ما زلت أفكر في ذنوبي وأخشى أن لا يستجيب الله لي بسببها!

0 2

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أود استشارتكم في أمر أتعبني نفسيا، وأشعر أحيانا أن دعائي لا يستجاب، فقد ارتكبت بعض التجاوزات قبل سنة أو سنتين، وخلال تلك الفترة أو بعدها مباشرة كنت أستغفر الله، وأحاول الرجوع إليه والتوبة عما فعلت، وأجاهد نفسي كي لا أعود إلى تلك التصرفات مجددا.

لكن -للأسف- وقعت فيها أكثر من مرة، إلى أن اتخذت قرارا نهائيا بالتوبة الصادقة، وعزمت على عدم العودة إليها مجددا، وقررت الزواج، علما أنني كنت مخطوبة قبل سنتين، لكن لم يكتب لنا التوفيق، وتم فسخ العقد بيننا.

بعد ذلك تقدم لخطبتي أكثر من شخص، لكن لم يتم الأمر، وغالبا كان السبب سوء اختياراتي، وكانت هناك صفات مشتركة بين هؤلاء الأشخاص، مثل: ضعف الشخصية، وسوء التصرف، وقلة الرجولة والاحترام.

وما زلت أفكر أن ما يحدث معي هو نتيجة لذنبي الذي ارتكبته في الماضي، رغم أنني الآن قد تبت، وأحاول الاستغفار دائما، في العمل، وفي طريقي إلى البيت، وفي كل مكان.

أعترف أنني كنت أشعر بحمل ثقيل على قلبي، لكن الآن قد خف هذا الحمل كثيرا، وصرت أكره أفعالي السابقة وأبغض كل شيء يقربني منها، لكني ما زلت أفكر أن ذنوبي كبيرة، وأحتاج وقتا طويلا للتخلص من أثرها في حياتي، وأشعر أنني بحاجة للاستغفار طويلا جدا حتى أرتاح من هذه الفكرة، ولعل الله يغفر لي.

أشعر أن فشلي في علاقاتي وعدم إتمام الخطبة بعد تلك التصرفات هو نتيجة غضب الله علي، وأني ظلمت نفسي كثيرا، وهذا الأمر يبعث في الحسرة والحزن والغضب على حد سواء، ولا أخفيكم أنني قد شعرت بالحسرة على نفسي والذل الشديد؛ لأنني لم أقدر نفسي ولم أحترمها كما يريد الله مني.

أريد نصيحتكم، وطريقة للتوبة والرجوع إلى الله، فكيف أتوب؟ وكيف أستغفر ربي؟ وهل يحق للعاصي أن يطلب الرزق من الله؟ لأنني استحييت أن أسأل الله شيئا، وأشعر أنه لن يجيبني، وأنا أعلم أن هذا من سوء الظن، وأريد التحرر منه.

وأخيرا، لدي استفسار: في آخر مرة ذهبت فيها لأداء العمرة مع أمي وأختي، اكتشفت والدتي أنني كنت أتحدث مع شاب كان قد تقدم لخطبتي، لكن لم يكن من نصيبي، وكنا قد اتفقنا سابقا على قطع التواصل معه، لكنني أخطأت ورددت عليه عندما راسلني.

أعلم أنني أخطأت، ونادمة، ولكن ما زال يؤلمني أن والدتي دعت علي بجانب بيت الله، وقالت: الله لا يوفقك في حياتك! ما زلت أبكي بسبب هذه الدعوة، وأشعر بالحزن كلما تذكرتها.

سؤالي: هل يستجاب مثل هذا الدعاء من الأم إلى الأبد؟ أنا خائفة جدا، ومحطمة من الداخل، أرجوكم طمئنوني، لقد تعبت من الحزن والخوف، أرجو منكم أن تشيروا علي، وتدلوني على ما يرضي الله، وأسأله أن يرضى عني وعنكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Da حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -أختنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لك التواصل، ونبشرك بأن ربنا ما سمى نفسه توابا إلا ليتوب علينا، ولا سمى نفسه رحيما إلا ليرحمنا، ولا سمى نفسه غفورا إلا ليغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، ولذلك قال: {وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات}، وقال: {وأنا التواب الرحيم}، وقال: {واستغفروا الله إن الله غفور رحيم}.

واعلمي أن باب التوبة مفتوح، ورحمة ربنا الرحيم تغدو وتروح، فأخلصي مع الله، واصدقي في عودتك إلى الله تبارك وتعالى، فإن من أخلصت في توبتها، وصدقت في أوبتها، وندمت على ما حصل، وتوقفت عن فعل القبيح، وعزمت على فعل ما يرضي الله تبارك وتعالى، وأكثرت من الحسنات الماحيات، فإنها لا تفوز بمجرد التوبة فقط، بل تفوز بما هو أعلى وأغلى، لقوله تعالى: {فأولئك الذين يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما}.

ومهما حصل من الإنسان من الذنوب والتقصير ينبغي أن يحسن الظن بربه تبارك وتعالى، وينبغي أن يعاود التوبة، وإحسان الظن ينبغي أن يتبعه حسن العمل، وإذا حاول الشيطان أن يذكرك بالماضي -وهذا لا بد أن يحصل-، عند ذلك لا بد أن تجددي التوبة، وعليك أن تعلمي أن هم هذا العدو هو أن يحزن أهل الإيمان، وأن الشيطان يحزن إذا تبنا واستغفرنا، ويبكي إذا سجدنا لربنا، فعاملي عدونا بنقيض قصده.

ونحب أن ننبه إلى أمر في غاية الأهمية، وهو ضرورة أن تتخلصي من آثار المعصية، ومن الأرقام، ومن كل ما يمكن أن يجلب لك غضب الله تبارك وتعالى؛ لأن هذه من علامات صدق التوبة، ومما يعين الإنسان على أن يخرج من المعصية: أن يهجر رفقة المعصية، وأن يهجر أماكنها، ويتخلص من أرقامها، وابحثي عن صديقات صالحات، واقتربي من الوالدة، واحرصي دائما على أن تفوزي بدعواتها، ونحن بلا شك نلوم الوالدة على الدعاء بالأمور السيئة؛ لأن هذا يصادم أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- الذي نهى عن أن يدعو الإنسان على نفسه أو على أهله أو ولده إلا بخير.

فأرجو أن تطلبي من الوالدة أن تكثر لك من الدعاء، وما حصل من الدعاء لا يكون أثره دائما، بل تستطيع الوالدة الآن أن تدعو لك بالخير، فافعلي الأمور التي تسعدها وتجعلها تدعو لك بما يرضي الله تبارك وتعالى.

وسواء اكتشفت الوالدة أنك تكلمين أو لا تكلمين، ينبغي أن تجعلي مراقبتك لله تبارك وتعالى؛ لذلك نحن نريد أن نقول: هذه الدعوة التي صارت من الوالدة وحصلت منها أتمنى ألا يكون لها أثر، وأرجو أن تتبعها الوالدة بدعوات صالحة لك بالهداية والثبات، وأنت عليك أن تقدمي البر والإحسان، حتى تفوزي بدعاء الوالدة، وحتى تقتنع الوالدة ومن حولك بأنك تغيرت، وتركت تلك الصفحات المظلمة، فالإنسان لا بد أن يهجر بيئة المعاصي ورفقة المعاصي، فالمهاجر من هجر ما نهى الله تبارك وتعالى عنه.

ونتمنى ألا تطيلي لحظات الحزن؛ لأن هذا -كما قلنا- من الشيطان، ولكن انصرفي إلى الأعمال الصالحة؛ فـ {إن الحسنات يذهبن السيئات}، وأتبعي السيئة الحسنة تمحها، ولا تترددي في القبول بمن يطرق الباب إذا كان صاحب دين، واستري على نفسك، فلست مطالبة بأن تذكري ما حصل معك لأحد، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يتوب عليك لتتوبي، وأن يلهمك السداد والرشاد، ونحثك على صدق التوبة، وصدق الرجوع إلى الله، والإكثار من الأعمال الصالحة، ونسأل الله لنا ولك التوفيق والثبات.

مواد ذات صلة

الاستشارات