أتألم بين وساوس الصلاة واقتراف المعاصي، فما النصيحة؟

0 1

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بفضل الله تحسنت حالتي النفسية، وأتناول أدويتي ولا زلت مستمرة عليها، والحمد لله، لكني أعاني من مشكلتين سببتا لي الضيق والحزن:

أولا: ما زالت وساوس الصلاة موجودة، بل زادت علي، فأصبحت الصلاة شاقة علي، حاولت تجاهل وساوس الصلاة كما فعلت مع وساوس الكفر، لكني أفشل دائما، وهذا سبب لي الضيق والكدر، وذهبت عني راحة الصلاة.

ثانيا: كنت ملتزمة منذ صغري -والحمد لله-، لكن بعد مرضي تغيرت، وأصبحت المعاصي هينة علي، أحاول أن أتوب، لكني أعود إلى ذنوب لم أتخيل يوما أني سأقع فيها.

أما مشكلتي الأخيرة، فتتعلق بدراستي، فقد عدت إلى دراسة الطب، لكن فهمي وحفظي أصبحا بطيئين جدا، والدروس صارت صعبة علي لدرجة أني أشعر في المحاضرة أني لا أفهم شيئا، على عكس الطلاب الذين يجيبون عن الأسئلة بشكل ممتاز، هذا جعلني أكره دراستي وأشعر بالإحباط، وتراكمت علي الدروس.

أعترف أني لا أبذل الجهد المطلوب، لكني فقدت الشغف بالدراسة، وكرهت الذهاب إلى الجامعة.

أصبحت في حالة حزن بسبب المشقة والثقل الذي أشعر به في العبادات، وبسبب تراجع مستواي الدراسي، حتى أني رسبت في امتحان الأمراض المعدية، أخاف أن أعود إلى حالتي النفسية التي شفاني الله منها، فماذا أفعل؟

وأيضا: حلفت كثيرا بأني لن أخرج من الصلاة بسبب الوساوس، لكني أخرج منها، أو أني سأصوم أياما كثيرة إن خرجت، لكني لا أفي بذلك، فماذا أفعل بشأن تلك الأيمان؟ أرجو الرد بسرعة.

بارك الله فيكم، وجزاكم عنا كل خير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ رحمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا ومرحبا بك -ابنتنا الكريمة- في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله أن يبارك فيك، وأن يتم عليك نعمة الشفاء، ويشرح صدرك، ويزيدك هدى وثباتا، ويرزقك السكينة والطمأنينة، ويقر عينك بنجاحك في دينك ودنياك.

لقد سرنا أن نقرأ في سطورك تحسن حالتك النفسية، ومواظبتك على العلاج، وهذا في ذاته علامة خير وشفاء، وبداية أمل جديدة، نسأل الله أن يتمها عليك فضلا ونعمة.

أما بخصوص ما تشتكين منه من الوساوس في الصلاة، ومن الضعف في التزامك، ومن المشقة في دراستك؛ فنطمئنك أن ما تجدينه له أصول في كلام أهل العلم والتجربة، وليس بغريب، وله علاج -إن شاء الله-.

أولا: الوساوس في الصلاة والعبادات:

اعلمي أن ما تعانين منه وسواس قهري، وهو ابتلاء مشترك عند كثير من الصالحين، بل عند أشد الناس حرصا على الطهارة والصلاة، والطريقة المثلى للتعامل معه: الإعراض الكلي والتجاهل التام، وإن شعرت أنك لا تستطيعين في البداية، فهذا طبيعي وعليك المجاهدة، لا تعيدي التكبيرات، ولا تقطعي الصلاة، ولا تكرري النية، حتى لو شعرت بأنك لم تحسني، بل استمري، وأجبري نفسك على الإكمال، ولو مع القلق، فهذا هو العلاج، واعلمي أن الله لا يكلفك إلا ما تطيقين، وهذه الوساوس لا تبطل عباداتك، ولا تخرجك عن الملة، ولا تؤثر في إيمانك، ولا تفسد صلاتك.

اعلمي أن الوسواس لا يعيش إلا في بيئة سلبية، يغذيها الفراغ والتفكير السلبي، فإذا أردت القضاء عليه، فابدئي بتغيير البيئة المحيطة بك داخليا وخارجيا، لا تبقي وحدك كثيرا، ولا تسترسلي مع الأفكار، بل اشغلي نفسك بما ينفعك من قراءة، علم، رياضة خفيفة، وتواصل اجتماعي مع الصالحات، وتذكري دائما أن الفراغ النفسي والذهني أرض خصبة للوسواس، فاعمري وقتك بشيء هادف مهما كان بسيطا، وكلما راودك التفكير السلبي، استبدليه بفكرة إيجابية فورية: أنا أتعالج وأتحسن، " لا يكلف الله نفسا إلا وسعها"، كل ما أمر به سيمضي بإذن الله.

ثانيا: الوقوع في الذنب بعد الالتزام:

تألمك من المعصية، وحرصك على التوبة، وبغضك للذنب، هو في الحقيقة علامة حياة قلب، وما تمرين به مرحلة فتور إيماني، ولها علاجها، ويتمثل فيما يلي:

1- الاعتراف بالمشكلة وعدم التهوين فيها، فإن الفتور إذا طال، أورث القلب قسوة، وربما قاد إلى الانقطاع، وقد قال ابن القيم: من استوحش من الخلق، أنس بالله، ومن استوحش من الله، قطع عن قلبه النور.

2- تجديد النية واستحضار الهدف من الطاعة: لا تكن طاعتك من باب العادة، بل اجعليها عبادة، وذكري نفسك دائما أن الغاية هي رضا الله، والجنة، والقرب منه.

3- العودة التدريجية للطاعات دون تحميل النفس فوق طاقتها: ابدئي بالقليل الثابت؛ ركعتا الضحى، أذكار الصباح، نصف صفحة من القرآن، ثم زيدي تدريجيا.

4- الصحبة الصالحة: فإنها أعظم معين على الثبات، قال رسول الله ﷺ: (المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل).

5- سماع المواعظ المؤثرة، والقصص الإيمانية، وسير الصالحين، فإنها تحيي القلب، وتلهب جذوة الشوق إلى الله.

6- التخفف من الذنوب، ومجاهدتها قدر الطاقة؛ فإن المعصية تطفئ نور القلب، وتثقله عن العبادة، قال تعالى: ﴿كلا بل ۜ ران علىٰ قلوبهم ما كانوا يكسبون﴾.

7- الدعاء الصادق بلين القلب وثبات الإيمان، خاصة في السجود وآخر الليل، ومن أدعية النبي ﷺ: (اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك).

8- ترك مقارنة النفس بالآخرين: فلك قلبك، وظروفك، وأقدارك، والله ينظر إلى مجاهدتك لا إلى سرعتك.

9- إشغال النفس بعمل نافع دنيوي أو ديني؛ العمل يخفف الفراغ، والفراغ يغذي الفتور، فاشتغلي بما يعود على دينك ودنياك بالخير.

10- قراءة القرآن بتدبر، لا مجرد التلاوة ولو آية واحدة تعيشين معها، فإن القرآن هو روح القلب، ومفتاح الرجوع.

وعليه فلا تسمحي للشيطان أن يجعل الذنب بابا لليأس، بل اجعليه بابا للعودة والانكسار، فإن الله لا يمل حتى تملوا، فثابري على التوبة ولو تكررت، ولا تيأسي، فإن الله يغفر الذنوب جميعا.

ثالثا: ضعف الفهم في الدراسة وتراجع المستوى.

- السبب في ضعف التركيز عندك –غالبا– هو ما تبقى من أثر الحالة النفسية، أو من آثار الدواء، وهذا أمر شائع ولا يدعو للقلق.

- لا تقيسي نفسك بالآخرين، بل اجعلي معيارك: هل أنا اليوم أفضل من نفسي بالأمس؟

- أكثري من الدعاء والاستعانة بالله، وابدئي بتنظيم وقتك، وقسمي المهام اليومية إلى صغيرة قابلة للإنجاز.

- لا تفكري في حجم التأخر ولا كم المادة، بل في المهمة الحالية فقط: (محاضرة واحدة، فكرة واحدة، صفحة واحدة).

- جددي نيتك، واطلبي العلم تعبدا، فإن الله يفتح على عباده بما لا يحتسب.

- استخدمي الوسائل الحديثة، واستعيني بالطالبات الصالحات المتفوقات لشرح ما تعسر عليك، واصبري على ذلك.

رابعا: ما يتعلق بالأيمان والوعود التي حلفت بها:

الغالب على هذه الأيمان أنها صدرت تحت الوسواس ومع الغلبة النفسية، فلا كفارة عليك؛ لأنها غير منعقدة، ولا يؤاخذك الله بها، وإن كفرت مرة واحدة، فلا حرج، والكفارة هي إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، فإن لم تجدي فصيام ثلاثة أيام.

وأخيرا:
1. حافظي على أذكارك الصباحية والمسائية، فهي حرز لك من الوساوس والانهيار.
2. لا تتركي الصلاة مهما شعرت بالثقل، فالصلاة باب الفرج.
3. اجعلي لنفسك وردا من القرآن، ولو نصف صفحة يوميا.
4. تابعي علاجك النفسي والدوائي، ولا تتوقفي عنه إلا بإشراف مختص.
5. لا تهملي الدعاء، فإنه مفتاح التيسير، واختاري أوقات الإجابة، كآخر الليل، وبين الأذان والإقامة.

نسأل الله أن يشفيك شفاء تاما، ويقويك، ويرفع عنك البلاء، ويجعلك من الراسخين في الطاعة، ومن الناجحين في الدراسة، ومن السعداء في الدنيا والآخرة، والله الموفق.

مواد ذات صلة

الاستشارات