أفقد كل ما أُرزقُ به بعد إخبار الآخرين به، فما توجيهكم؟

0 2

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أعاني منذ فترة من شعور مزعج، يتكرر كلما رزقني الله بنعمة، أو حدث أمر مفرح في حياتي، فبمجرد أن أشارك هذه الأخبار مع المقربين، يحدث بعدها ما يعكر صفو فرحتي! فمثلا: عندما حملت، وأخبرت الآخرين، تعرضت لمشكلة كبيرة في الحمل، ولم يكتمل -للأسف-، الأمر الذي سبب لي حزنا شديدا، ومرة أخرى اشتريت شقة، وبعد توقيع العقد بيومين فقط، اكتشفت إصابتي بالسرطان، وخضت بعدها رحلة علاج شاقة، و-الحمد لله- شفيت، لكن التجربة أثرت بي نفسيا وجسديا بشكل كبير.

أيضا خطط كثيرة للسفر ألغيت؛ لأن زوجي يصر دائما على إخبار الآخرين بكل التفاصيل، مما تسبب أحيانا في خسائر مالية، رغم التزامنا بالعبادات والصدقات.

هذا كله جعلني أشعر بالقلق الشديد من الحسد، خاصة مع بعض تعليقات الناس المليئة بالغيرة والحقد، فانعزلت، وأصبحت انطوائية، وأتلقى علاجا نفسيا، كما تأثرت علاقتي بالله بسبب هذه المعاناة.

حاولت مرارا إقناع زوجي بعدم مشاركة تفاصيل حياتنا مع الآخرين، لكنه لا يقتنع، أصبحت لا أرغب في شراء أي شيء جديد، خوفا من تكرار التجربة، فما الحل؟ وكيف أتعامل مع هذا الخوف، وأحافظ على استقراري النفسي والإيماني؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ noha حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك في موقع استشارات إسلام ويب.

أيتها الفاضلة الكريمة: أعتقد أن استجاباتك الوجدانية ذات الطابع التشاؤمي -والتي باتت تحت تأثير التطير- هي في حقيقتها انعكاس لثقافة مجتمعية -مع الأسف- لا تزال موجودة بيننا.

ومن وجهة نظري، لا أرى أنك تعانين من مرض نفسي حقيقي، ولكنك واقعة تحت ما نسميه بـ "التأثير الإيحائي للتشاؤم"، ولقد تشكلت لديك قناعات قوية وشديدة جدا، بأن أي إقدام على أمر إيجابي في حياتك سيقابل بنتائج سلبية، وهذا قد يرجع إلى الخوف من الحسد، وأرى -من وجهة نظري- أنه لا ينبغي أن تكوني ضحية لهذا التأثير السلبي الإيحائي؛ فالإنسان يجب أن يتوكل على الله، ويحرص على صلاته، وعلى ورده القرآني، وعلى الأذكار، وهناك أدعية وأذكار مشروعة يقولها المسلم عندما تأتيه النعمة، وعند الخوف من الحسد، هناك كلمات واقيات نافعة -بإذن الله-، ولا شك في ذلك، فهذا يكفي تماما، وأتفق معك أن الإنسان ليس في حاجة أن يعلن عن كل شيء في حياته؛ فبعض الأمور لا شك أن من المستحسن أن يقضيها الإنسان بشيء من الكتمان، ولكن ليس الكتمان المطلق في أي ظرف وفي أي وقت.

ولو تأملت في حياتك ستجدين أنه قد حدثت لك أشياء إيجابية كثيرة، ولن يحدث لك -إن شاء الله- أي رد فعل سلبي، أو أي نوع من الحسد، فحرري نفسك من هذا الاعتقاد، وتوكلي على الله، والله خير حافظا، وهو أرحم الرحمين.

لا أرى -من وجهة نظري- أن لديك مرضا نفسيا يستدعي العلاج، نعم ذكرت أنك أصبحت أكثر ميلا للانطوائية، وأنك تتلقين علاجا نفسيا، لكن يبدو لي أن الأمر مرتبط أكثر بالتأثير الإيحائي الشديد، والتشاؤم، والتطير، وهذا أمر لا ينبغي أن يستمر.

انطلقي في حياتك بكل تفاؤل، ودائما اسألي الله تعالى أن يحفظك من كل شر، والتحصين بالأذكار مهم جدا، وهناك آيات وأحاديث تتعلق بالحسد، وطرق الوقاية منه، فاحرصي عليها.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، ونسأل الله لك التوفيق والسداد.
_______________________________________
انتهت إجابة الدكتور/ محمد عبد العليم -استشاري الأمراض النفسية-
وتليها إجابة الشيخ. الدكتور/ أحمد الفرجابي -استشاري الشؤون الأسرية-
_______________________________________
مرحبا -بك ابنتنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لك اهتمامك، وحرصك على السؤال، ونسأل الله أن يوفقك، وأن يصلح الأحوال، وأن يلهمك السداد والرشاد، وهو ولي ذلك والقادر عليه.

إجابة الدكتور المتخصص/ محمد عبد العليم إجابة جميلة، ورائعة، ونحن لا نملك إلا أن ننبه على بعض النقاط التي أرجو أن تنتبهي لها:

نحن نرفض بداية أن يكون هذا اعتقادا سائدا؛ لأن الناس لا يملكون لأنفسهم -فضلا عن غيرهم- ضرا ولا نفعا، ومن هذه الناحية، أرجو أن تتوكلي على الله تبارك وتعالى، وأن تستعيني به، وأن تحافظي على أذكار الصباح والمساء، وشكر الله تبارك وتعالى على هذه النعم، والحرص دائما على الأدعية التي علمنا إياها رسولنا ﷺ في الأحوال التي تعتري المسلم في ليله ونهاره، وعند ذلك لن يضرك كلام الناس، أو غير ذلك، فالمؤمن يوقن بقوله تعالى: ﴿ قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا ﴾ (التوبة: 51).

وهذا الاعتقاد الواضح سيساعدك في التخلص من هذا الظن، ومن هذا الاعتقاد الذي دفعك إلى الانطواء والخوف إلى هذه الدرجة؛ فالكون كله ملك لله، ولن يحدث في كون الله إلا ما أراده الله تبارك وتعالى.

ثانيا: من المطلوب شرعا أن يخفي الإنسان بعض شؤونه وأحواله عن الآخرين، ومشاركة جميع الأخبار والنعم من الخطأ الذي يقع فيه بعض الناس؛ فقضاء الحوائج بالكتمان من الأمور المهمة، كما قال النبي ﷺ: "استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان، فإن كل ذي نعمة محسود" (حديث حسن - رواه الطبراني).

وينبغي ألا يظهر الشخص جميع ما عنده من النعم هكذا؛ فهؤلاء أولاد يعقوب -عليه السلام- كان عندهم جمال وطول، وهم عشرة، أو أحد عشر، لما بعثهم إلى مصر قال لهم: ﴿يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة، وما أغني عنكم من الله من شيء﴾ (يوسف: 67)، وكان يخشى عليهم الإصابة بالعين.

وفي هذه الحالة نحن فقط نأخذ بالأسباب؛ بحيث نخفي بعض هذه النعم، وأن ندخل متفرقين، ونذكر ما عندنا من النعم بالتدرج، ولا نذكرها دفعة واحدة، إلى غير ذلك من التوجيهات المستفادة من هذه الآية، وهذا التوجيه الجميل.

كذلك ينبغي أن نحرص دائما على أن نقول: "اللهم بارك، ما شاء الله" نبرك على النعم؛ لأن الإنسان نفسه قد يضر نفسه إذا لم يبرك ويقول: "اللهم بارك، ما شاء الله، لا قوة إلا بالله" على ما عنده من النعم، كما قال الله تعالى: ﴿ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله﴾ (الكهف: 39)، فالضرر لا يأتي من الناس وحدهم، بل الإنسان بنفسه إذا أعجب بشيء عنده؛ فينبغي أن يبرك عليه لئلا يصيب نفسه بعين نفسه، وهذا مطلب شرعي، وسنة نبوية، وجهنا بها النبي ﷺ.

أكرر دعوتي لك بأن تحافظي على سلامة العقيدة؛ بحيث تتيقنين بأن كل ما يصيب الإنسان إنما هو بقدر الله تبارك وتعالى، والإنسان عليه أن يتخذ الأسباب، وإذا كان هناك من تكلم على هذه النعم، وكان معروفا، فيطلب منه أن يغتسل لنا، كما ورد في السنة، بأن يغتسل، ثم يصب هذا الماء على الشخص المصاب بإذن الله تبارك وتعالى؛ لأنا إذا أخذنا الماء الذي غسل منه، وتمضمض فيه، وغسل داخل إزاره، وخصره، ثم يصب على هذا الشيء الذي عندنا، فإنا العين تذهب -بإذن الله تبارك وتعالى-.

ولكننا نرفض أن يتحول هذا الأمر إلى نوع من الهوس، أو الظن بأن الناس يتحكمون في كل الأمور، وكما أشار الدكتور: كم من نعم مرت عليك، من زواج وتوفيق ولم يصبكم شيء؟ فلا بد أن ندرك هذا المعنى العظيم.

ونكرر أيضا دعوتنا للجميع بعدم إظهار النعم بالطريقة المذكورة؛ فبعضهم يخرجها على مواقع التواصل، ويصور أطفاله، وغير ذلك، وهذا كله ليس مطلوبا، ولا فيه مصلحة شرعية، بل فيه خطورة أحيانا في هذا الزمن، وزمن الذكاء الاصطناعي، والعبث بالصور، بالإضافة إلى تعلق الناس بالدنيا، وتطلعهم إلى متعها، وهذا يجعلهم يتلهفون على نعم غيرهم، وحتى العين المعجبة قد تضر، والعين الحاسدة أيضا ضررها أعظم، فنسأل الله أن يعينكم على الخير.

ويبقى قول الله تعالى: ﴿قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا﴾، ويبقى توجيه النبي ﷺ في الحديث: "واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف" (رواه الترمذي - حديث حسن صحيح).

نسأل الله أن يجعلنا ممن إذا أعطوا شكروا، وإذا ابتلوا صبروا، وإذا أذنبوا استغفروا.

مواد ذات صلة

الاستشارات