خسرت تجارتي ولم أعد أجد ما أطعم به عيالي، فما توجيهكم؟

0 22

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا رجل متزوج، ولي ثلاثة أطفال، أفلست تجارتي، وتراكمت علي الديون والإيجارات، بل وصلت لمرحلة لا أجد فيها ما أطعم به عيالي! فكرت مرارا وتكرارا في الانتحار، لكن خوفي من الله منعني، اقترضت كي أسدد ولو بعضا من ديوني المتراكمة، لكني فشلت! بل ازدادت علي الديون، أقسم برب العزة أني أعيش الجحيم النفسي، حيث جفا عيني النوم، أفكر ليلا ونهارا، ما يزيدني ألما وشعورا بالعذاب هم أطفالي الصغار!

يا رب أنت المستعان، وإليك المشتكى، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فالرجاء تقديم النصيحة.


الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ إدريسي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا بك -أخي الكريم- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم أن يفرج همك، وأن ينفس كربك، وأن ييسر عسيرك، وأن يزيدك من فضله، إنه جواد كريم، وبعد:

إننا نحمد الله تعالى أن البلاء كان في المقدور والمتاح تجاوزه -بإذن الله تعالى-، نعم -أخي- لا تتعجب، فمصيبتك أهون بكثير من هذا الذي ضاعت أمواله وله فتاة مصابة بالسرطان لم يجد لها علاجا، والأخرى مصابة بالكلى ولها غسيل أسبوعي بمبالغ فائقة اليوم عليه، وقد كانت قبل ذلك في متناول يده!

لماذا نقول لك ذلك؟ نقوله لثلاثة أسباب:

أولا: حتى نغلق عليك مداخل الشيطان، فلا يتسلل إلى قلبك من خلال تعظيم مصابك وتصويره على أنه الأكبر والأضخم، ويغلق عنك كل نسمة أمل يمكن أن تدخل عليك.

ثانيا: حتى نستشعر رحمة الله تعالى في الابتلاء، ونتأمل حكمته فيها، هذه الحكم -أخي الكريم- هي التي تقوي عزمك وتبعث فيك النهضة من جديد، وتغلق عنك باب اليأس، وهذا هو أول طريق الفرج بأمر الله.

ثالثا: لا بد من الترميم النفسي قبل وضع خطة منهجية لتدارك ما فات من خير، أو دفع ما هو شر، فإذا كانت النفس خاوية وضعيفة، فإن العلاج أبتر، والأجر فوق ذلك ضائع.

أخي: أنت تعلم أننا في دار ابتلاء، دار خلقها الله -عز وجل- وجعلها دار كدر وهم وعناء، جعلها الله هكذا وهو القادر على أن يجعلها نعيما كاملا، لكنه -جل قدره- أجل هذا النعيم في جنة عرضها السموات والأرض لمن صبر وشكر، نعيم باق لا يفنى، وممتد لا ينتهي.

2- البلاء -أخي- لا يخلو من لطف ولا يخلو من حكمة، ومن تأمل حال من هم أشد منه ألما حمد الله على ما هو فيه من نعم، ودعنا نذكر لك بعض فوائد الابتلاء وحكمه:

1- البلاء كفارة للذنوب: فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه، وولده، وماله، حتى يلقى الله وما عليه خطيئة).

2- فيه حصول الأجر ورفعة الدرجات: عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ما يصيب المؤمن من شوكة فما فوقها إلا رفعه الله بها درجة، أو حط عنه بها خطيئة).

3- الابتلاء فرصة للتوقف أمام النفس وإصلاح العيب، وكلنا أهل لمثل هذه الوقفات -أخي-.

4- الابتلاء يربي الأبناء على تحمل المصاعب ويقوي عودهم، ولك أن تتذكر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يتيما، ثم لم يلبث إلا يسيرا حتى ماتت أمه أيضا؛ والله سبحانه وتعالى يذكر النبي -صلى الله عليه وآله- بهذا فيقول: ﴿ألم يجدك يتيما فآوى﴾ [الضحى: 6]، فكأن الله تعالى أراد إعداد النبي -صلى الله عليه وسلم- على تحمل المسؤولية ومعاناة الشدائد منذ صغره، ونحن نرى أبناء بعض أهل اليسار كيف ضاعت حياتهم، بل وأحيانا آخرتهم بسبب الترف الذي أصبح وبالا عليهم وعلى والديهم.

5- الابتلاء يذكرك بذنوبك ويوقفك أمام نفسك لتستدرك ما فات وتحسن التوبة والصلح مع الله: ﴿وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير﴾ [الشورى: 30].

6- الابتلاء يقوي الإيمان، ويكشف لك حقيقة الدنيا وزيفها وأنها متاع الغرور، وإن الحياة الصحيحة الكاملة وراء هذه الدنيا، في حياة لا مرض فيها ولا تعب: ﴿وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون﴾ [العنكبوت: 64]، أما هذه الدنيا، فنكد وتعب وهم: ﴿لقد خلقنا الإنسان في كبد﴾ [البلد: 4].

أخي الكريم: إننا ننصحك بعد هذا الترميم أن تفعل ما يلي:
1- لك أصحاب من أهل الخبرة والعمل استشرهم فيما يمكن إصلاحه، أو على الأقل فيما يمكن تأمين المتطلبات اليومية عن طريق العمل، وليس ذلك عيبا -أخي-.

2- التجارة بابها واسع وأجنحتها كثيرة، اجتهد في فتح مشروع آخر على أن يكون بسيط الحال، المهم أن يؤمن لك -بعد أمان الله- الحاجات الرئيسة.

3- لا تعتمد على الدين المستهلك، فإنه سيكون عبئا إضافيا، بمعنى لا تقترض حتى تنفق على الأولاد، بل اقترض حتى تقوم بعمل أو مقدمة عمل ولو بسيطا.

4- قلل من النفقات الزائدة، واقتصر في هذه الفترة على ما يقيم الأود.

5- اجعل من الابتلاء فرصة حتى يتقرب أهل البيت من الله أكثر.

6- لذ بالدعاء -أخي الكريم-، واعلم أن الكريم إذا أعطى أدهش، والله قادر أن يغير الحال في لمحة بصر، فلا تعجل ولا تقنط ولا تيأس، وعليك بهذا الدعاء الذي علمه النبي -صلى الله عليه وسلم- أحد الصحابة، فقد روى أبو داود عن أبي سعيد الخدري قال: [دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ذات يوم المسجد فإذا هو برجل من الأنصار يقال له: أبو أمامة، فقال يا أبا أمامة: ما لي أراك جالسا في المسجد في غير وقت الصلاة؟ قال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله، قال: أفلا أعلمك كلاما إذا أنت قلته أذهب الله -عز وجل- همك وقضى عنك دينك؟ قال: قلت بلى يا رسول الله، قال: قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال، قال: ففعلت ذلك فأذهب الله -عز وجل- همي وقضى عني ديني].

نسأل الله أن يقضي عنك الدين، وأن يذهب عنك الهم، وأن يفرج كربتك، إنه جواد كريم، والله الموفق.

مواد ذات صلة

الاستشارات