السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا طالب جامعي في العشرين من عمري، أدرس في السنة الرابعة بكلية الهندسة، وتبقت لي سنة ونصف على التخرج.
تعرفت إلى زميلتي وأحببتها، وقد اتفقنا على الزواج بعد أن تعرف كل منا إلى عائلة الآخر وطباعه، فوجدنا بيننا توافقا، ووجدت فيها ما يرضيني من الدين والخلق.
طلبت من والدتي أن تتحدث مع والدة زميلتي بشأن رغبتي في الزواج منها، على الرغم من أنني غير مستعد في الوقت الحالي، فبعد تخرجي، لا أعلم موقفي من الخدمة العسكرية -التجنيد-، سواء كانت الخدمة لمدة سنة أو ثلاث سنوات، وحتى بعد إنهاء خدمتي، لا أعلم متى ييسر الله لي الحصول على عمل براتب مناسب، يمكنني من فتح بيت وتحمل نفقات الزواج.
رفضت والدتي أن تتحدث مع والدتها، بحجة أن مثل هذه الأمور يجب أن يتولاها الرجال. فتحدثت مع والدي في الأمر، لكنه رفض أيضا، معللا ذلك بأن الظروف الحالية لا تسمح، وأن المدة التي سأحتاجها قبل التقدم لخطبتها طويلة جدا، وقد تصل إلى أربع أو خمس سنوات.
واستفساري هو: هل يجوز لي أن أرتبط بهذه الفتاة نية وعهدا، وأطلب منها الانتظار لمدة طويلة كهذه، قد تمتد إلى أربع أو خمس سنوات، بنية الزواج؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نشكرك على ثقتك بمشاركتنا هذه المسألة الحساسة، ونقدر مشاعرك وتفكيرك المستقبلي، كما نثمن إحساسك بالمسؤولية في اتخاذ قرار الزواج في هذه المرحلة من حياتك.
إن ما تشعر به من حب ورغبة في بناء أسرة مستقرة، أمر طبيعي ومشروع، كما أن ترددك وقلقك بشأن الظروف الحالية والطريق الطويل الذي قد يكون أمامك، يعكسان وعيك الكبير بمسؤوليات الزواج، وحرصك على اتخاذ القرار الصائب.
فلنناقش هذا الموضوع بروية، وبما يحقق لك الطمأنينة والوضوح، مستندين إلى مبادئ ديننا الحنيف، وسنة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-.
أولا: نود أن نؤكد لك أن مشاعرك ورغبتك في الارتباط بهذه الفتاة أمر جميل، وهو يتوافق مع الفطرة التي خلقنا الله عليها، فالزواج في الإسلام ليس مجرد علاقة بين شخصين، بل هو بناء مشترك يقوم على المودة والرحمة، كما قال الله تعالى في كتابه الكريم: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ۚ إن في ذٰلك لآيات لقوم يتفكرون} [سورة الروم: 21].
ومع ذلك، فإن الزواج يحتاج إلى تخطيط ووعي بالمسؤوليات المترتبة عليه، لا سيما فيما يتعلق بالجوانب المادية والمعنوية، ومن هنا فإن قلق والديك بشأن الظروف الحالية، والمدة الطويلة التي قد تنتظرها قبل أن تكون جاهزا للارتباط الرسمي، هو قلق منطقي، ومبني على خبرة الحياة التي يمتلكانها.
ثانيا: من الطبيعي أن تشعر ببعض الضغط والارتباك بين رغبتك في الحفاظ على علاقتك بهذه الفتاة من جهة، وبين التحديات التي تواجهك من جهة أخرى، فقد تكون لديك مخاوف من فقدانها إذا طال الوقت، أو من عدم قدرتك على تحقيق الاستقرار المالي بعد التخرج والخدمة العسكرية.
هذه المخاوف مشروعة، ولكن من المهم ألا تدعها تتحول إلى مصدر دائم للقلق يؤثر على صحتك النفسية، فالحب في مثل هذه المرحلة من الحياة، قد يكون محفوفا بالتحديات، خاصة في حال وجود فترات انتظار طويلة، فقد تشعر أحيانا بالإحباط أو القلق من المستقبل، ولكن تذكر أن التوكل على الله، مع بذل الأسباب، والسعي المستمر، هما المفتاح لتجاوز هذه المراحل الصعبة.
وتذكر قول الله تعالى: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا، ويرزقه من حيث لا يحتسب} [سورة الطلاق: 2-3].
ثالثا: أمامك عدة خيارات يمكنك التفكير فيها بتمعن، وكل خيار يتطلب منك أن تكون صادقا مع نفسك ومع الآخرين:
1- تأجيل الخطبة بشكل رسمي قد يكون خيارا حكيما، إذ من الأفضل أن تنتظر حتى تتخرج، وتنهي خدمتك العسكرية، وتكون رؤية أوضح لمستقبلك الوظيفي، صحيح أن الانتظار قد يكون صعبا، لكن إذا كانت الفتاة جادة في رغبتها بالزواج منك، فقد تتفهم ظروفك وتنتظرك، ويمكنك أن تحافظ على تواصل محترم مع أسرتها، مع التأكيد على نيتك الصادقة في الزواج عندما تصبح مستعدا، مع الحرص على تجنب أي علاقة غير رسمية، قد تسبب لكما مشكلات شرعية أو نفسية.
2- قد يكون من المناسب أن تجري حديثا صريحا مع الفتاة وأهلها، وتوضح فيه ظروفك الحالية وخططك المستقبلية، فإذا كانوا مستعدين للانتظار، فيمكنكم الاتفاق على فترة محددة تبنى خلالها الثقة والتفاهم، ولكن في هذه الحالة، يجب عليك الالتزام بالحدود الشرعية في العلاقة، مثل: تجنب الخلوة، وتجنب الحديث المتكرر دون حاجة؛ لأن هذه الأمور قد تؤدي إلى تعلق زائد أو مشكلات مستقبلية.
3- إذا كنت مترددا في اتخاذ قرار معين، فلا تنس صلاة الاستخارة، فهي سنة نبوية عظيمة تساعد المسلم على طلب الخير من الله في الأمور التي يحتار فيها، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا هم أحدكم بالأمر فليصل ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم..." إلى آخر الدعاء، [رواه البخاري].
الاستخارة تريح القلب وتجعل الإنسان أكثر اطمئنانا بما يقدره الله له.
4- بدلا من الانشغال بالقلق بشأن المستقبل، حاول أن تركز على استثمار وقتك الحالي في تطوير مهاراتك العلمية والمهنية، واجعل هدفك أن تصبح جاهزا للزواج من الناحية المالية والعاطفية والاجتماعية، وهذا سيمنحك شعورا بالثقة في نفسك ويقربك من تحقيق أهدافك.
تذكر أن كل شيء يحدث بقدر الله، وأن الرزق والفرص تأتي في الوقت الذي يريده الله لنا، فلا تستعجل الأمور، ولا تحمل نفسك فوق طاقتها.
قال الإمام الشافعي -رحمه الله-:
دع الأيام تفعل ما تشاء * وطب نفسا إذا حكم القضاء
ولا تجزع لحادثة الليالي * فما لحوادث الدنيا بقاء
وفي الوقت نفسه، اجعل من طموحك وحبك لهذه الفتاة دافعا للعمل الجاد، والتقرب إلى الله بالدعاء والعمل الصالح، فالزواج رزق من الله، وما كتبه الله لك سيكون لك، مهما طال الزمان.
أخيرا: نرجو أن تكون هذه الكلمات قد ساعدتك على رؤية الأمر من زوايا مختلفة، ونسأل الله أن ييسر لك الخير حيثما كان، وأن يجمع بينك وبين من تحب بالحلال، وفي الوقت المناسب، وتذكر أن الصبر مفتاح الفرج، وأن الله مع الصابرين، وإذا شعرت أنك بحاجة إلى مشورة إضافية أو دعم نفسي، فلا تتردد في طلب المساعدة من أهل الخبرة، أو المختصين في الإرشاد الأسري والنفسي.
وفقك الله لما يحب ويرضى، ورزقك السكينة، والطمأنينة، والرضى.