منعزلة وفي حزن شديد وتوتر، فهل من مخرج من هذا الظلام؟

0 20

السؤال

السلام عليكم.

أنا فتاة، عمري 23 عاما، أعاني من حزن شديد، وتوتر دائم بلا سبب واضح، وليس لدي رغبة في فعل أي شيء، وأتهرب من مسؤولياتي، ثم أشعر بتأنيب الضمير، وأحس بأني ضعيفة، ولا أصلح لشيء، وليس لدي طاقة لفعل شيء، وأشعر بالوحدة رغم وجود أهلي، وهم طيبون، وأشعر بأن الدنيا فارغة، وأني لا أصلح لهذه الدنيا، ولا أستطيع الاستمرار حتى النهاية.

أدرس في كلية الطب، في المستوى الرابع، ودائما أقارن نفسي بالآخرين، وأشعر بأنني لست أهلا لأن أدرس هنا، رغم أن مستواي الدراسي جيد، إلا أنني أشعر أن قدراتي أقل من الجميع.

أستغرب من قدرة الناس على المذاكرة، وطلب العلم، والقيام بالأمور، وألوم نفسي على تقصيري، وظلمي لنفسي، ولكن في الوقت نفسه لا أستطيع فعل شيء، ثم تمضي الشهور وأنا لا أفعل شيئا مفيدا، وأعود لجلد ذاتي.

لدي خوف كبير من المستقبل، خوف من ألا أتزوج، وخوف من أن لا أكون طبيبة جيدة.

علاقاتي الاجتماعية قليلة جدا، وأشعر بالغربة، وأعيش في عالم وهمي.

في السابق كنت معطاءة، وحنونة، وأهتم بالآخرين، وأقدم المساعدة والنصح، ولكن الآن خملة، وفقدت طولة البال، وأصبح خلقي ضيقا، وليس لدي طاقة لتقديم أي مساعدة.

في الحقيقة ليس لدي طاقة لفعل شيء، وهذا ما جعلني أعيش في توتر مستمر، وجلد للذات على تقصيري وتهربي من المسؤوليات والدراسة.

أنا لا أدرس جيدا، وعندما يحين موعد الامتحانات أغضب، وأبكي بشدة؛ لأنني لا أريد فعل شيء، وفي الوقت نفسه أشعر بأنني مضغوطة، ومجبرة على الدراسة، والجلوس للامتحان.

أعيش هكذا لسنوات، في صورة episode، وأحيانا أتمنى الموت.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ الوردة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك في إسلام ويب، ونسأل الله لك العافية، والتوفيق والسداد.

أيتها الفاضلة الكريمة: يظهر لي أنه لديك شيء من عدم تقدير الذات بصورة صحيحة؛ فأنت طالبة في كلية الطب، في المستوى الرابع، ولا يمكن أن تصلي لهذا المستوى إلا إذا كنت إنسانة جيدة وفاعلة، لكن المشاعر السلبية تأتي للناس في بعض الأحيان، وتجعلهم يقللون من ذواتهم.

وليخرج الإنسان من هذا الأمر يجب أن يحسن من ذكائه الوجداني، فهناك ما يعرف بالذكاء العاطفي، أو الذكاء الوجداني، وله تدريبات معينة، إذا أحسن الإنسان التطبيق فإنه يستطيع أن يصل إلى مرحلة التقييم الذاتي الصحيح لذاته، ومن ثم يبدأ بتقبل ذاته، ثم السعي لتطويرها، وبعد ذلك ينتقل إلى مرحلة التعامل الإيجابي مع الذات.

فأنا أنصحك بأن تدخلي كورسا، أو أن تتصلي بمن هو متخصص في الذكاء الوجداني، أو تتحصلي على بعض الكتب التي تتعلق بالذكاء الوجداني أو العاطفي. أعتقد أن هذه هي النقطة المركزية.

والأمر الآخر: أرجو أن تحكمي على نفسك بإنجازاتك وأفعالك، ولا تحكمي على نفسك من خلال الفكر والشعور السلبي.

من الناحية السلوكية: الإنسان عبارة عن مثلث، ضلعه الأول هو الأفكار، والضلع الثاني هو المشاعر، وضلعه الثالث هو الأفعال، والفكر السلبي الذي يستحوذ عليك لا بد أن تغيريه إلى فكر إيجابي، وهذا أمر بسيط جدا؛ فكل فكرة سلبية يوجد ما يقابلها من فكرة إيجابية، وتتمعني في هذه الفكرة الإيجابية، وتقنعي ذاتك بأنها فكرة أفضل لك من الفكرة السلبية، فلماذا لا تكون هي ديدنك، وهي وسيلتك التي تنطلقين من خلالها إلى آفاق إيجابية في حياتك؟! وكذلك بالنسبة للمشاعر، أيضا يستطيع الإنسان أن يبدلها، حتى السعادة تصنع، ولا شك في ذلك.

يأتي بعد ذلك ضلع الأفعال؛ وأنت لديك أفعال إيجابية، فيجب أن تستشعري ذلك، ويجب أن تجبري نفسك لأداء المزيد، وذلك من خلال حسن إدارة الوقت.

نحن الآن نركز كثيرا على قضية حسن إدارة الوقت؛ لأنها حقيقة تمثل جوهر انطلاق الإنسان نحو النجاح، والذي يستطيع أن يدير وقته بصورة جيدة يستطيع أن يدير حياته.

وبجانب حسن إدارة الوقت يجب أيضا أن نحسن إدارة طاقاتنا، هذا مهم جدا؛ فالإنسان لا يكون على مستوى واحد، أو وتيرة واحدة من الطاقة في أثناء اليوم، فكثير من الناس يجد نشاطه الحقيقي بعد صلاة الفجر؛ فهؤلاء ينامون مبكرا، ويستيقظون مبكرا، ويؤدون صلاتهم، ثم يقومون بأنشطة كثيرة، ومنها المذاكرة بالنسبة للطلاب؛ لأن الاستيعاب في فترة الصباح يكون عاليا جدا، ومن يدرس نصف ساعة في الصباح كأنه درس ساعتين في بقية اليوم.

فأرجو –أيتها الفاضلة الكريمة– أن تجعلي هذه مبادئك في الحياة، وأرجو ألا تحكمي على نفسك الحكم الآني الحاضر، ولا تحكمي على نفسك من خلال الماضي أبدا؛ فالحاضر نستطيع أن نفصله، ونستطيع أن نديره، ونستطيع أن نغيره، وقوة الآن هي التي يجب أن يرتكز عليها الإنسان؛ ليعيش حياة طيبة، وجميلة، ومنتجة، وإذا حسنا حاضرنا فسوف يتحسن مستقبلنا -إن شاء الله تعالى-؛ لأن المستقبل هو ماضي الحاضر، وحين يكون الحاضر ناجحا وجميلا فإن المستقبل أيضا سيكون ناجحا -إن شاء الله تعالى-.

هذه هي الأشياء الضرورية التي أريد أن أذكرك بها، والإغلاق على الفكر السلبي مهم، وخاصة إذا كان طابع الفكر السلبي وسواسيا أيضا.

من الناحية الاجتماعية أيضا: احرصي على القيام بالواجبات الاجتماعية، ولا بد أن تحسني من تواصلك الاجتماعي، ولا بد أن يكون لك وجود حقيقي في أسرتك، وتكوني عضوا فاعلا في الأسرة، وأن تمارسي أي رياضة تناسب الفتاة المسلمة.

وعليك بالدعاء؛ فالدعاء مهم جدا، وعليك بالأذكار، وخاصة أذكار الصباح والمساء، وأذكار النوم والاستيقاظ، وأذكار الأحوال والمناسبات؛ فهذه عظيمة جدا، وبجانب الأذكار عليك بورد قرآني كل يوم، حتى ولو صفحة أو صفحتين من المصحف، تقرئين تلك الصفحات بتدبر وتأمل.

أنا حقيقة متفائل جدا بأن وضعك -إن شاء الله- سوف يتحسن، وأعتقد أيضا أنه سيكون من الممتاز جدا إذا تناولت أحد الأدوية المحسنة للمزاج، والتي تحسن الدافعية، وتعالج الوسوسة السلبية.

ومن أفضل الأدوية عقار (فلوكستين)، والذي يسمى تجاريا (بروزاك)، وهو دواء رائع جدا، أعتقد أنك في حاجة إليه، وإذا تناولت الدواء، وطبقت ما ذكرته لك من إرشاد، أعتقد أنك سوف ترتقين بصحتك النفسية، وتكتشفين ذاتك الحقيقية.

جرعة الفلوكستين هي أن تبدئي بعشرين مليجراما يوميا، لمدة شهرين، ثم تجعليها أربعين مليجراما يوميا –أي كبسولتين– لمدة شهرين، ثم تجعليها كبسولة واحدة لمدة ثلاثة أشهر أخرى كجرعة وقائية، ثم تجعليها كبسولة يوما بعد يوم لمدة شهر، ثم تتوقفي عن تناوله.

يتميز الفلوكستين بأنه غير إدماني، وغير تعودي، ولا يزيد الوزن، ولا يزيد النوم، ولا يؤثر على الهرمونات النسائية.

أنت ختمت استشارتك بأن قلت: (ضاق بي الحال، وأريد الانتحار) ونحن نقول لك:
المسلم لا يتمنى الموت، ولا يتجرأ على الانتحار وقتل نفسه، بل على الإنسان إذا ضاق به الحال أن يلجأ إلى الله تعالى، لا أن يقنط من رحمة الله، ولا أن ييأس من روح الله، وقد قال سبحانه: {أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء} [سورة النمل:62]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (‌لا ‌يتمنين ‌أحدكم الموت لضر نزل به، ولكن ليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي)، الحياة جميلة، والله لطيف بعباده، وهذا النوع من التفكير يجب أن يغلق عليه تماما.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.

مواد ذات صلة

الاستشارات