قاطعت والدي بسبب سبه لي ..هل أعتبر عاقاً؟

0 3

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا متزوج، وأبلغ من العمر 39 عاما، ولي أخ وأخت أصغر مني، وقد توفيت والدتنا منذ 6 سنوات.

تشاجرت مع والدي البالغ من العمر 70 سنة - وهو مريض بالضغط والسكر والكلى- على أمر تافه، وقد وجه لي ألفاظ سباب أثناء الشجار بيننا، ولم أرد عليه، وسافرت للخارج ولم أسلم عليه، ولم أتصل به منذ 3 أشهر، وقد حاول مراسلتي على الواتساب، ولكني لم أرد عليه إلا برسالة تهنئة بعيد الأضحى فقط.

لا أعلم هل سنلتقي ثانية أم لا! فهل أعتبر عاقا لوالدي لو لم أتصل به طوال هذه المدة؟ وهل لو لم أره ثانية أكون عاقا له؟ ماذا أفعل؟ أفيدوني، وجزاكم الله خيرا.

مع العلم أني لم أتطاول على والدي، أو أرد عليه بالسباب، أو يعل صوتي عليه، وللعلم، أنا حاليا أعمل في دولة أوروبية، وزوجتي أوروبية، ولم نرزق بالذرية حتى الآن، وقد تزوجنا منذ عامين تقريبا، ولدي أخت متزوجة، وتقيم مع زوجها في مصر.

لدي أخ أصغر مني يقيم مع والدي في دولة خليجية، أما والدي فهو على المعاش ولا يعمل حاليا وينفق على نفسه، أما أخي الأصغر فهو يعمل.

نحن أنا وإخوتي من مواليد الدولة الخليجية التي يعمل بها والدي، ولا يزال مقيما بها ومعه أخي الأصغر.

أما أنا فأعيش في الدولة الأوروبية، وكنت بعد زواجي أجلس في الخليج بضعة أشهر في منزل والدي، ثم أعود للخارج مع زوجتي ونجلس بضعة أشهر.

أما الآن فعملي يتطلب مني البقاء في الدولة الأوروبية ما لا يقل عن 6 أشهر، ولا أعلم متى أعود إلى الخليج مرة ثانية.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أبو محمود .. حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -أيها الأخ الكريم- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام وحسن العرض للسؤال، ونسأل الله أن يوفقك ويصلح الأحوال.

بداية: شكرا لك على الصبر على الوالد وعدم الرد عليه، ونبشرك بأن الصبر على الوالد والبر به من أوسع أبواب الخير، وإذا لم يصبر الإنسان على والده وعلى والدته، فعلى من سيكون الصبر؟

أما الجانب الثاني: الاستمرار في الهجران وعدم الاتصال؛ فهذا يعتبر من العقوق، ولا يمكن أن يقبل من الناحية الشرعية، فلابد من التواصل مع الوالد، والاهتمام به، والسؤال عنه مهما حصل منه، وتأمل قول الله تبارك وتعالى: ﴿وإن جاهداك أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما﴾ ثم قال بعدها ﴿وصاحبهما في الدنيا معروفا﴾.

هذا والد يمنع ولده من الصلاة، من الإيمان، من التوحيد، من الدين؛ الله يقول: ﴿فلا تطعهما﴾؛ لأنه (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) لكن -والحالة هذه- لم يقل تهجره، أو تتركه، أو تعامله معاملة سيئة؛ وإنما قال: ﴿وصاحبهما في الدنيا معروفا﴾؛ لأن حق الوالد عظيم، حتى وهو يقصر، نحن لا نقصر، هو يسيء؛ نحن لا نسيء، ويأمرنا بمعصية الله الخالق لا نطيعه، لكن لا نسيء إليه.

وقدوة الناس في هذا خليل الرحمن (إبراهيم عليه السلام) الذي يقول لوالده الذي كان يحاربه، وكان ساديا للأصنام: {يا أبت ... يا أبت ... يا أبت ... يا أبت ...} منتهى اللطف منه مع أبيه، ومع ذلك هذا الوالد قال: ﴿لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا﴾، ومع ذلك لم يقل إبراهيم: أنت مشرك وأنا سأتركك، إنما قال: ﴿سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا﴾.

فلذلك نتمنى أن تعجل وتسرع جدا بإعادة الأمور إلى وضعها، تتصل بالوالد، تهتم به، تسأل عن صحته، وكلما أكثرت من ذلك فأنت تقترب من البر على أكمل وجه، ونحب أن نؤكد أن البر عبادة لله، وإذا كان عبادة لله فلا يتأثر بمعاملة الوالد أو معاملة الوالدة وإن قصروا، فليس لنا عذر في التقصير، ودائما نحن لا نريد للأبناء أن يضعوا أنفسهم في مقابلة آبائهم أو أمهاتهم؛ لأنهم ليسوا زملاء، وليسوا أندادا في أعمارهم، لا، هذا والد وهذه والدة.

واعلم أن إحسانك للوالد في هذا السن هو بر للوالدة أيضا التي نسأل الله أن يرحمها ويرحم أمواتنا وأموات المسلمين، وشكرا لك على صحوة الضمير التي دفعتك لكتابة هذا السؤال، وأرجو أن تكمل هذا الخير الذي في نفسك بالتواصل الفوري بوالدك والاهتمام به والسؤال عنه، وإذا احتاج أيضا للمال تساعده، تساعده بكل ما تستطيع، ونسأل الله أن يكتب لك أجر البر، وأن يلهمك السداد والرشاد، هو ولي ذلك والقادر عليه.

ونحب أن نؤكد أيضا أن برك للوالد قد يكون سببا لأن يرزقك الله بالذرية، فإن من أحب أن ينسأ له في أثره ويبسط له في رزقه فليصل رحمه، وأعلى الرحم وأغلاها هم الوالد والوالدة، إذا كانت الوالدة قد مضت إلى الله فأكثر لها من الدعاء، وأدرك الوالد، فإنه باب إلى الجنة، فاجتهد في بره والإحسان إليه، فإن "الوالد أوسط أبواب الجنة".

نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.

مواد ذات صلة

الاستشارات