اضطراب في المشاعر يمنعني من الحزن والشعور بالذنب، فما العلاج؟

0 5

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

كنت قد قرأت في إحدى الفتاوى لديكم: أن من شروط التوبة الشعور بالذنب عما بدر منا، وسؤالي هو: ماذا يفعل من لا يستطيع الشعور بالذنب إطلاقا، في كل ما يفعله؟

ليس تقليلا مني بشأن ما فعلته أو غيره، فأنا أعلم أنه إثم عظيم ومن الكبائر، لكنني مصابة باضطراب نفسي يمنعني من الإحساس بالعديد من المشاعر، كالحزن والشعور بالذنب، ولا يمكنني البكاء مهما حاولت.

أنا حرفيا لم أشعر بالحزن أو الذنب منذ ثلاث سنوات على الأقل، حتى عندما توفي شخصان كانا قريبين من قلبي، لم أشعر بأي حزن ولم أبك عليهما.

وعندما أرتكب أمرا خاطئا، لا أشعر بالذنب إطلاقا مهما حاولت إقناع نفسي بضرورة ذلك، ولا تنزل مني دمعة واحدة، رغم أنني كنت سابقا ممن يشعرون بالذنب ويحزنون لأبسط الأمور.

والمشكلة أنني عدت إلى ارتكاب نفس الذنب، وهو قراءة قصص محرمة تتناول علاقة بين رجلين، رغم أنني والله لا أؤيد هذه الأفعال ولا أحبها، ولا أعلم لماذا أقرأها أصلا، لقد قرأت ثلاث قصص من هذا النوع، وفي كل مرة أصلي صلاة التوبة وأعاهد نفسي ألا أعود، وأجاهد نفسي طوال اليوم، لكنني في نهاية اليوم أجدني أقرأ قصة أخرى، أريد أن أتوقف عن هذا تماما، أعلم أنه أمر خاطئ، وأبحث عن طريقة أوقف بها هذا السلوك.

أما عن العلاج من هذا الاضطراب، فليس متاحا لي؛ لأن عائلتي ترفض الاعتراف بمثل هذه الأمور.

للتوضيح: أنا مصابة باضطراب خدر المشاعر، واضطراب الشخصية الحدية، واضطراب القلق العام، وفرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD)، وقد تم تشخيصي بهذه الاضطرابات منذ ست سنوات، قبل جائحة كورونا، لكن عائلتي لم ترغب في أن أواصل العلاج.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ليل حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -ابنتنا الفاضلة- في موقعك، وأعتقد أنك وصلت إلى المكان الصحيح، نحن في موقعكم نشرف بخدمة أبنائنا وبناتنا، ونسعد بثقتكم وتواصلكم، وستنتفعين -بإذن الله- من توجيهات دكتورنا الفاضل الخبير المميز في الجانب النفسي.

ونبشرك أن هذا التواصل والسؤال دليل على الخير، ومؤشر على حياة الضمير، وإشارة إلى رغبة في التصحيح، حتى لو تكرر الخطأ، فاستمري على التواصل والمحاولات حتى يكون الشيطان هو المخذول.

أولا: التوبة تجب وتمحو ما قبلها، والتائبة من الذنب كمن لا ذنب لها، وباب التوبة مفتوح، ورحمة الرحيم تغدو وتروح.
ثانيا: احذري من التوقف عن التوبة، فهذا من أهداف عدونا الشيطان، واجتهدي في التخلص من أسباب الوقوع في المخالفة، وذلك بعدم شراء كتب مخالفة، وتجنب الدخول إلى المواقع التي تعرض ما لا يرضي الله.
ثالثا: تذكري الأضرار والمخاطر التي تنتج عن التمادي والاستمرار.
رابعا: الالتزام بالتوجيهات والنصائح التي تصلك من مرشدنا النفسي.

خامسا: أشغلي نفسك بالمفيد وتجنبي الوحدة، لأن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، فتعرفي على صديقات صالحات مصلحات.
سادسا: الإكثار من الحسنات الماحية، فالحسنات يذهبن السيئات.
سابعا: استمري في البحث عن العلاج، ولا تنزعجي من عدم فهم الأهل، فقد وصلت إلى أهل الاختصاص في موقعك الآمن، واستري على نفسك، فلا مطالبة بذكر المخالفة الحاصلة إلا لمن تتوقعين منهم النصح.
وأخيرا: عليك بكثرة الاستغفار، واعلمي أن الله يقبل التوبة عن عباده ويعفو.
____________________________________________
انتهت إجابة الشيخ الدكتور/ أحمد الفرجابي .. استشاري شؤون الأسرية والتربوية.
وتليها إجابة الدكتور/ محمد عبد العليم .. استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان
____________________________________________

أرحب بك في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله لك العافية.

أما بالنسبة لعدم الشعور بالذنب وضمور المشاعر، فإن هذا يلازم أحيانا بعض الأشخاص ذوي الشخصية الحدية أو الشخصية البينية، وذلك لأن هذه الشخصيات تعيش في نوع من الفراغ أو الخواء العاطفي.

وفي حالتك، كنت سابقا من الأشخاص الذين يشعرون بالذنب ويحزنون لما يستحق الحزن، فبالتالي، فإن هذا الشعور الذي تعانين منه الآن هو شعور متغير، ومن الحقائق النفسية المعروفة أن الإنسان لديه نفس لوامة، ونفس أمارة بالسوء، ونفس مطمئنة، إذ يحمل كل منا جزءا من هذه الأنفس.

فالنفس اللوامة هي التي تجعل الإنسان يحس بالذنب، ويلوم نفسه على أخطائه أو ذنوبه، ولذلك فأنت بحاجة إلى الاجتهاد لتحريك هذه النفس في داخلك، ولعل مجرد إدراك وجود هذه الأنفس الثلاثة، هو في حد ذاته دليل على وعي داخلي حي.

وأريدك أيضا أن تعلمي أن نفسك اللوامة موجودة بلا شك في كيانك الوجداني، لكنها الآن في حالة خمول أو موت جزئي، ومن هنا عليك أن توقظي هذه النفس، وذلك عبر إدراكك بأنك لا يمكن أن تنتقلي إلى النفس المطمئنة، دون إيقاظ النفس اللوامة.

ومن المهم جدا أن عدم الشعور بالذنب يجب أن يتبعه تحمل الإنسان لمسؤولية أفعاله، فإذا ما فكر الإنسان في نتائج ومآلات هذا الشعور الغائب، ثم حمل نفسه المسؤولية، فإنه حتما سوف يتغير.

وحاليا، فإنك لا تشعرين بالذنب تجاه الأخطاء التي ترتكبينها، ولكن لا يجب أن يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل عليك أن تحملي نفسك المسؤولية بقوة، لأن تحمل المسؤولية في الدنيا والآخرة هو ما يجعل الإنسان يتراجع ويعيد تقييم سلوكه.

ومن ناحية أخرى: نوصيك بأن تبدئي بالحرص على القيام بأعمال خيرية، خاصة مع الضعفاء، إذ إن ذلك ينمي الشعور والوجدان الإيجابي، وهو ما يجعل الإنسان أكثر إدراكا لذنوبه وعواقبها، فعلى سبيل المثال: المسح على رأس اليتيم من الأشياء التي أفادت الكثير من الناس في هذا الباب، وهو مما يرقق القلوب.

كما أن الانخراط في العمل الخيري والإنساني، والحرص على أداء الواجبات الاجتماعية، مثل مشاركة الناس أفراحهم وأتراحهم وزيارة المرضى، كلها أمور فيها خير كثير لك -بإذن الله-.

وأود أيضا أن أطلب منك أن تتخيلي أنك قد أحسست بالذنب، حتى وإن كان هذا الشعور كاذبا، تجاه كل شيء تقترفينه، فحاولي أن تجبري نفسك على الشعور بالذنب، وقومي بما يشبه جلد الذات، فذلك مهم جدا، لأن هذه الانفعالات، حتى وإن كانت مصطنعة، لا بد أن ترتقي مع الوقت وتصل إلى درجة الحقيقة في يوم من الأيام.

هذا هو ما أنصحك به، ولا شك أنك في حاجة إلى علاج نفسي، وبما أنك ذكرت أن الأهل يمنعونك أو لا يعترفون بهذه الأمور، فأقول لك إنه يمكن إقناعهم بأن حالتك تحتاج إلى علاج، خاصة أن مضادات الاكتئاب مع جرعات صغيرة من مثبتات المزاج، قد ثبت أنها تفيد في مثل هذه الحالات.

لذا، فأرجو ألا تحرمي نفسك من العلاج أبدا، كما أنصحك بأن تلجئي إلى الدعاء بأن ينزل الله في قلبك الرحمة والسكينة، وأكثري من قراءة القرآن بتدبر وخشوع، لأن ذلك سيضيف كثيرا من الإيجابية إلى حياتك.

وإن شاء الله، تتغير هذه المشاعر، لأن مشاعرك في الأصل كانت متوازنة ومتفاعلة حسب الظروف العاطفية في الماضي، مما يدل على أن هناك مخزونا وجدانيا موجودا بداخلك يمكن استعادته.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، ونشكرك على ثقتك في إسلام ويب.

مواد ذات صلة

الاستشارات