السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سؤالي الملح دائما: كيف أرزق حسن الختام؟ فقد بلغت السبعين من عمري، وتوفيت زوجتي منذ ستة أعوام، لدي من الأبناء ثلاثة (ابنان وبنت) وبفضل الله، تم زواج ابنتي منذ عامين، وهي تقيم مع زوجها في مصر، أما الابن الأكبر، فهو متزوج ويقيم في الغرب، والابن الأصغر يقيم معي في دولة خليجية، لكنه مشغول معظم وقته في عمله، وقد تزوج حديثا، إلا إن زوجته أصيبت بعد أقل من شهر من الزواج، بمرض خبيث، فصار موزعا بين عمله ورعايتها، وباختصار: أكاد أكون وحيدا في المنزل، لكن ابني دائم السؤال عني، جزاه الله خيرا.
بعد وفاة زوجتي، جاءت جائحة كورونا، وقد كنت حينها توقفت عن العمل بعد رحيلها، ولم يبق لي من العمل إلا القليل، لا يكاد يغطي مصروفات المنزل، فأصبحت أعتمد على ما ادخرته طوال سنوات عملي.
كان عملي في مجال مقاولات البناء، وقد كنت أدير شركة صغيرة، وكانت الأمور طيبة -والحمد لله-، لكن الظروف الآن تفرض علي التفكير الجاد في العودة إلى العمل، رغم أن ابني الأصغر ـالذي يقيم معيـ ينصحني بعدم العمل، والاكتفاء بالجلوس للقرآن والصلاة والدعاء، غير أني من ناحية أخرى، أرى أنني مطالب بالعودة للعمل، نظرا للظروف المحيطة، فابني حديث الزواج، وزوجته تعاني من نوع نادر من السرطان، وقد يحتاج إلى دعمي ومساعدتي، وابنتي في مصر، والأوضاع المعيشية فيها -كما تعلمون- صعبة، وهي تحتاج أيضا إلى المساعدة، أما ابني الأكبر، فما يزال يحاول الحصول على عمل في الغرب، ولم يوفق بعد.
لذا، أرى أن من الصواب أن أعود للعمل، رغم أنني أعاني من أمراض: السكري، والضغط، وأخيرا الكلى، ولكن ـبفضل الله- حالتي الصحية مستقرة حتى الآن.
من ناحية أخرى، أخشى أن يلهيني طلب الدنيا عن آخرتي، وأحمل في قلبي هما كبيرا لغزة وأهلها، وأتمنى نصرتهم والدعاء لهم، بل ومساعدتهم، ولكن الأمور اختلطت: بين مسؤولية الأبناء، ونصرة غزة، واحتياجات النفس، وهمومها، ماذا أفعل؟ هل من مشورة أجد فيها راحة لقلبي، وسعة في أمري؟ خصوصا فيما يتعلق بنصرة غزة، ومساعدة أبنائي؟
جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أبو محمود حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أخي الكريم- في استشارات إسلام ويب، نسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياك حسن الخاتمة، ويعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، نشكر لك تواصلك بالموقع، كما نشكر لك حرصك على إعانة الآخرين، وتفريج كرباتهم، ونسأل الله أن يجعل ذلك سببا لتفريج كرباتك وتيسير أمورك.
بالنسبة للعمل -أيها الحبيب- في هذا السن الذي أنت فيه؛ إن كان المقصود به إعفاف نفسك وإعانة الآخرين أيضا على إعفاف أنفسهم بالحلال لحاجتهم إلى المال؛ فإن هذا العمل عمل صالح، نفعه يتعدى إلى الآخرين، والاشتغال به أولى وأفضل من الاشتغال بالعبادات القاصرة على النفس، كالتسبيح والتهليل ونحو ذلك من نوافل الأعمال، فإن النفع المتعدي أفضل وأحب إلى الله تعالى من النفع القاصر على النفس، وقد قال الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- في الحث على العمل ولو قبل الموت بلحظات: "إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها"، وهذا مع علمه بأن الساعة ستقوم، وربما لن ينتفع بهذه الشجرة أحد، ولكن مع ذلك يحثه الشرع على أن يحرص على هذا العمل الذي فيه منفعة للآخرين.
لهذا نرى -أيها الحبيب- أنه إذا كان في قدرتك القيام بالأعمال التي تكسب من ورائها مالا تنفع به نفسك، وتنفع به من حولك من المحتاجين، ولا سيما الأقارب -كالأبناء والبنات-، وكذلك المحتاجين من غيرهم من أهل الإسلام، ولا سيما من هم في أرض الرباط والجهاد، إذا استطعت أن تكسب مالا لتقوم بهذا العمل الجليل؛ فهذا عمل صالح، قم به، واحرص على إصلاح نيتك، وجعل القصد من وراء هذا العمل هو هذه المقاصد الحسنة، وبذلك يصير هذا العمل عبادة، وقد قال معاذ -رضي الله تعالى عنه-: "إني أحتسب على الله نومتي وقومتي"، ومن القواعد المقررة عند العلماء أن النية الصالحة تصير العادة عبادة.
نوصيك -أيها الحبيب- بالإكثار من ذكر الله تعالى، فإنه عبادة سهلة، ولكنها كثيرة الأجر، فأكثر من ذكر الله تعالى في تقلبات أحوالك كلها، في الصباح والمساء، والليل والنهار، داوم على ذكر الله تعالى وأكثر من التسبيح، والتهليل، والصلاة على الرسول -صلى الله عليه وسلم- وقراءة القرآن، وقراءة ما تحفظه في سائر أوقاتك، فإن هذه العبادة لا تعطلك عن العمل مع يسرها وسهولتها، وأكثر من دعاء الله تعالى أن يرزقك خاتمة الخير.
نسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياك لكل خير.