السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا شاب عمري 27 سنة، أملك بيتا وسيارة، وأعمل في وظيفة مرموقة، ونويت الزواج حين يكتب الله لي ذلك، وذات يوم بينما كنت ذاهبا إلى دورة لتعلم اللغة الإنجليزية، وقعت عيني على فتاة وأعجبت بها، ومنذ تلك اللحظة، أصبحت أذهب كل أسبوع في نفس اليوم والوقت لأراها مجددا، وكانت هي الأخرى تنظر إلي فتعلقت بها.
راقبتها حتى عرفت مكان سكنها، وتبين لي أنها تنتمي إلى عائلة معروفة ومحترمة وذات مكانة اجتماعية مرموقة، فرحت فرحا شديدا، وقلت في نفسي: لعلها دعوة يوم عرفة قد استجيبت.
كنت أنوي أن أذهب وأتحدث معها، لكنني بسبب الارتباك لم أتمكن من ذلك، رغم أنني كنت أشعر بأنها تنتظر مبادرتي في الكلام.
استمرت هذه الحالة لمدة شهرين، إلى أن اقترب موعد امتحانها النهائي، فذهبت إليها وقلت لها: (أحبك، وأريدك في الحلال)، والفتاة بدت من خلال تصرفاتها بأنها موافقة جدا، لكنها فاجأتني برد صادم حين قالت: (لست موافقة)، وكانت صدمة قاسية؛ لأنني أخبرت والدي بنيتي في التقدم لخطبتها بعد الامتحانات، وألغيت كل شيء، وحزنت حزنا شديدا، وبكيت بكاء لم أبك مثله في حياتي، إذ شعرت بانكسار عميق في قلبي، فهي أول فتاة أعترف لها بمشاعري، وأطلب منها الزواج، وكان الرفض مؤلما.
دخلت في حالة من الاكتئاب، حاولت مقاومته بعدم البقاء في المنزل، فكنت أخرج إلى المسجد باستمرار.
سؤالي الآن: أشعر أن الفتاة لا تزال تحمل لي مشاعر، رغم مرور شهر على حديثي معها، وأرغب في التأكد من حقيقة مشاعرها تجاهي، مع العلم أن أهلها –كما أعلم– لن يرفضوني، ولكنني لا أريد أن يضغطوا عليها من قبلهم إن كانت قد كرهتني بسبب ترددي في الحديث معها في البداية، أو بسبب تصرفاتي التي قد تكون فسرت على أنها تجاهل واستفزاز.
حائر ولا أعرف ماذا أفعل، فقد أحببتها حبا صادقا، ومن الجدير بالذكر أن والدها لا يزوج بناته قبل التخرج، وهي الآن قد أنهت سنتها الثانية في الجامعة.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ علي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا وسهلا بك -أخي العزيز- في استشارات إسلام ويب.
في البداية يجب أن تعلم أن التعلق العاطفي يمكن أن يفسد حياة الإنسان، ويجعله يعيش في حالة من الهيام وعدم الفاعلية والإنتاجية في حياته كلها، ومن أهم أسباب التعلق هو: إطلاق البصر في الحرام، وهي الخطوة الأولى التي قد تدخل الشخص في دوامة من المشاعر السلبية؛ لذلك حرم الإسلام إطلاق البصر في أعراض الناس، فعندما نظرت إلى الفتاة نظرة إعجاب، لم تكن النظرة الأولى عابرة؛ مما جعل قلبك يتعلق بها، ثم استمرت هذه النظرة وتحولت إلى نظرات، حتى وصلت إلى ما أنت عليه الآن من شعور بالارتباط العاطفي، والتعلق الذي يدفعك للعيش في وهم الحب من طرف واحد؛ مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى الاكتئاب والعزلة.
اعلم -أخي الكريم- أن المرأة ليست مجرد جمال وشكل، بل هي شريكة الرجل في بناء الأسرة، وهذا البناء يحتاج إلى مقومات ضرورية لتحقيق الاستقرار والسعادة الزوجية، ومن أهمها الأخلاق والدين، هاتان الصفتان تنقلهما الأم بتربيتها إلى الأبناء، وتطبقهما في تعاملها مع زوجها في حضوره وغيابه؛ كل هذا يجب أن يكون حاضرا في ذهنك عند التفكير في الزواج، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:"تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولجمالها، ولحسبها، ولدينها؛ فاظفر بذات الدين تربت يداك".
الاندفاع العاطفي وتقليد ثقافة الغرب والمسلسلات، يجعل الكثيرين يتجاهلون هذه المقومات الأساسية لبناء الأسرة؛ لذلك من المهم أن تترك مجالا للعقل عند اتخاذ قرار الزواج، حتى تحقق التوازن، وتشعر بالسعادة والاستقرار والمودة والرحمة، وهذه من أعظم أهداف الزواج.
روي في الحديث الشريف "لم ير للمتحابين مثل النكاح"، لذلك بمجرد الرغبة في الدخول في مشروع الزواج، يجب أن تضع معايير مهمة لنجاح هذا المشروع، وأولها: أن الجمال جزء صغير من مواصفات شريكة الحياة، وحتى تتعرف على تلك الصفات، شرع الله لك الخطبة، وهي فترة محددة لتحقيق التعارف والنظرة الشرعية وفق الضوابط الشرعية، وبعد الاطمئنان من الطرفين، يتم اتخاذ القرار بالزواج أو الابتعاد، دون أن يترتب على ذلك أي مسؤوليات أو أعباء.
ما وقعت فيه -أخي الكريم- يتطلب منك التوبة أولا، فقد جاء في صحيح مسلم عن جرير بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن نظر الفجأة، فأمرني أن أصرف بصري.
ثانيا: عليك أن تسأل عن أخلاق ودين هذه الفتاة، فإذا سمعت ما يرضيك ويطمئن له قلبك، فتقدم لخطبتها، وإذا حدث القبول من الفتاة والأسرة، يمكن حينها الاتفاق على بقية التفاصيل، أما إذا لم يتم القبول، فلتكن واثقا بأن الله تعالى يختار لك الخير، ويصرف عنك الشر، فقد يكون هذا التعلق شرا صرفه الله عنك، أو لعل الله يخبئ لك فتاة أخرى تكون لك نعم الزوجة التي تطمح إليها، قال تعالى: {وعسىٰ أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ۖ وعسىٰ أن تحبوا شيئا وهو شر لكم ۗ والله يعلم وأنتم لا تعلمون} (البقرة 216).
أخيرا: ادع الله أن ييسر لك الزوجة الصالحة ذات الخلق والدين، وبادر بالاستخارة، وأكثر من ذكر الله تعالى والاستغفار، ولا تدع هذه التجربة تعوق حياتك ونجاحك، بل اجعلها درسا تتعلم منه كيف تعيش حياتك بما يرضي الله، وتؤسس حياتك الزوجية على أسس صحيحة، لتعيش حياة مليئة بالاستقرار والمودة -بإذن الله-.
وفقك الله، ويسر أمرك في طاعته.