تعرضت لظلم وقهر شديد، وتم قذفي بالإفك والباطل بدون بينة من عدة أشخاص، ويعلم الله وحده أني بريئة مما قيل، ولم أستطع إثبات ذلك، ولا أخذ حقي، وتم تدمير حياتي كلها، قلبي احترق من القهر، ولا أدري ماذا أفعل، ولا بم أدعو، ورغم يقيني بقدرة الله وإحاطة علمه بالحق ورد الحقوق، لكن مرت علي لحظة قهر وضعف، فكرت في إنهاء حياتي، وأشعر بتأنيب الضمير، فماذا أفعل؟ وكيف أستغفر؟

كذلك والدي رجل ظالم، آذاني وقهرني، وليس له أي ضمير، ويبدو أمام الناس عكس ذلك تماما، ويتفنن في تقليب والدتي علي، لإفقادها الثقة في وفي مصداقيتي، ولحكمة -لا يعلمها إلا الله- ما زلت أعيش في منزله، رغم محاولاتي للانتقال، أنا حرفيا لا أطيق النظر إلى وجهه، ولا أكن له أي مشاعر طيبة، رغم محاولاتي، فأنا تأخذني الرحمة به لكبر سنه.

ما حدود التعامل معه بما لا يحاسبني عليه الله؟ ولكم جزيل الشكر.

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ هبة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أشعر بصعوبة الموقف الذي تواجهينه، وما تمرين به من ظلم وقهر، فالتعرض للاتهامات الباطلة والظلم يمكن أن يكون من أشد الابتلاءات وأقساها، ولكن تذكري دائما أن الله سبحانه وتعالى مع الصابرين، وأن عدله يعلو ولا يعلى عليه.

بالنسبة للظلم الذي تشعرين به من والدك، فإن العلاقة بين الوالدين والأبناء محفوظة بحقوق وواجبات في الإسلام، يشدد الإسلام على بر الوالدين والصبر على أذاهما، ولكنه لا يجبر الأبناء على تحمل الظلم والإساءة، قال تعالى: ﴿ وقضىٰ ربك ألا تعۡبدوۤا۟ إلاۤ إیاه وبٱلۡو ا⁠لدیۡن إحۡسـٰناۚ إما یبۡلغن عندك ٱلۡكبر أحدهماۤ أوۡ كلاهما فلا تقل لهماۤ أفࣲ ولا تنۡهرۡهما وقل لهما قوۡلࣰا كریمࣰا﴾ [الإسراء ٢٣] وهنا بعض الأمور التي يمكنك التفكير فيها:

1. استمري في الدعاء وطلب الفرج من الله، واسأليه العون والصبر والتخفيف من الظلم الذي تعانين منه، قال تعالى: ﴿وقال ربكم ٱدۡعوني أسۡتجبۡ لكمۡۚ إن ٱلذین یسۡتكۡبرون عنۡ عبادتي سیدۡخلون جهنم داخرین﴾ [غافر ٦٠].

2. التسامح لا يعني قبول الظلم، بل هو تحرير للنفس من عبء الغضب والحقد الذي يثقلها، قال تعالى: ﴿ولمن صبر وغفر إن ذ ⁠لك لمنۡ عزۡم ٱلۡأمور﴾ [الشورى ٤٣].

3. حاولي البحث عن مستشار أسري أو شخص ذي حكمة، ليساعدك في التعامل مع هذا الوضع.

4. إذا كنت تعانين من ظلم يمكن أن يؤدي إلى أذى نفسي أو جسدي، فالإسلام يكفل لك الحق في السعي للحماية والسلامة.

5. من المهم جدا العناية بالصحة النفسية والجسدية، والسعي لتحسين الحالة المعنوية.

بالنسبة لأفكار إنهاء الحياة، فإنها دليل على حجم الضغط النفسي الذي تعانين منه، من فضلك، ابحثي عن الدعم النفسي والمهني فورا، فحياتك ثمينة، ولا يجب التفكير في إنهائها أبدا، وفي مثل هذه الحالات من الضروري الحصول على الدعم، للتعامل مع هذه الأفكار والمشاعر السلبية.

وفيما يتعلق بالتعامل مع والدك ننصحك بما يلي:

1. حاولي قدر الإمكان أن تتعاملي معه بالبر والإحسان حتى في مواقف الظلم، ما لم يؤد ذلك إلى الأذى النفسي أو الجسدي لك، نعم.. نتفهم صعوبة تقبله كأب من ناحية المشاعر، لكن على الأقل، الحرص على بره في الأمور العملية.

2. احترام الوالدين واجب، لكن الإسلام لا يجبرك على تحمل الأذى، حافظي على حدودك الشخصية، واطلبي الحق في العيش بكرامة.

3. ربما يكون من المفيد التحدث مع شخص ذي خبرة في الشريعة الإسلامية، ليعطيك رؤية واضحة حول كيفية التعامل مع الوالد في ضوء الظلم الذي تشعرين به.

أما بخصوص الاتهام بالإفك، وقذف عرضك، فالتعرض لاتهامات أخلاقية باطلة يعد من الأمور الشديدة الوطأة على النفس والسمعة، ويتطلب قوة نفسية وصبرا جما، وإليك بعض النصائح الإضافية حول كيفية التعامل مع هذه الوضعية.

1. احرصي على تأكيد براءتك بأسلوب حازم، ولكن بطريقة هادئة وكريمة، دون الدخول في مهاترات قد تزيد الأمر سوءا.

2. تجنبي الردود العاطفية المتسرعة التي قد تفسر بطريقة خاطئة وتعزز الشكوك ضدك.

3. ابحثي عن الدعم من الأصدقاء والعائلة، الذين يثقون بك ويفهمون الوضع الذي تمرين به.

4. إذا كانت الاتهامات تهدد سمعتك أو مستقبلك بشكل جدي، فقد يكون من الحكمة استشارة محام لفهم حقوقك والدفاع عنها.

5. حاولي عدم عزل نفسك، فالعزلة يمكن أن تؤدي إلى تفاقم الضغوط النفسية والشعور باليأس.

6. إذا كان الأمر يتطلب الرد، فلتكن الاستجابة مدروسة وبناءة وفي السياق المناسب.

7. يعلم الإسلام المسلم بأن الله مع المظلوم، ويعلمنا أن التسامح والعفو يرفعان من قدر الإنسان.

8. تضرعي إلى الله بالدعاء والصلاة، ليظهر الحق ويزيل الباطل ويعينك على هذا الابتلاء، فقد اتهمت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في حادثة الإفك، وأظهر الله تعالى براءتها للعالمين.

9. ركزي على نموك الشخصي، واستمري في الأعمال التي تجلب لك السكينة والاطمئنان.

تذكري أن الأزمات تمر وأن الحق يظهر مهما طال الزمن، حافظي على قوتك وثباتك، وتجنبي أي ردود فعل قد تؤثر سلبا على وضعك، والأهم من كل ذلك: حافظي على ثقتك بنفسك وبقيمك التي تعرفين أنها صحيحة وعادلة.

تذكري دائما أنك لست وحدك، وأن هناك مساعدة متاحة لك، سواء كانت دينية أو اجتماعية أو قانونية، تمسكي بالأمل والصبر، وابحثي عن السلام النفسي والاستقرار في حياتك.

وفقك الله.