السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وقعت في ذنب منذ سنوات، وحتى الآن لا أستطيع التخلص منه، كلما أذنبت عزمت على ألا أعود، وبكيت وتبت إلى ربي، لكني أعود فأذنب مرة أخرى.
بقيت على هذا الحال عدة سنوات، وها أنا ما زلت عليه، وكلما أتذكر دعائي بالتوبة في أيام مباركة، وأتذكر عصياني في نفس الأيام، أشعر بتناقض داخلي وخجل كبير، وأشعر أني منافق.
في تلك السنوات التي أدمنت فيها هذا الذنب، شعرت بعدم التوفيق والفشل في حياتي بعدما كنت متفوقا وناجحا، وهذا الشعور بالفشل والخوف من المستقبل يلازمني دائما، وأحيانا يتحول -دون قصد- إلى سوء ظن بالله، والعياذ بالله.
أنا الآن مقبل على مرحلة مهمة في حياتي، وهي امتحانات الثانوية العامة والقبول في الجامعات، أخاف ألا يتحقق حلمي وأن أفشل في ذلك أيضا بعدما عصيت الله طوال العام، وأخشى أن يؤاخذني الله بما فعلت في الدنيا والآخرة.
إني أجاهد -والله يشهد- لكني أقع في كل مرة، فأصبح هذا سببا للإحباط في كل حياتي.
أريد من حضراتكم طريقة للتخلص من هذا الذنب، علما بأني أحافظ على الصلوات الخمس، ودائم الملازمة للقرآن، إلى جانب الاستماع إلى المحاضرات الدينية، كما أرجو أن ترشدوني: كيف أتخلص من عدم التوفيق الذي شعرت به طوال الفترة الماضية؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ م.ش حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ولدنا الحبيب- في استشارات إسلام ويب.
أولا: نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يتوب عليك، وأن ييسر لك أسباب التوبة والاستقامة، وأن يأخذ بيدك ويعينك على نفسك.
ونحن نشاركك -أيها الحبيب- أولا ما توصلت إليه من أن الذنب سبب للفشل، وقد يكون سببا للحرمان من أرزاق كثيرة، وقد حذر النبي ﷺ من هذا أشد التحذير، فقال -عليه الصلاة والسلام-: "إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه"، والله تعالى أخبرنا في كتابه الكريم في آيات كثيرة، أن ما أصابنا من المصائب إنما هو بسبب ذنوبنا وأعمالنا، وهذا أمر واضح وظاهر جدا في آيات كتاب الله تعالى.
ولهذا نحن ندعوك -أيها الحبيب- إلى مجاهدة نفسك للتوبة من هذا الذنب، وأن توقن يقينا جازما أن التوبة أمرها سهل يسير -بإذن الله-، ومما يبعثك ويدفعك إلى التوبة أن تعلم عواقب هذا الذنب في الدنيا وفي الآخرة، فإذا تذكرت النهايات والعواقب والنتائج التي سيؤدي إليها هذا الذنب، فإنه سيسهل عليك -بإذن الله تعالى- مقاومة شهوته ولذته، فالعاقل لا يرضى أبدا بلذة يسيرة فانية، تتبعها آلام دائمة ومستمرة. فاستعن بالله ولا تعجز، وخذ بالأسباب التي تعينك على الثبات على التوبة، ومنها:
• صحبة الطيبين الصالحين، والإكثار من مجالستهم، ومشاركتهم في برامجهم النافعة وأعمالهم المفيدة، سواء أكانت دينية أم دنيوية.
• وأن تتجنب الخلوة بنفسك قدر الاستطاعة.
• وأن تشغل نفسك دائما؛ فإن القلب لا ينشغل بأمرين معا في وقت واحد، والنفس -كما قال الإمام الشافعي رحمه الله-: "إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل".
وأما ما ذكرته من توبتك ورجوعك إلى الذنب؛ فهذا أمر طبيعي؛ فالإنسان قد يتوب ثم يضعف بعد ذلك، ويرجع إلى الذنب مرة أخرى، ولكن المطلوب منه أن يتوب مرة أخرى توبة صادقة مستكملة للأركان وللشروط، ومنها: العزم الجاد في القلب على ألا يعود إليه في المستقبل، فإذا تاب الإنسان مرة ثانية، فهذه التوبة تمحو الذنب، وقد قال رسول الله ﷺ: "التائب من الذنب كمن لا ذنب له".
ولو قدر أن الإنسان ضعف مرة ثالثة، واستزله الشيطان ووقع في الذنب، فإن الواجب عليه أن يجدد التوبة أيضا، وهكذا كلما أذنب يتوب، ويحسن الظن بربه أنه سيتقبل منه توبته، لكن نؤكد مرة أخرى أن من أهم أركان التوبة: العزم وقت التوبة على ألا يرجع إلى الذنب في المستقبل.
وقد حكى لنا النبي ﷺ حال هذا الإنسان مع ربه في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم، قال ﷺ فيما يحكيه عن ربه عز وجل، أي في حديث قدسي، يقول ﷺ: "أذنب عبد ذنبا، فقال: اللهم اغفر لي ذنبي، فقال الله تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا، فعلم أن له ربا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب. ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب، اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنبا، فعلم أن له ربا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب. ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب، اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا، فعلم أن له ربا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، اعمل ما شئت، فقد غفرت لك".
فهذا الحديث يبين فيه الرسول ﷺ فضل الله تعالى ورحمته بهذا الإنسان، وأنه يقبل توبته كلما تاب واستغفر، فلازم هذا الطريق، وستنجو -بإذن الله تعالى-. واعلم أن تقوى الله تعالى من أعظم أسباب الرزق، كما قال الله: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا • ويرزقه من حيث لا يحتسب}.
فأحسن ظنك بالله، وبادر إلى التوبة النصوح، ولازم مرافقة ومصاحبة الصالحين، وداوم على ما أنت عليه من الخير، من المحافظة على الصلوات، والملازمة لقراءة القرآن، واستماع المحاضرات الدينية؛ فكل هذا عمل صالح يثبتك الله تعالى به على الخير.
نسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير، وأن يعينك على نفسك، ويثبتك على طريق التوبة والاستقامة.