السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أريد أن أجد جوابا يشفي صدري.
أنا أحب التعبير عن كل شيء بالكتابة، وحتى طريقتي في التعبير عمن أحب، تكون غالبا بالكتابة عنهم، بكثرة ذكرهم، والإطراء عليهم أمام الناس، وبالطبع أحب أن يكون الشخص على علم بذلك، فأنا أتطلع دائما إلى رده على ما أكتبه، أو تفاعله، أو حتى مبادلتي بالمثل.
وهنا بدأ الخوف يتسلل إلي: هل ما أفعله نوع من الرياء؟ وهل في قلبي شرك دون أن أشعر؟ فالعمل لا ينبغي أن يكون إلا لله، وحتى في المباحات أحب أن تكون نيتي خالصة لله وحده.
ما حدث مؤخرا قلب حياتي رأسا على عقب: صديقة عزيزة جدا على قلبي، هي وزوجها، وقد أصبح الكثير من الناس يعرفونهما من خلالي، بسبب كتابتي عن خطبتهما وقصتهما وصبرهما على الحلال، وابتعادهما عن الحرام.
وقبل ثلاثة أيام، رزقهما الله بمولودة، وكالعادة عبرت عن فرحتي بعبارات رنانة، وشارك الكثيرون التهاني، والزوجان فرحا كثيرا بكلامي، ربما أكثر من أي أحد آخر، ثم بدأ الناس يسألون عنهما، وعن القصة من جديد، لكن بالأمس توفيت الطفلة -رحمها الله-.
ومنذ ذلك الحين، بدأ قلبي ينهار، وشعرت بالذنب الشديد، وبدأت ألوم نفسي، خاصة حين قال أحد المقربين من العائلة: إن السبب ربما يكون العين، وإن كثرة الحديث عنها والنشر قد يكون له أثر.
شعرت وكأن الكلام موجه إلي، رغم أنني لم أنشر صورتها، بل اقتصرت على كلمات فرح وامتنان لله، وتذكير بنعمه، وذكرت كيف تغيرت الموازين وما إلى ذلك.
ومع ذلك، اجتاحني شعور عميق بالذنب، حتى فقدت السيطرة على نفسي، وكتبت للزوجين أعتذر منهما، وأخبرتهما بأنني أشعر بأنني السبب، وهذا زاد من حزنهما، لأنني عزيزة عليهما جدا، وكان مؤلما لهما أنني ظننت بنفسي هذا الظن.
باختصار: أنا متعبة جدا، ومرهقة إلى الحد الذي يجعلني لا أجد طاقة لأي شيء، وأعلم أنني أطلت، لكنني كتبت كل ما في قلبي، فأنا متعبة جدا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مريم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابنتنا الفاضلة- في الموقع، ونشكرك على اهتمامك وحرصك على السؤال، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يعوض الزوجين خيرا، فإن الصغار الذين يمضون ينتظرون آباءهم وأمهاتهم على أبواب الجنان، وعلى أهلهم أن يصبروا، والصبر عند الصدمة الأولى، وما حدث للطفلة الصغيرة أمر قدره الله تبارك وتعالى، ولذلك ينبغي أن نربط الأمور بقضاء الله وقدره، وهكذا حال أهل الإيمان، يقال: "إن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فلتصبروا ولتحتسبوا".
أما بخصوص الإطراء الذي يصدر منك: ويحدث كثيرا -كما تفضلت- فأنصحك بالتقليل منه، لأن الثناء على الناس لا بد أن يوزن بميزان الشرع، فالمبالغة في مدح الأشخاص قد تصيبهم بالغرور أو العجب، وقد تفضي بهم إلى الهلاك، ولهذا جاءت نصوص الشريعة تحذر من الإفراط في مدح الناس، لأن في ذلك كسرا لظهورهم، ودفعا لهم نحو حب الشهرة والظهور، وربما يقعون في الفخر أو الكبر، فينقلب الأمر عليهم بالسوء.
ولهذا كان العدل هو الميزان المطلوب في هذا الباب، وهو أمر مهم نحب أن ننبه إليه دائما.
وما حصل منك من مدح، لا علاقة له بما حدث، ولكن الأخطر من ذلك هو نشر الصور كما أشرت، لأن هذا أيضا يفتح أبوابا، ويجعل الناس يتكلمون وينظرون، ومنهم من لا يقول: "تبارك الله ما شاء الله"، والإنسان إذا رأى شيئا يعجبه، سواء كان مقالا جميلا، أو عبارة جميلة، أو شكلا جميلا، ينبغي أن يقول: "تبارك الله ما شاء الله"، وهذا يصرف العين والأذى، ويقي من الحسد، وهذا هو توجيه النبي -صلى الله عليه وسلم-.
بل إن الإنسان قد يصيب نفسه بالعين، إذا أعجبته نفسه أو رأى في نفسه جمالا ولم يبرك، وقد روي أن عبد الملك بن مروان نظر إلى نفسه في المرآة، فأعجب بها، فمات بعد أسبوع، فالعين حق كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-، لكن ينبغي أن تعالج بالطريقة الشرعية الصحيحة، والإنسان إذا رأى ما يعجبه ينبغي أن يبرك كما علمنا رسولنا -صلى الله عليه وسلم-.
وأولياء الأطفال أيضا ينبغي أن يحصنوهم، فالطفل جميل في أصله، وجميل في شكله، وهذا يفتح أبواب النظر والإعجاب به، وبالتالي هو يحتاج إلى تحصين، والنبي -صلى الله عليه وسلم- كان يعوذ الحسنين (الحسن والحسين)، وكان يقول: "أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة"، ولما نزلت المعوذتان: سورة الفلق وسورة الناس، أخذ بهما وترك ما سواهما، لأنها كافية، هذا الذي نحب أن ننبه له.
وبالنسبة للوالدين، ومن رزقه الله بالنعم، ينبغي أن يبركوا عليها ويذكروا اسم الله عليها، ويشكروا الله عليها ليزدادوا بها أخرى، كما قال تعالى: {وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم}، ونحن -معاشر المسلمين جميعا- إذا رأينا ما يعجبنا وجب أن نقول: "تبارك الله، ما شاء الله"، ويجب أن نوقن جميعا أنه لا يصيبنا إلا ما كتب الله لنا.
وما حصل لا علاقة لك به، ولا ينبغي أن يكون عندك هذا الشعور السلبي الزائد، ولكن اجعلي هذا تنبيها لما هو قادم من الأيام. ونحب كذلك أن نلفت نظرك إلى التقليل من المدح والثناء على الآخرين، خاصة ونحن نلاحظ أيضا أنك تنتظرين ردودهم وثناءهم ومدحهم، وهذا من الأمور التي لا نريدك أن تعتادي عليها، وإذا مدح إنسان إنسانا ينبغي أن يقول: "أحسبه كذلك ولا أزكيه على الله"، لأننا لا نعلم إلا الظاهر من أحوال الناس.
لهذا لا ينبغي المبالغة في المدح، والثناء والإطراء على الآخرين بهذه الطريقة، وإن اضطر أن يقول، فليقل: "أحسبه كذلك ولا أزكيه على الله"، لأن الله أعلم بنا من أنفسنا، وبحقيقة الناس وأعمالهم.
نسأل الله أن يعينك على الخير، ولا تحملي نفسك فوق طاقتها، فهذه الطفلة التي خرجت من الدنيا قدر الله عليها أن تموت مبكرا، وعلى أهلها أن يصبروا ويحتسبوا، ويسألوا الله من فضله، هذا اختبار وابتلاء، والمؤمن مبتلى في كل أحواله.
كما ننصحك بقضاء الحوائج بالكتمان، وتجنب نشر صور الأطفال على مواقع التواصل، خاصة ونحن في عصر الذكاء الاصطناعي، حيث قد تستخدم الصور بشكل غير لائق، إضافة إلى أن بعض الناس ينظر ولا يبرك ولا يقول: "ما شاء الله تبارك الله"، فيصل الأذى بكل أسف.
فاخرجي من حالة الإحباط والتعب، واستعيني بالله، وابدئي في حياتك من جديد بثقة في الله المجيد سبحانه وتعالى، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يحفظنا جميعا، وأن يلهمنا السداد والرشاد.