أكثر أعمال البيت ملقاة على عاتقي لتكاسل إخوتي، فماذا أفعل؟

0 1

السؤال

السلام عليكم.

كنت قد بينت حالي مع والدي في السؤال رقم: (2553492)، وهناك أمور لم أذكرها، وهي أن لي أخا وأختا أصغر مني سنا، إلا أن والدي، وخصوصا أمي، يمنعانهما من المشاركة في أي عمل بحجة أنهما صغيران، وأنهما قد يكسرا الأطباق، أو يتسببا في مشكلات (مع أن الطفل لا بد أن يخطئ ويتعلم ليكتسب الخبرة).

لكن المشكلة أن هذا النهج استمر، حتى بلغ أخي الآن 14 عاما، وأختي 12 عاما، وكلما حاولت أن أوكل إليهما بعض المهام المنزلية، تغضب أمي وتقول لي: "لم أطلب منهما ذلك، بل طلبت منك أنت، فافعل العمل على أكمل وجه" وتتهمني بالعقوق، فأصبحت لا أرغب بإغضابها، خصوصا في الحالات الطارئة التي تحتاج فيها إلى مساعدة سريعة، لا يستطيع التعامل معها غيري.

أما أخي وأختي، فعلى الرغم من معرفتهما بفضل بر الوالدين، فإنهما يتكاسلان عن الاستجابة إذا ناداهما أحد الوالدين، ولا يصبران على العمل المنزلي أكثر من أربع أو خمس ساعات متتالية.

أمي على وجه التحديد ترفض إشراكهما في أي عمل؛ لأنها لا تطيق الصراخ، أو الإرهاق الناتج عن الإشراف عليهما، حتى إني كنت أنا من يتولى الإشراف بدلا عنها.

عادة أمي أنها ترفض أي أمر من البداية، لكنها إذا رأت أن أحد أبنائها خالف رأيها ولم يبال، فإنها بمرور الوقت تعتاد الوضع الجديد ولا تعارضه، حدث هذا مرارا، كرفضها سابقا أن يركب أخي سيارة أجرة وحده، أو يدرس في أماكن بعيدة عن المنزل، ثم تقبلت الأمر بعد ذلك.

والدي يشاركني الرأي، ويخبرني بعدم الالتفات إلى حرصها المفرط، وهذا الأمر أثر بشكل كبير على مستقبلي، مع ذلك توقفت عن مخالفتها لفترة؛ لأنني لم أكن أعلم بالحكم الشرعي في هذه المسألة.

لكنني متيقن أنها بعد فترة قصيرة ستعتاد الأمر، وأؤكد كذلك أن هؤلاء الأطفال إن لم يتعلموا البر والصبر وهم صغار، فماذا نرجو منهم إذا كبروا؟ وأنا كأخ أكبر، أشعر أن من مسؤوليتي أن أزرع فيهم هذه القيم.

أرجو منكم بيان الحكم الشرعي في هذا الأمر، مع توضيح رأي المالكية، جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمدو حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

جزاك الله خيرا على ثقتك، وأشكرك على مشاركتك لهذه التفاصيل التي تدل على نضجك ووعيك العاليين، لقد أظهرت في رسالتك صبرا كبيرا، ورضا بقضاء الله، وحرصا على رضا والديك، وهذه كلها خصال نبيلة تدل على حسن نيتك وحبك للخير، سأحاول في هذه الإجابة أن أكون عونا لك، مستحضرا سؤالك السابق أيضا، وأسأل الله أن ييسر لك أمورك، ويجعل لك من كل ضيق مخرجا.

أولا: من الواضح أنك تعاني من ضغوط نفسية ناتجة عن تزايد المسؤوليات المنزلية، والتي أثرت على وقتك المخصص للدراسة والراحة الشخصية، ومن الطبيعي جدا أن تشعر بالإرهاق والحزن في ظل هذه الظروف، خاصة مع شعورك بعدم التقدير، أو الدعم الكافي من الأسرة، من المهم أن تعرف أن مشاعرك طبيعية وليست ضعفا منك، وأن شعورك بالحزن أحيانا لا يعني أنك غير راض عن قضاء الله، بل هو جزء من التحديات التي تواجهها النفس البشرية.

في علم النفس، نجد أن الأعباء الزائدة قد تؤدي إلى ما يعرف بالإجهاد المزمن، وهو حالة من الإرهاق تستنزف الطاقة النفسية والجسدية، ولكنك -بحمد الله- تمتلك قدرا كبيرا من الصبر والتوكل على الله، وهذا مفتاح أساسي للتغلب على هذه التحديات، كما أن نضجك النفسي وتأملك في دروس الفشل السابقة هما من أكبر نقاط قوتك.

ثانيا: مسؤولياتك بين بر الوالدين وأداء واجباتك الشخصية
من الناحية الشرعية، بر الوالدين من أعظم القربات التي أمرنا الله بها، حيث قال تعالى: "وقضىٰ ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا" (الإسراء: 23)، وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "سألت النبي -صلى الله عليه وسلم-: أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها، قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله" (رواه البخاري ومسلم).

ولكن في المقابل فإن الإسلام دين التوازن والعدل، فكما أن بر الوالدين واجب، فإن لنفسك عليك حقا، ولتعليمك ومستقبلك أهمية كبيرة أيضا، وإذا كانت المسؤوليات المنزلية تؤثر بشكل كبير على قدرتك على أداء واجباتك الأخرى كالدراسة، وصلة الرحم، وحفظ صحتك النفسية والجسدية، فإن من الحكمة أن تبحث عن طريقة لتخفيف العبء عن نفسك دون أن تخل ببر والديك.

ثالثا: فيما يتعلق بمساعدتك في المنزل، من الواضح أن والدتك تعتمد عليك بشكل كبير، وربما تعتقد أنك الأقدر على القيام بهذه المهام، وقد يكون هذا نتيجة خوفها من أن يتسبب إخوتك الصغار بمشكلات، أو أنها معتادة على الاعتماد عليك أكثر، لكن من المهم أن تدرك أن التربية السليمة لإخوتك تشمل تعليمهم تحمل المسؤولية تدريجيا، وهو ما يتماشى مع تعاليم الإسلام الذي يحث على إعداد الأبناء؛ ليكونوا قادرين على تحمل أعباء الحياة.

أما بالنسبة لرأي المالكية في تربية الأبناء: فابن سحنون كان يرى الغاية الأولى من التربية والتعليم: هي معرفة الدين وإقامته، لذلك كان اهتمامه منصبا على تعليم فرائض الدين، والعلوم اللازمة لتحقيق هذه الغاية، ومن ثم أوجب تعليم الفقه، قال ابن سحنون فيما يرويه عن أبيه: "ويلزمه أن يعلمهم الوضوء والصلاة؛ لأن ذلك دينهم، وعدد ركوعها وسجودها، والقراءة فيها والتكبير، وكيف الجلوس والإحرام والسلام، وما يلزمهم في الصلاة، وليتعاهدهم بتعليم الدعاء ليرغبوا إلى الله، ويعرفهم عظمته وجلاله؛ ليكبروا على ذلك "، نقلا عن مقالة بعنوان: (جهود علماء المالكية في الفكر التربوي.. الإمام ابن سحنون) للشريف عبد العزيز.

هذا بشكل عام، والكلام هنا يتجه حول دور الوالدين مع الأبناء، أما دور الأخ مع إخوته، فهو أقل من ذلك، ويدخل في قاعدة الأمر بالمعروف بمعروف، والنهي عن المنكر بدون منكر، أي باستعمال الحكمة مع إخوتك، لذلك قد يكون من الضروري أن تناقش والدتك برفق وحكمة، حول أهمية إشراك إخوتك في المهام المنزلية، مع التأكيد على أنك لا تهدف إلى التمرد، بل تسعى لتحقيق التوازن.

رابعا: نصائح عملية وحلول:
1. حاول أن تضع جدولا يوميا ينظم وقتك بين المهام المنزلية والدراسة والراحة، خصص وقتا محددا لكل مهمة، وابدأ بالأهم ثم المهم، حتى لو كان وقت الدراسة قليلا، فإن التركيز الشديد خلاله يمكن أن يعوض عن قصر مدته، قال الحسن البصري: "إنما أنت أيام، كلما ذهب يوم ذهب بعضك"، فاحرص على استثمار وقتك بأفضل شكل.

2. اختر وقتا مناسبا للحديث مع والدتك بهدوء، وأظهر لها حبك واحترامك، واشرح لها تأثير الأعباء الحالية على دراستك ومستقبلك، اقترح حلولا عملية مثل تقسيم المهام بين أفراد الأسرة، أو تخصيص وقت محدد يوميا للدراسة دون انقطاع، وإذا شعرت أن النقاش قد يؤدي إلى توتر، يمكنك اللجوء إلى والدك ليتوسط في الأمر.

3. ابدأ بتكليف إخوتك بمهام صغيرة تتناسب مع أعمارهم، وكن مشرفا عليهم في البداية إذا وافقت والدتك، اشكرهم عندما ينجزون شيئا، وشجعهم على المشاركة حتى يشعروا بأهمية دورهم.

4. إذا كانت بيئة المنزل مليئة بالضوضاء، حاول استغلال الأوقات التي تكون فيها الأجواء أكثر هدوءا للدراسة أو قراءة القرآن، يمكنك أيضا البحث عن مكان خارج المنزل للدراسة، مثل المكتبة، أو منزل أحد الأقارب إذا كان ذلك ممكنا.

5. استمر في الدعاء، واللجوء إلى الله، فهو القادر على تيسير أمورك، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز"، (رواه مسلم)، الدعاء سلاح المؤمن، فلا تستهن بفضله.

6. حتى لو كنت مشغولا، حاول زيارة أقاربك بين الحين والآخر ولو لفترة قصيرة، إذا لم تتمكن من زيارتهم بشكل منتظم، يمكنك الاتصال بهم، أو إرسال رسائل للاطمئنان عليهم، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره، فليصل رحمه"، (رواه البخاري).

تذكر دائما أن هذه التحديات مؤقتة، وأن الله يختبر صبرك ليمنحك ما هو خير لك، قال الشاعر:
دع الأيام تفعل ما تشاء ** وطب نفسا إذا حكم القضاء
ولا تجزع لحادثة الليالي ** فما لحوادث الدنيا بقاء

واعلم أن الفشل ليس نهاية الطريق، بل هو بداية للتعلم والنضج، أنت الآن في مرحلة بناء، وكل صعوبة تواجهها تزيدك قوة وخبرة، استمر في السعي والتوكل على الله، وستجد أن الأبواب تفتح أمامك بإذنه تعالى.

أخيرا: إذا شعرت أن الضغط النفسي يؤثر على صحتك بشكل كبير، فلا تتردد في طلب المساعدة من مستشار أو معالج نفسي، التحدث مع شخص متخصص قد يساعدك في تنظيم أولوياتك، والتعامل مع مشاعرك بشكل أفضل.

أسأل الله أن يوفقك ويسدد خطاك، وأن يرزقك بر والديك وراحة البال والنجاح في الدنيا والآخرة.

مواد ذات صلة

الاستشارات