أخاف الموت وأنا على هذا الحال من الوساوس في العقيدة!

0 29

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أعبر عن امتناني العميق لكل القائمين على موقع إسلام ويب، جزاكم الله خيرا على جهودكم الرائعة، ونسأل الله أن يجعلها في ميزان حسناتكم، ونحن ممتنون لوجود مثل هذا المصدر الموثوق والقيم في عالم الإنترنت.

أرجو منكم مساعدتي، والرد على سؤالي دون إحالتي إلى فتاوى أخرى، لأني قد قرأت كل الفتاوى ولم أجد ما يصف حالتي.

عانيت من الوسواس القهري في العقيدة، وكان وسواسا يتعلق بالموت والنار، لجأت إلى الله والقرآن، وبفضل الله تخلصت منه، وبعد مرور سنوات، عادت لي مشكلة الوسواس، في البداية كانت تتعلق بالنار، ولكن تطور الأمر إلى سب الذات الإلهية، والشك في ديني وعقيدتي، واليوم الآخر والأنبياء.

حاولت محاربة الوسواس، لكن كلما أجبت على سؤال، تنشأ أسئلة أخرى، يتزايد الوسواس أثناء صلاتي، وأقرأ بصوت عال لتشتت أفكاري، ومع ذلك، الآن لا أستطيع أن أشعر بوجود الله، ولم أعد أخاف عند سماع آيات العذاب، يبدو أن قلبي أصبح كالحجر، ورغم أني أؤدي الفرائض والسنن وقيام الليل والوتر، وأقرأ القرآن وأذكاري طول اليوم، لا يمكنني أن أشعر بشيء أثناء أداء الشعائر الدينية.

مشاعري متناقضة، لا أشعر بأي شيء في قلبي، لا يمكنني معرفة حقيقة نفسي أو مشاعري، أحيانا أبكي بدون سبب، وأنهار وأشعر بضيق وتسارع في دقات القلب، وأفزع إذا أحد تحدث معي، وأشعر بعصبية شديدة وتوتر وقلق دائم.

الآن خف الوسواس بشكل كبير، ولكن بدأت أشعر بأنني لست مؤمنة، ولا أستطيع أن أشعر بوجود الله سبحانه وتعالى، أخاف أن أموت على هذا الحال، ادعو لي بالثبات.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ إيلاف حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -ابنتنا الكريمة- في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله تعالى أن يمن عليك بعاجل العافية والشفاء، وأن يصرف عنك كل سوء ومكروه.

أولا: نحن لا نخاف عليك أبدا من هذه الحالة ومن الموت عليها، فإن حالتك هذه حالة إيمان وليست حالة كفر ولا شك ولا تردد، فإن خوفك الشديد من هذه الوساوس وقلقك بسببها وحزنك وبكاءك؛ كل ذلك يدل دلالة صريحة واضحة على وجود الإيمان في قلبك، وقد جاء بعض الصحابة يشتكي إلى النبي ﷺ أشياء يجدها في صدره ويخاف من البوح بها، ويفضل أن يحرق بالنار على أن يبوح بها، فقال له النبي ﷺ: (ذاك صريح الإيمان).

يعني خوفك الشديد من هذه الوساوس وقلقك بسببها، وكراهتك لها هو الإيمان؛ إذ لولا وجود هذا الإيمان في القلب لما كان الإنسان يحس كل هذا القلق والخوف والاضطراب.

نحب أن نبشرك ونطمئنك أن هذه الحالة التي أنت عليها هي حالة إيمان، إن شاء الله، فلا تقلقي أبدا ولا تهتمي، ولكنك في الوقت ذاته مأمورة باتباع الإرشادات النبوية بمقاومة هذه الوساوس وطردها عن نفسك لتستريحي منها، وهذه التوجيهات هي من جملة الأسباب التي ينبغي الأخذ بها، فإن الوسوسة داء ومرض، والرسول ﷺ قد أرشدنا وعلمنا أن نتداوى لمدافعة المرض، فقال: (تداووا عباد الله) وقال: (ما أنزل الله داء إلا وأنزل له دواء).

دواء هذه الوساوس يتكون من شقين:
الشق الأول: الدواء المعنوي الروحي، وهذا تولى النبي ﷺ بيانه أوضح بيان وأكمله، فقال في حق الموسوس: (فليستعذ بالله ولينته)، وفي رواية: (وليقل آمنت بالله) وكلما داهمتك هذه الأفكار وهذه الوساوس قولي مباشرة: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)، أي اطلبي الحماية من الله سبحانه وتعالى، فهو على كل شيء قدير.

الدواء الثاني هو: الانصراف عن هذه الوساوس، قال عليه الصلاة والسلام: (فليستعذ بالله ولينته)، والانتهاء يعني الكف عن الخوض في هذه الوساوس والبحث عن إجابات لأسئلتها، وذلك يكون بتحقيرها والنظر إليها على أنها أمر تافه حقير، لا يستحق الاهتمام والاعتناء، فالشيطان يحاول أن يضخم هذا الشيء ويبين أثره على دينك وعلى مصيرك وعلى الجنة والنار وما إلى ذلك، والحقيقة أنه شيء تافه يحاول الشيطان من خلاله زعزعة أمنك واستقرارك.

حقري هذه الفكرة تماما، ومن مظاهر التحقير الانصراف عنها والاشتغال بغيرها، أي شيء ينفعك في دينك أو في دنياك اشتغلي به، فإذا شغلت نفسك بالشيء فإنه لا يقبل القلب الواحد أن يشتغل بشيئين في ذات الوقت، وقد قال الله سبحانه في كتابه الكريم: {ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه} [الأحزاب: 4]، والنفس تشتغل بالشيء الواحد، فأشغلي نفسك بأي شيء ينفع، وستجدين أنك كلما صبرت على سلوك هذا الطريق وأخذت بتوجيهات الأطباء النفسيين المتعلقة بهذا الشأن؛ فإنك ستجدين نفسك تتخلصين من هذه الوساوس عن قريب، إن شاء الله تعالى.

التوجيه الثالث الذي وجه به النبي ﷺ من أصيب بشيء من الوسوسة هو الإكثار من ذكر الله، قال: (وليقل آمنت بالله)، فذكر الله حصن حصين يتحصن به الإنسان من المكروهات، وهو أيضا سبب لانشراح الصدر، فأكثري من ذكر الله تعالى على الدوام، بأي أنواع من الأذكار التي تحفظينها، وأشرف الأذكار قراءة القرآن، فأكثري من قراءة القرآن وذكر الله سبحانه وتعالى.

بعد كل هذه الأسباب الروحية المعنوية ينبغي الأخذ بتوجيهات الأطباء النفسيين – وهذا هو الشق الثاني من العلاج – إذا وجهوك إلى تناول أشياء لإعادة الاعتدال إلى الجسم، وضبط مزاجه بما يعيده إلى حالته الطبيعية، فإن ذلك أيضا من جملة الأسباب التي دخلت في قوله ﷺ: (تداووا عباد الله).

نسأل الله تعالى لك عاجل العافية والشفاء.

مواد ذات صلة

الاستشارات