حاولت أن أصلح ما بيني وبين أهلي إلا أنهم طردوني، فماذا أفعل؟

0 13

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

عندي مشكلة: صار خلاف بيني وبين أهلي وطردوني من بيتهم، ولم يسمعوا كلامي، ولا حتى قبلوا أن أراضيهم، ومع العلم أن المشكلة لا تستحق كل هذا، وأنا ما أخطأت في حقهم.

أخي الأصغر مني هو من عمل المشكلة، وكبرها ووضع اللوم علي، والله يعلم أنه هو المخطئ ولست أنا، ذهبت لأراضيهم فطردوني، وهددني أخي ألا أرجع لزيارتهم، وذهب إليهم زوجي كذلك فطردوه، مع أنه لم يفعل لهم شيئا إلا كل خير معهم، واتصلت بهم أكثر من مرة ولم يتم الرد علي، فماذا أفعل؟

محتارة والله، هل علي إثم في حقهم؟ هل أحاسب أمام الله؟ مع العلم أنهم لم يتركوا لي مجالا للصلح!

أفيدوني، جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سائلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -ابنتنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام والحرص على السؤال، ونسأل الله أن يؤلف القلوب وأن يصلح الأحوال.

لا يخفى عليك أن مثل هذه المسائل تحتاج لبعض الوقت، فاجتهدي في حسن التواصل مع الأسرة، خاصة إن كان في البيت والد ووالدة، ولا تقطعي الذهاب إليهم حتى ولو طردوك أو أرجعوك؛ لأن أجرك ثابت عند الله تبارك وتعالى، وهم أكبر منك سنا فهم أولى الناس بك، ولذلك أرجو أن تجتهدي أولا في الدعاء؛ لأن قلوبهم وقلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها ويصرفها.

الأمر الثاني: ما هو دور الوالدين في ما شجر بينكم؟ هل الوالدان موجودان؟ وهل هما يوافقان إخوتك في ما ذهبوا إليه؟ وإن لم يكونا موافقين هل حاولت الاستعانة بهم لإنهاء هذا الخلاف؟ كما أرجو أيضا أن تجدي في الأعمام والعمات، والأخوال والخالات، من يستطيع أن يعاونك على إصلاح هذا الخلل الذي حدث.

ثالثا: ينبغي ألا تقابلي إساءتهم بالإساءة، وعليك أن تتذكري أن هذه الشريعة التي شرفنا الله تبارك وتعالى بها تحثنا على مقابلة الإساءة بالإحسان؛ لأنها سبب في ترقيق القلوب، وفي كسب المودة، بل تحول العداوة إلى محبة، يقول ربنا تعالى: [ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ۚ ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم] فصلت (34). جاء في تفسير الطبري: عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى: ( ادفع بالتي هي أحسن ) قال: أمر الله المؤمنين بالصبر عند الغضب, والحلم والعفو عند الإساءة, فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان, وخضع لهم عدوهم, كأنه ولي حميم، وقال آخرون: معنى ذلك: ادفع بالسلام على من أساء إليك إساءته.
وقوله: ( فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم )، يقول تعالى ذكره: افعل هذا الذي أمرتك به يا محمد من دفع سيئة المسيء إليك بإحسانك الذي أمرتك به إليه, فيصير المسيء إليك الذي بينك وبينه عداوة, كأنه من ملاطفته إياك. وبره لك, ولي لك من بني أعمامك, قريب النسب بك, والحميم: هو القريب.

أما من ناحية الإثم: فلا ذنب عليك، ولا إثم عليك ما دمت تحاولين، وما دمت حريصة على إصلاح هذا الخلل، ونعتقد أن الوقت جزء من الحل، يعني المسألة لا ينبغي أن تطرح عند شدة الخصام، ولكن يجب أن ننتظر بعض الوقت، وفي هذا الوقت أيضا ينبغي أن نستدعي قواعد هذا الدين العظيم، وأدوار الفضلاء والدعاة، إذا كان هناك من يستمعون إليه من الناصحين، ويمكن أن يتدخل، فلا مانع من ذلك.

إذا: فلا إثم عليك ما دمت تحاولين، وزوجك يشكر على ما قام به، ونتمنى منه أيضا أن يكرر المحاولات، وألا يتأثر بهذا الذي حدث، فهم طردوه لأجل غضبهم عليك، فليس من المصلحة أن يجعل هذا موقفا شخصيا، ولكن نؤكد أن عليه دورا، ونكرر له ولك الشكر على المحاولات، واستمروا في محاولات الإصلاح، ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد.

عليه: يرتفع الإثم ويرتفع الحرج بصدق النية، وتكرار المحاولات، والتوجه إلى الله تبارك وتعالى، وبذل أسباب الصلح، ومرة أخرى نكرر: هذا الذي حدث لا يبرر لك مقابلة قطيعتهم بالقطيعة، أو إساءتهم بالإساءة، ونذكر بقول النبي -صلى الله عليه وسلم- لمن جاءه وقال: (يا رسول الله ‌إن ‌لي ‌قرابة أصلهم ويقطعونني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي) فبشره النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: (لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك)، فالذي يحرص على صلة الرحم مأجور عند الله تبارك وتعالى، ويتأكد هذا المعنى -كما قلنا- عندما يكون في البيت والد ووالدة وكبار في السن.

نسأل الله أن يعينك على الخير، وأن يلهم الأسرة أيضا الرشاد والسداد حتى يتيحوا لك فرصة الإصلاح، ونبشرك بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان ‌فيعرض ‌هذا ‌ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام)، فبادري بالصلح والإصلاح، وكرري المحاولات، ونسأل الله أن يؤلف القلوب، وأن يرفعنا جميعا عنده درجات.

هذا، وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات