أبكي على ما فات من عمري ..فهل يمكن تعويضه؟

0 6

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا شاب في السادسة والعشرين من عمري، نشأت في بيئة نصيرية، ثم من الله علي بالهداية إلى الإسلام في سن الثامنة عشرة، فبدأت مرحلة جديدة من حياتي في طلب العلم، والعبادة، والدعوة إلى الله -بفضل الله وتوفيقه-.

لكني عانيت بعد إسلامي من وسواس قهري شديد، أثر على عبادتي واستقراري النفسي، وكنت في تلك المرحلة وحيدا، لا أجد من أستأنس به من أهل الصلاح، ثم وقعت في فتور شديد، حتى تركت الصلاة لفترة، وأعترف أنني أخطأت حين كتمت هذا الأمر، ولم أطلب المساعدة من إخواني، فازداد الصراع في داخلي، وتدرجت في التهاون بسائر العبادات.

ثم تراكمت علي الابتلاءات: بدأت بمرض عضوي، ثم رسوب جامعي متكرر، ثم إدمان حاد على الإباحية -نسأل الله العافية-، فازددت بعدا عن الله، وضيقا في النفس لا يعلمه إلا هو سبحانه.

مؤخرا: عاد إلي شيء من الاستقرار -بفضل الله-، إذ جمعني الله بإخوة صالحين من المهتدين الجدد، نخطط لمشروع دعوي، يخدم البيئة التي نشأنا فيها، وبدأت أستعيد صلاتي وعبادتي، غير أن أمرا يؤرقني ويكاد يعطل مسيرتي.

مشكلتي أنني أبكي دما على ما فات، هذا ليس مجرد شعور عابر، بل حقيقة مؤلمة؛ إذ أعلم أنني ضيعت من عمري ما لا يعوض، كانت لدي فرص عظيمة للتميز في العلم الشرعي، ومقارنة الأديان، وحتى في المجال الأكاديمي والرياضي، لكني خسرت كل ذلك، وخسارتي كارثية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وهذه القناعة تؤرقني.

كذلك: أشعر بانكسار داخلي شديد، وأتجنب لقاء الإخوة وجها لوجه، بسبب التغير الكبير في مظهري وملامحي؛ نتيجة المرض والعزلة الطويلة، وقد سبق أن راسلتكم بشأن هذا الأمر.

سؤالي: كيف يمكن لإنسان خسر هذا القدر من عمره وإمكاناته أن يبدأ من جديد؟ وهل يمكن تعويض ما فات؟ وكيف أخرج من هذا الشعور الثقيل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -ابننا الفاضل- في الموقع، ونشكر لك اهتمامك وحسن عرضك للسؤال، ونسأل الله أن يوفقك، وأن يصلح الأحوال.

بداية: لا شك أن من تاب وجد الله، ومن رجع إليه لم يفقد شيئا؛ فالتوبة تجب ما قبلها، وفي الحديث: "التائب من الذنب كمن لا ذنب له".

وكل ما في هذه الدنيا يمكن أن يعوض؛ بل إن الدنيا كلها لا تزن عند الله جناح بعوضة، ولو كانت تزن كذلك، ما سقى منها كافرا شربة ماء.

فالله تعالى لم يرض الدنيا جزاء لأوليائه، ولم يجعلها عقوبة لأعدائه، لأنها لا تزن عنده جناح بعوضة؛ ولذلك، فهو يعطيها من يؤمن ومن لا يؤمن، ويمنحها حتى لكع بن لكع، وكل ذلك من هوانها على الله تبارك وتعالى.

فهنيئا لك أولا بالهداية إلى الإسلام، وهنيئا لك بالتوبة والرجوع إلى الله تبارك وتعالى، وتعاونك مع الشباب الأخيار، وهذا هو المطلوب فلا تعزل نفسك، وكن في زمرة الصالحين المصلحين، قال الله تعالى لرسوله: {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه} [الكهف: 28]، والمرء حيث يضع نفسه.

وأحمد الله أن هذا الشعور بالتقصير، الذي دفعك إلى التوبة والرجوع إلى الله، جاءك وأنت لا تزال على قيد الحياة؛ فالإنسان ينبغي أن يتدارك ما بقي من عمره، كما قال ابن أدهم: "أحسن فيما بقي من عمرك يغفر لك ما مضى من ذنبك!"، فمهما قل ما تبقى من العمر، فالعبرة بالإحسان فيما بقي.

واعلم أن هذا الإحباط دافعه من الشيطان؛ لأن الشيطان يحزن إذا تبنا، ويندم إذا استغفرنا، ويبكي إذا سجدنا لربنا، ولذلك فهو يحرص دائما على دفع الإنسان إلى المعصية، ثم بعد ذلك يجلب له اليأس من التوبة، ويحاول أن يعيقه عن الإصلاح والرجوع إلى الله تبارك وتعالى، فعامل عدوك الشيطان بنقيض قصده، واستعن بالله تعالى.

واعلم أن انكسار القلب يرفع العبد للتوبة النصوح، والرجوع إلى الله تبارك وتعالى، واعلم أن العبرة في الرجال ليست بمظهرهم، والله لا ينظر إلى صورنا ولا إلى أجسادنا، ولكن ينظر إلى قلوبنا وأعمالنا.

فاحمد الله الذي هداك، ويسر لك الهدى، وكن واثقا من نفسك، واعلم أن كل البشر عندهم ما يزعجهم، لكن المؤمن يتجاوز ذلك برغبته فيما عند الله تعالى، والذي خسرته مهما كان؛ فإن التوبة النصوح تمحو ما قبلها؛ وتجب ما قبلها، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له.

وبالنسبة للإمكانات والقدرات: فهذه كلها يحصلها الإنسان مع الأيام، فاسأل الله أن يعوضك خيرا، وأن يلهمك السداد والرشاد، وأن يخرجك مما أنت فيه بمزيد من الإيمان، وصدق اللجوء إلى الكريم المنان.

نسأل الله أن يسهل أمرك، وأن يغفر ذنبنا وذنبك، وأن يلهمك السداد والرشاد، ونكرر الترحيب بك في موقعك، وشكرا لك على هذا السؤال.

مواد ذات صلة

الاستشارات