السؤال
السلام عليكم.
في الواقع كنت أعاني من وساوس قهرية لمدة تقارب السنة، وكل مرة تأخذ شكلا مختلفا، وأحيانا أشك إن كان وسواسا حقا، الوساوس متنوعة مثل: وسواس الاستهزاء بالدين مثلا، أو الكفر أو الشرك، كما أني شخص حساس جدا، أبكي بسرعة كبيرة.
بدأت -ولله الحمد كله- ألتزم بجملة من الأمور، لكني بدأت أشك أني دخلت باب التعصب، كنت البارحة أراقب ابنة أخي، وهي تشاهد فيديو على اليوتيوب، كان سخيفا جدا، ومضيعا للوقت، تلك الفيديوهات التي تأخذ الوقت، وفيها موسيقى.
قلت لها إننا كنا نشاهد أمورا ذات معنى وقيم في السابق، وأريتها حلقة من أنمي كان يعرض على إحدى قنوات الأطفال، وأعجبها، لكني شعرت بالذنب بعد ذلك.
ماذا لو كان سماحي لها بمشاهدة أنمي فيه ذوات أرواح، هل يعتبر أيضا من باب التصوير المحرم؟ وهل هذا الأمر يوجب اللعن؟
بما أن آكل الربا وموكله وشاهديه يدخلون جميعا بنفس الحكم، ألا تعتبر مشاهدة أفلام الكرتون أو الأنمي مجاهرة بالمعصية أيضا؟ بحثت عن حكم ذلك صدقا، ورأيت أن الراجح لدى الكثيرين هو الجواز، لكن ماذا لو تبين العكس للجميع يوم القيامة؟
هذا إضافة لتجنبي رسم مناظر طبيعية على قدر استطاعتي، بمجرد أن أرسم وردة مثلا أو منظرا أشعر بالذنب؛ لأنه حتى رسم الأمور الطبيعية محل خلاف حسب علمي، أليس كذلك؟
لا أريد أن أتعصب وأضيق على غيري، أو أشذ عن إجماع العلماء، أو أحرم ما أحله الله، لكن قلبي لا يرضى أن يطمئن، رغم أني أعلم أناسا أتقياء يتصرفون بشكل طبيعي، لكني لا أستطيع ذلك، وأفكر كيف سأقنع ابنة أخي الصغيرة بترك ذلك الأنمي؟ رغم أنه كان يعرض على إحدى قنوات الأطفال، وكان يملك كثيرا من القيم الجميلة، صرت أحاول الالتزام بمشاهدة ما يخلو من ذوات الأرواح تماما، فيديوهات مطموسة الملامح.
أعتذر عن الإطالة، جزيتم خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ خديجة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
بارك الله فيك -أختي الكريمة- وشكرا لك على ثقتك، ونسأل الله أن يذهب عنك كل وسواس، ويملأ قلبك طمأنينة وإيمانا ويقينا، ويقر عينك برضاه.
أولا: نطمئنك بكل وضوح أن ما تعانينه من وساوس – سواء كانت في العقيدة، أو في أمور الحلال والحرام، أو في الشعور بالإثم– هو من ابتلاء الشيطان للعبد المؤمن، وقد صرح النبي ﷺ أن هذه الوساوس لا تضر، بل هي دليل على الإيمان، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، ونصه: قالوا: يا رسول الله، إن أحدنا ليجد في نفسه ما يتعاظم أن يتكلم به، قال: أوقد وجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان.
فالوساوس ليست دليلا على الكفر، بل دليل على خوفك من الله، وعلى صفاء قلبك، لكن عليك أن تتعلمي كيف تتعاملين معها دون أن تتبعيها أو تفتشي وراءها.
ثانيا: التعامل مع الوساوس: هناك خمس خطوات عملية:
1- الإعراض الكامل دون تحليل، أو محاورة: لا تحاوري الوسواس، ولا تحاولي التأكد من كونك آثمة أم لا، بل اصرفي فكرك تماما، فالرد على الوسواس هو الوقود الذي يزيده اشتعالا، قال أهل العلم:(إذا تبين أن هذا وسواس فلا يلتفت إليه، ولا يستفتى عنه).
2- عدم البحث والفتاوى المتكررة: كثرة البحث في المسائل المختلف فيها – كالرسم والأنمي– من مدخل الوسواس؛ لأن الشيطان يجرك من خلاف إلى آخر، حتى يحرمك السكينة، ولو فتحت لنفسك باب الاسترسال سيجرك حتى تتوقفي عن رؤية الورد أو الشمس، أو حتى الحديث مع الناس.
3- لا تفتي نفسك في المسائل الكبرى: باب التحريم لا يفتح هكذا بالشكوك، بل بالأدلة الواضحة، والمجمع عليها، فلا تفتي نفسك ولا تحرمي على غيرك ما لم يحرمه الله، فإن من التشدد المذموم أن نوسع دائرة الحرام بما لم يحرمه الشارع.
4 - راقبي نفسك من باب اللين لا من باب الشك: احذري من أن يتحول الورع إلى تضييق على النفس، وعلى من حولك، وخصوصا الأطفال، وابنة أخيك تحتاج إلى التدرج، لا إلى المنع المفاجئ والتخويف، ولا بأس أحيانا من الانتقال من السيئ إلى الحسن بالتدريج.
5- الدعاء والمجاهدة والاستمرار في العبادة: أكثري من الدعاء، واطلبي من الله أن يذهب عنك الوسواس، وواصلي الطاعة والقراءة في كتب العقيدة المبسطة، والرقائق، وابتعدي عن فتاوى الغلاة والمتشددين، وأقبلي على أهل الاعتدال والفقه في الدين، فهم أقرب لمراد الله.
ثالثا: أختنا الفاضلة: لا تحزني، ولا تثقلي على قلبك، فإن ربك أرحم بك من نفسك، وهو الذي قال: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر)، فارفقي بنفسك، ولا ترغمي قلبك على أن يعيش تحت وطأة الذنب الدائم، بل عيشي في رضا الله بالحب، لا بالخوف المفرط، فإن الشيطان يفرح حين تتعبين من الطاعة، أكثر مما يفرح بالمعصية.
وأخيرا: لا يكلفك الله ما لا تستطيعين، ويكفيك أن تأخذي الفتوى من عالم واحد معتبر، ولا يضرك بعد ذلك شيء، ونحن نسأل الله مقلب القلوب أن يثبت قلبك على دينه، وأن يذهب عن الوساوس.
اللهم املأ قلبها يقينا ورضا وسكينة، واجعلها هادية مهتدية، لا تضل ولا تشقى، ووفقها لما تحب وترضى.