بعد وفاة أمي صرت أشعر بالوحدة الشديدة، فماذا أفعل؟

0 29

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا فتاة أبلغ من العمر 39 سنة، غير متزوجة، كنت أعمل معلمة، وتركت العمل للعناية بوالدتي، وقبل شهرين توفيت والدتي وبقيت وحدي؛ فإخوتي يعيشون خارج البلاد، ولا أحد لي سوى أخت متزوجة.

أصبحت أعيش وحدي في بيت أهلي بلا عمل ولا زوج ولا أصدقاء؛ لأني كنت متفرغة تماما للعناية بأمي، تعبت من الوحدة والتفكير؛ حيث تراودني أفكار عن الماضي، وشعور بالقهر بسبب من ظلمني، وأنه لا أمل لي بالزواج، ماذا سأفعل في بقية عمري؟

تكمن المشكلة بأني لست قوية، ولذلك أوذيت من الكثيرين بالكلام والافتراء، فكيف يمكن أن أكون قوية لأواجه هذا العالم لوحدي؟ وكيف أعالج وحدتي؟ وكيف أضع حدا للناس حتى لا يؤذوني؟

كنت أحب القراءة كثيرا، وممارسة أي شيء مفيد، ولكن منذ مرض أمي ماتت كل رغباتي في أي شيء، ولم أعد أحب أو أستمتع إلا بالقليل.

أفيدوني جزاكم الله كل خير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نوال حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بداية نود أن نعرب عن تعازينا العميقة في وفاة والدتك؛ ولا شك أن هذا وقت صعب بالنسبة لك، والشعور بالوحدة بعد هذا الفقدان أمر طبيعي، ولا شك أن فقد عزيز -كالأم- خسارة كبيرة، وقد سماها الله مصيبة، وندب إلى الصبر والصلاة، فقال: ﴿یـٰۤأیها ٱلذین ءامنوا۟ ٱسۡتعینوا۟ بٱلصبۡر وٱلصلوٰةۚ إن ٱلله مع ٱلصـٰبرین ۝١٥٣ ولا تقولوا۟ لمن یقۡتل فی سبیل ٱلله أمۡو ٰ⁠تۢ بلۡ أحۡیاۤءࣱ ولـٰكن لا تشۡعرون ۝١٥٤ ولنبۡلونكم بشیۡءࣲ من ٱلۡخوۡف وٱلۡجوع ونقۡصࣲ من ٱلۡأمۡو ٰ⁠ل وٱلۡأنفس وٱلثمر ٰ⁠تۗ وبشر ٱلصـٰبرین ۝١٥٥ ٱلذین إذاۤ أصـٰبتۡهم مصیبةࣱ قالوۤا۟ إنا لله وإناۤ إلیۡه ر ٰ⁠جعون ۝١٥٦ أو۟لـٰۤىٕك علیۡهمۡ صلو ٰ⁠تࣱ من ربهمۡ ورحۡمةࣱۖ وأو۟لـٰۤىٕك هم ٱلۡمهۡتدون ۝١٥٧﴾ [البقرة ١٥٣-١٥٧].

وفيما يتعلق بالشعور بالوحدة، والحاجة إلى القوة لمواجهة التحديات، هناك عدة نصائح يمكن أن تكون مفيدة:
1. التوكل على الله، والصبر، وعدم فقدان الأمل، كما قال الله تعالى: "إن مع العسر يسرا" [سورة الشرح، الآية 6]، وهذا يذكرنا بأن مع كل صعوبة هناك فرج، وعلينا الثقة في أن الله سيجعل الأمور أسهل.

2. لقد ذكرت أنك كنت تحبين القراءة والأنشطة المفيدة، فحاولي إعادة إشعال هذا الشغف تدريجيا؛ فقد تبدئين بقراءة كتب تعزز الثقة بالنفس، أو تحمل مواضيع إيجابية.

3. بما أنك تعانين من الوحدة، فيمكنك التفكير في الانضمام إلى مجموعات، أو أنشطة، تشاركين فيها الاهتمامات مع الآخرين، ربما في المسجد المحلي (وخاصة حلقات التحفيظ)، أو مجموعات القراءة، أو الأنشطة التطوعية، ولا بأس أن تفكري بالعودة مجددا للتعليم.

4. الصلاة والدعاء وسائل قوية لطلب السكينة والراحة من الله؛ حيث يعد الدعاء -خاصة في أوقات الضيق- وسيلة للتقرب من الله، وطلب العون، قال تعالى: ﴿وقال ربكم ٱدۡعونیۤ أسۡتجبۡ لكمۡۚ إن ٱلذین یسۡتكۡبرون عنۡ عبادتی سیدۡخلون جهنم داخرین﴾ [غافر ٦٠].

5. لا يوجد عيب في طلب المساعدة من مختص نفسي، وخاصة إذا كنت تشعرين بأن الأمور تتجاوز قدرتك على التحمل، ويمكن للمختص أن يقدم لك استراتيجيات محددة للتعامل مع مشاعرك.

6. تعلم قوة الكلمة "لا" للحماية من الأذى، وإقامة حدود صحية مع الآخرين؛ فمن المهم تعلم كيفية قول "لا" عند الضرورة، وهذا يتطلب الشجاعة، والثقة بالنفس، ويمكن تطويرهما مع الوقت.

7. يمكن أن يساعد التأمل والتفكر في آيات القرآن والأحاديث النبوية على إيجاد الطمأنينة والتوازن، قال تعالى: ﴿ٱلذین یذۡكرون ٱلله قیـٰمࣰا وقعودࣰا وعلىٰ جنوبهمۡ ویتفكرون فی خلۡق ٱلسمـٰو ٰ⁠ت وٱلۡأرۡض ربنا ما خلقۡت هـٰذا بـٰطلࣰا سبۡحـٰنك فقنا عذاب ٱلنار﴾ [آل عمران ١٩١] ويقول الله تعالى: (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) [سورة الرعد، الآية 28]، وهذا يذكرنا بأن ذكر الله، والتقرب منه، يمكن أن يجلب الطمأنينة للقلوب.

8. بخصوص تأخر سن الزواج؛ فالزواج رزق من الأرزاق، وسيأتي في وقته إذا كان مقدرا لك الزواج، فلا تقلقي كثيرا بهذا الخصوص، وفي ذات الوقت اسعي إلى أن تعرفي نفسك في المجتمع المحلي؛ ونعني بذلك بأن يكون نساء الحي، أو دائرة صديقاتك على علم واطلاع بأحوالك، يمكنك كذلك الذهاب إلى المحاضرات الدينية، ومراكز التحفيظ القرآنية، وهنالك توسعين دائرة علاقاتك، وهنالك الكثير من الصالحات يبحث لإخوانهن عن زوجات صالحات، فلعل الله يكتب لك رزقا في ذلك.

9. بخصوص أفكار الماضي، وخاصة مع من ظلموك، فعليك اللجوء إلى التسامح مع نفسك، وطلب الأجر والثواب من الله تعالى: ﴿ٱلذین ینفقون فی ٱلسراۤء وٱلضراۤء وٱلۡكـٰظمین ٱلۡغیۡظ وٱلۡعافین عن ٱلناسۗ وٱلله یحب ٱلۡمحۡسنین﴾ [آل عمران ١٣٤].

أسأل الله أن يعطيك القوة والصبر، ويفتح لك أبواب الخير والسعادة.

مواد ذات صلة

الاستشارات