السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا شاب عمري 24 عاما، مرتبط بفتاة وأرغب في الزواج منها، أرغب أن أحدث بعض التغييرات فيها، مثل: أسلوب لباسها وتعاملاتها، وأتمنى أن ترتدي الحجاب.
والفتاة -الحمد لله- لا تمانع في ذلك، بل تشاركني نفس الرغبة، وقد بدأت فعلا بتغيير ملابسها من الضيق والمكشوف إلى ملابس أوسع وأكثر احتشاما، وهي بالتأكيد أفضل مما كانت عليه سابقا، أما بالنسبة لمسألة الحجاب، -فبإذن الله- ستتحقق عندما أتقدم رسميا لخطبتها.
هناك بعض الأمور والأفعال التي تحدث بيننا وتؤرقني كثيرا، وتوقع في نفسي الحزن والضيق والخوف من الله، فأخشى أنه لن يرضى عني، ولن يوفقني في حياتي، ولن يدخلني الجنة.
حتى إنني كنت قد قلت: يا الله، أعاهدك على أنني لن أعود لمثل هذا الفعل، بمشيئتك، لكني نسيت هذا العهد حين التقينا، ووقعنا فيما كنا نقع فيه سابقا، وحين عدت إلى المنزل، تذكرت ما عاهدت الله عليه، فازددت خوفا وندما، وأخشى أن يكون الله قد طبع على قلبي، وأنه لن يرضى عني، ولن يعفو عني أو يتوب علي بعد اليوم.
أعلم أن الأصح والأفضل هو أن أتركها، لكن هذا الحل أصبح مستحيلا؛ لأن تركها سيكون بالنسبة لها وكأني أتهرب منها ولا أريد الزواج بها، وسأعد خائنا في نظرها، وهذا ما لا أريده.
كما أنني أشعر بالضيق من فكرة أنني أملك فرصة لأن أقربها من الله، وأحدثها عنه، وأساعدها على الالتزام بأوامره، والانتهاء عما نهى عنه -خاصة وأن الأمور الدينية ليست حاضرة في ذهنها كما هي حاضرة عندي-، وأخشى إن تركتها فتعود لما كانت عليه، وأفوت على نفسي فرصة أن يهدي الله شخصا على يدي.
لكن في الوقت نفسه، أقول لنفسي: كيف تفكر في هداية غيرك، وأنت نفسك لست على هدى؟ كيف تطمح إلى إصلاح أحد وأنت لا تزال تقع في المعاصي، ولا تستطيع هداية نفسك التي بين جنبيك؟!
لقد تحدثت معها بصدق، وقلت إن ما نفعله لا ينبغي أن يستمر، لما فيه من معصية لله، وبسبب خوفي من عقاب الله وسخطه، ومن زوال البركة عن زواجنا إذا أراد الله له أن يتم، وهي وافقتني الرأي وأيدتني بشدة.
وأود الآن نصيحتكم في ثلاثة أمور، تكرما منكم:
1- ما الذي ينبغي علي فعله معها؟ هل نجاهد سويا لإيقاف هذه الأفعال، ونلتزم بما يرضي الله، أم الأفضل تركها، مع الأخذ بعين الاعتبار كل ما ذكرته سابقا من ظروف ومشاعر، وخوفي من أن أكون قد فوت فرصة هدايتها أو أكون قد جرحتها؟
2- العهد الذي عاهدت الله عليه ثم نقضته، فهل تكفي التوبة والندم والمسارعة إلى ترك المعصية –كما اتفقنا سويا– أم علي كفارة محددة لهذا العهد؟
3- هل يغفر الله لمثلي؟ فالناس يرونني إنسانا متدينا حسن الخلق، بينما أنا في خلوتي منتهك لحرمات الله، فهل من الممكن أن يتوب الله علي ويهديني إلى الصراط المستقيم، أم ليس لي خلاص مما فعلت؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سائل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أخانا الحبيب- في استشارات إسلام ويب، ونشكر لك تواصلك بالموقع، ونسأل الله تعالى أن يعفك بالحلال عن الحرام، وييسر لك الزواج، ويرزقك الزوجة الصالحة التي تقر بها عينك وتسكن إليها نفسك.
أصبت في مسائل كثيرة، نود أن نثبتها أولا، حتى تتقوى عزيمتك على التمسك بها، وأول هذه الأمور التي أصبت فيها وأحسنت: إدراكك أن ما تفعله مع هذه الفتاة سيئة ومعصية لله تعالى، وأن الإنسان قد يعاقب بذنوبه وسيئاته، فيحرم بركة الأرزاق الحسنة، فأنت مصيب في هذا كله، وقد قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه".
فما ذكرته من الاستمتاع بهذه الفتاة حرام، وقد جاءت النصوص المانعة من ذلك، سواء من القرآن الكريم، أو من السنة النبوية؛ فقد قال الله سبحانه وتعالى: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ۚ ذٰلك أزكىٰ لهم ۗ إن الله خبير بما يصنعون} [النور 30]، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قال عن النظرة المحرمة: "النظرة سهم من سهام إبليس مسمومة"، والحديث رواه الحاكم وصححه، وقال -صلوات الله وسلامه عليه- عن مس المرأة المحرمة، -كما في معجم الطبراني-: "لأن يطعن في رأس رجل بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له".
فتذكر كل هذا واعلم أن الله سبحانه وتعالى يغار، ومن غيرته أنه سبحانه وتعالى يغضب حين يفعل العبد ما حرم عليه، وتذكر مراقبة الله تعالى لك، وأنه يطلع عليك، ولا تخفى عليه خافية، فتذكرك لهذه المراقبة يعينك على اجتناب المعاصي والآثام.
ثم اعلم -أيها الحبيب- أن المرأة أعظم فتنة يتعرض لها الرجل، فالشيطان يزينها ويحسنها ليجره إلى ما حرم الله تعالى عليه، وقد حذرنا الله تعالى من اتباع خطوات الشيطان، فقال سبحانه: {يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ۚ ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر ۚ ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكىٰ منكم من أحد أبدا ولٰكن الله يزكي من يشاء ۗ والله سميع عليم} [النور 21]، فهكذا يتدرج الشيطان في الإغواء، يأخذك إلى الفاحشة الكبيرة خطوة خطوة، وحينها قد لا تستطيع أن تملك نفسك، فتقع في كبائر الذنوب والآثام، فتندم، وربما ندمت حين لا يفيد الندم.
لهذا كله نحن نوصيك أولا بتقوى الله تعالى، ومن تقوى الله -بلا شك ولا ريب-: أن تقطع الالتقاء بهذه الفتاة، فلقاؤك معها -والحالة هذه- محرم ومشتمل على محرمات كثيرة، فاتق الله، واعلم أنك بتقواك لله إنما تنفع نفسك، فتسهل أرزاقك الحسنة، فإن الله تعالى يقول: {ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا} [النور 4].
وأما ما ذكرته من مصلحة هداية هذه الفتاة إلى بعض الخصال الدينية، والقيام ببعض التكاليف؛ فإن هذا لا يبرر لك كل ما تفعله معها، والشيطان يحاول أن يزين لك هذا المعنى بالاستمرار فيما أنت فيه، فيكفي أن تذكرها بالله تعالى، وأن تدلها على من يعينها على طاعة الله تعالى من الفتيات، وإذا كان لديك بعض محارمك من الفتيات والنساء الطيبات؛ فيمكن أن توصيهن بها، وبذلك تجمع الخيرين.
أما ما فعلته من مسألة المعاهدة لله تعالى: فبعض العلماء يرى أن العهد يمين، ومن ثم يوجب على الإنسان كفارة يمين، وأكثر العلماء على خلاف هذا، فيرون أن العهد ليس يمينا، وإنما يجب على الإنسان أن يتوب ويندم إذا خالف فيما عاهد الله تعالى عليه، فإن كنت تقدر على كفارة اليمين، فهذا أفضل وأولى خروجا من الخلاف.
وأما ما ذكرته من شأن مغفرة الله تعالى لك ذنوبك وسيئاتك، وإن كنت تستتر بها عن عيون الناس؛ فالجواب -أيها الحبيب-: أن الله سبحانه وتعالى يقبل التوبة من كل تائب مهما كان ذنبه، وقد قال سبحانه وتعالى: {قل يا عبادي الذين أسرفوا علىٰ أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ۚ إن الله يغفر الذنوب جميعا ۚ إنه هو الغفور الرحيم} [الزمر 53].
فبادر وسارع إلى التوبة، وأحسن ظنك بالله أنه سيقبل توبتك، فقد قال سبحانه: {وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون} [الشورى 25]، بل أخبر سبحانه بأنه يحب التائبين، وأنه يبدل سيئاتهم حسنات، ففضل الله تعالى عظيم، وعطاؤه واسع، واحمد الله تعالى أنك لا تزال على قيد الحياة، فبادر بالتوبة قبل أن يفجأك الموت.
نسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه وصفاته أن ييسر أمرك، ويكفيك بالحلال عن الحرام، والله الموفق.