السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا متزوجة وأسكن في منزل أهل زوجي، مع أن هذا لم يكن ضمن اتفاقنا وقت الخطبة، كان زوجي حينها مسافرا، وقبل موعد الزفاف بأشهر قليلة، أرادت والدته أن يعود إلى البلد ليبقى معها، ولم تكن لدي مشكلة في ذلك، لكنني لم أكن أرغب في السكن مع أهله، ووعدني زوجي حينها بأنه إذا لم أشعر بالراحة، فلن يجبرني على البقاء معهم، وسيوفر لي سكنا مستقلا.
لكن بعد الزواج، لم أشعر بالراحة أبدا، فأم زوجي تملك لسانا جارحا، وهي شخصية متسلطة، تؤذيني بكلامها باستمرار، وتعيرني بفقر عائلتي؛ لأن حالتهم المادية أفضل من حالنا، حتى بعد إنجابي، استمرت في ذلك، ولم تزر منزل أهلي يوما واحدا، فقط لأنها ترى أننا دون مستواهم.
إضافة إلى تدخلاتها في أموري الشخصية جدا، فهي تغار حتى عندما ترى زوجي يجلس معي في غرفتنا، فإذا رأت ضوء الغرفة مضاء، تدخل وتطفئه بحجة أنه وقت النوم، بل وتدخل غرفتنا دون استئذان، باختصار حياتي الزوجية انهارت، وأصبحت شبه معدومة، ودوري اقتصر على الطبخ والتنظيف فقط، رغم أنني صبرت كثيرا من أجل كرامة زوجي؛ لأنه رجل طيب وصالح ويحبني، أنا لم أزعج والدته أبدا، ولم أرد عليها بالإساءة، بل كنت أكتفي بقول: الله يسامحك.
مضى عام كامل على زواجي، وأشعر أنني لم أعد قادرة على التحمل أكثر، كل ما أريده منزل خاص ومستقل، لكن والدته ترفض ذلك تماما، وتقول: إنها ستغضب على زوجي إن خرج من المنزل وسكن بمفرده.
وجدت حلا وسطا للمشكلة، وهو أن نتقاسم مسؤولية المبيت عند والدته مع أخواته البنات؛ بحيث تنام كل واحدة منهن عندها يوما واحدا في الأسبوع، وأنا أتحمل يومين فقط، أنا أريد الاستقرار، ولا أرغب أبدا في إبعاد زوجي عن والدته، أو أن أبتعد عنها، ولكني بحاجة إلى حياة زوجية مستقرة، تحفظ لي خصوصيتي واحترامي، لكن والدته رفضت، وقالت: إن البنات غير مجبرات على خدمتها أو المبيت عندها، وكأن الأمر كله يجب أن يقع على عاتقي وحدي.
سؤالي: هل يعتبر زوجي آثما إذا انتقلنا إلى منزل مستقل؟ وهل أكون أنا فعلا من يعينه على غضب والدته لرغبتي في الاستقلال؟ وهل اقتراحي بتقاسم الدور بين البنات حل غير مناسب؟ أنا فقط أتمنى أن أجد حلا يرضي جميع الأطراف، لأن الأمر أصبح شديد الصعوبة، وإن لم نصل إلى حل عادل، فقد ينتهي الأمر بالطلاق، وهذا ما لا أريده أبدا، فأنا أحب زوجي، ولدي طفل يبلغ من العمر شهرا ونصف، لكنني لم أعد أستطيع التحمل أكثر.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ إسراء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أختنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام وحسن العرض للسؤال، ونحيي ثنائك على زوجك، ونسأل الله أن يهدي أمه لأحسن الأخلاق والأعمال، فلا يهدي لأحسنها إلا هو.
إذا كنت -ولله الحمد- مرتاحة مع زوجك، فأرجو أن تصبري، فهذا أمر في غاية الأهمية، واعلمي أنك متزوجة من هذا الرجل الذي وصفته بالصلاح وبالخير، وأنه يحبك، واعلمي أن الدنيا لا تخلو من الآلام، وأن وجود مثل هذه الأشياء التي تضايق الإنسان متوقعة في هذه الحياة الدنيا، التي قال عنها الشاعر:
جبلت على كدر وأنت تريدها *** صفوا من الأقذاء والأكدار
ومكلف الأيام فوق طباعها *** متطلب في الماء جذوة نار
غيرة بعض الأمهات الشديدة مفهومة؛ لذلك أرجو أن تتعاملي مع الوضع بمنتهى الهدوء، وسعدنا أنك لا تجارينها في الكلام، وأنك ترددين: (سامحك الله)، وأنك تصبرين عليها، وسعدنا كذلك بمبادرتك، وأؤكد أن الحل أيضا قد يقابل بالرفض من طرفها، ولكن أرجو ألا تجعلي هذا سببا لخراب بيتك، مع زوج يحبك ويرتاح إليك.
أما بالنسبة للزوج: فنتمنى منه أن يتواصل مع الموقع، وهو يستطيع أن يقوم بأدوار إذا قام بنفسه، فنحن لا نؤيد أن تتدخلي أنت وتقترحي أنت وتتكلمي أنت، لكن هو الذي ينبغي أن يدير هذا الملف مع والدته، وبينه وبين أخواته، ويختار الطريق المناسب الذي يوفر لك فيه الخصوصية، فأرجو أن يكون توفير الخصوصية هو المرحلة الأولى، يعني حتى لو كنتم في مكان واحد، مسألة الخصوصية في الحياة الزوجية من الأمور الشرعية، التي من حق الزوجة أن تطالب بها، ونتمنى ألا تحرجيه، عليه أن يدير هذا الملف وهذا الموضوع مع والدته بمنتهى الهدوء ومنتهى الأدب.
تكثر مثل هذه الغيرة من الأمهات عندما يكون الولد وحيدا، أو مفيدا، أو شديد الارتباط بأمه، ونتمنى أيضا من الزوجات أن يتفهمن هذا الوضع، وعليك أن تدركي أن حب الزوجة لزوجها، أو حب الزوج لأمه؛ لا ينقص من حبه لزوجته، فخانة الحب، أو مكانة الحب، أو لون الحب الذي هو للزوجة، يختلف عن ذلك الحب والتقدير الذي يكون للأم، والشرع الذي يأمره بحب الأم والوفاء لها، والإحسان إليها، هو الشرع الذي يأمره بعدم ظلم الزوجة، والوفاء لها، والقيام بحقوقها كاملة.
فكوني عونا لزوجك على الاستمرار والاستقرار، وأعتقد أن الحلول المناسبة ستصل إليها، ولكن قد يطول الوقت، ولذلك أتمنى إبعاد فكرة الطلاق، وإبعاد فكرة الدخول في مناوشات ومشاكل مع أم الزوج، وأرجو أن تستمري في التحمل، حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا؛ لأن الحياة الجيدة، والزوج الوفي الذي يحب زوجته ويقدر تعبها؛ هذا قل أن يوجد، ونعتقد أن الاستمرار في البحث عن حلول مناسبة سيوصلكم -إن شاء الله تعالى- لتجدوا فيه ما يريحكم وما يسعدكم.
نسأل الله أن يهدي والدة الزوج إلى الخير، وإلى ما يحبه الله تعالى ويرضاه، وعليها أن تكون منصفة، فما لا ترضاه لبناتها ما ينبغي أن ترضاه لبنات الناس، ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد.