم-، وسيرة الصالحين في هذه الأمة، لترى كمية الشدائد والمحن التي مروا بها حتى بلغوا الغايات، وفي هذا شفاء ودواء يحدوك للاجتهاد والسعي، (وٱصۡبرۡ فإن ٱلله لا یضیع أجۡر ٱلۡمحۡسنین).

واعلم أن الصبر لا بد أن يقترن بالرضا حتى يثمر راحة القلب وقوة السعي وكمال الأجر، وإلا أصبح قرين العجز والزلل، فاستعن بالله، واجتهد في صلاح قلبك، وابذل الوسع والطاقة في بلوغ ما تريد من صالح أعمال الدنيا والآخرة ستجد الثمرة بلا شك ولا ريب، وتأمل حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان)، رواه مسلم.

وفقك الله لما يحب ويرضى.

مواد ذات صلة

الاستشارات