أعمل في مدرسة مديرها يظلمني تأييداً لزميلتي!

0 1

السؤال

السلام عليكم.

أرجو منكم الاستشارة بما يرضي الله، ونصحي بما ينبغي علي عمله بعد أن ضاق صدري ليال طويلة، وتعبت نفسيا، ولجأت لرب العالمين، واستخرته، وناجيته كثيرا.

أنا امرأة متزوجة، أنعم الله علي بزوج صالح، وأم لأربعة أولاد -والحمد لله-، منذ الصغر كنت متفوقة في دراستي كثيرا، أحب العطاء، والتميز، والتفاني، تعلمت بتميز كبير، وأعمل مدرسة في المدارس، أعطي من قلبي في مهنتي، وبتفان كبير، وأرى تقديرا من الطلاب والأهالي كثيرا، لكن مشكلتي الكبيرة هي الإدارة؛ فأنا أعمل أيضا على موضوع مهم جدا، يعالج قضايا الطلاب ومشاكلهم المتنوعة، وأعمل بشغف، ومهنية عالية لوجه الله تعالى، وهنالك زميلة تعمل معي مقربة من المدير، لا تتخيلون مدى التعامل الفظ الذي تعاملني به، والمشكلة أن المدير يعطيها كامل الصلاحية في العمل، والجميع يعرف أنها تؤثر عليه بشكل كبير، وتحرضه علي، حتى أنهم في العمل يحاولون تهميشي بشكل كبير، حتى من صلاحيات وظيفتي، فيتم حصرها لدرجة الاستهانة، وعدم الاحترام.

حاولت كثيرا التحدث مع المدير، وإقناعه بمشاعري، ووجهة نظري، ولكن لا جدوى من ذلك، والأمر يزداد سوءا، حتى أن زملائي وزميلاتي بدؤوا يشعرون بأنني أعمل ولا أحصل على تقدير، أو حتى احترام لما أقوم به.

أشعر أننا في ساحة حرب، أعلنتها علي لتنافسني، وهو يمجدها كأنه لا يوجد غيرها، وهذا لا يشعرني بالغيرة أبدا، ولكنه يشعرني بعدم الاتزان؛ فهو أمر غير منطقي، وغير عادل بالمرة، وفيه نوع من الاستخفاف.

أحب العمل، وأن يكون في أجواء فيها الهدوء، والاحترام، وعدم الاستفزاز، وكثيرا ما أشعر بأنني أريد أن أبتعد عن هذه الدوامة، ولكنني في صراع مع نفسي، ولن أستسلم؛ فأنا أعطي لوجه الله تعالى، وبتفان، ولكن هذا التهميش المتعمد والاستفزاز يضايقني كثيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Sama حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا وسهلا بك -أختنا الكريمة- في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله أن يجعل فرجك قريبا، ويشرح صدرك، ويجزيك عن صبرك وإحسانك خير الجزاء.

أولا: قراءتنا لحالتك بإيجابية:

أنت امرأة تحملين من الخير والفضل ما لا يضيع عند الله -إن شاء الله-.

- زوجة صالحة، وأم لأربعة أبناء، وهذا وحده بناء من أعظم الأبنية في الدين والمجتمع.

- معلمة متفانية، تؤدين رسالتك بشغف، وهذا في زمن التراجع الأخلاقي جهاد من نوع راق لا يقدره إلا أهل الفضل.

- لديك وعي وإيمان يجعلك تلجئين إلى الله كلما ضاقت بك السبل، وهذه نعمة عظيمة.

لكنك -ككل بشر- تتألمين حين تظلمين، وتتعبين حين يستهان بك، وتضيقين حين يغمط جهدك، وهذا ليس ضعفا، بل طبيعية بشرية.

ثانيا: تحليل ما تمرين به:

- التهميش من جهة الإدارة بفعل زميلة ذات نفوذ؛ نوع من الظلم الإداري المنتشر، وهو لا يعبر عن قصور منك، بل عن اختلال في ميزان العدل داخل المؤسسة.

- الشعور بالعزلة رغم الجهد المبذول: فأنت تبذلين لله، لكن في بيئة تغلب عليها المجاملات والولاءات الشخصية، لا القيم، فيبدو صوتك ضعيفا رغم أنه الحق.

- صراع بين الرغبة في الانسحاب، والإصرار على البقاء: وهذا صراع نبيل؛ لأنه صراع بين "كرامة النفس"، و"رسالة المهنة"، وهو يعني أنك صادقة مع نفسك.

ثالثا: نصيحتنا لك في خطوات عملية:

1. ثبتي النية؛ فالعمل لله، لا للمدير، وذكري نفسك صباح كل يوم: "اللهم اجعل عملي خالصا لوجهك، لا أطلب به إلا رضاك، وأعذرني إذا قصر البشر عن تقديري"، فالنية وحدها تنقل الجهد من أرض البشر إلى سجل السماء.

2. لا تطالبي بالتقدير، بل استكملي العطاء بحكمة، ولا تتوقفي عن التميز، واستحضري مع كل عمل احتساب الأجر عند الله تعال، واعملي واجبك بإتقان، دون السعي لإثبات نفسك أمام من لا ينصفك، وركزي على الأثر في الطلاب، وفي ضميرك، لا في تقارير الإدارة.

3. أحيطي نفسك بدائرة دعم صغيرة؛ بأن تختاري زميلة أو اثنتين تثقين فيهما، لا لتشتكي إليهما فقط، وأن يعيناك على الثبات والمساندة؛ فالعزلة التامة في بيئة غير عادلة تستنزف النفس.

4. خاطبي المدير مرة أخيرة بمكتوب مهني رصين، إن شعرت أن التهميش وصل إلى حد المساس بالصلاحيات والكرامة، فاكتبي رسالة مهنية، وموجزة، فيها:

- وصف للحالة.

- طلب مباشر بحفظ التوازن الإداري، بأسلوب مهذب خال من العتاب العاطفي، بل من منطلق العمل والمسؤولية، ثم احتسبي الأثر عند الله، واتركي النتيجة له.

- استخيري في أمر الاستمرار أو الانتقال إن شعرت بعد مدة أنك لا تستطيعين مواصلة العطاء في هذا الجو؛ فالاستخارة ثم المشورة مع أهلك، والتخطيط لبديل -ولو بعد سنة، أو اثنتين- خيار جائز، كما أن الانسحاب من بيئة فاسدة لا يعد استسلاما، بل أحيانا حكمة، وحفظا للنفس والدين.

رابعا: هذا الظلم لا يضيع عند الله؛ فقد قال رسول الله ﷺ: "اتقوا دعوة المظلوم، فإنها ترفع فوق الغمام، يقول الله: وعزتي وجلالي، لأنصرنك ولو بعد حين"، وثقي أن الله يرى ويعلم، وأن كل دمعة خرجت من عينيك خفية ستكون نورا في سجلك، وأثرا في استجابة دعائك، وفرجا قريبا -إن شاء الله-.

وختاما: إن الحياة قائمة على الابتلاء والكدر، والله سبحانه هو الحكيم العدل، والعبد مبتلى لا محالة؛ فمن الناس من يبتلى في جسده بأمراض عضال، ومنهم من يبتلى بحرمان الذرية، ومنهم من يبتلى بزوج سيئ، ومنهم من يبتلى بما أنت فيه من التهميش في العمل، والخذلان ممن حولك، والمضايقة النفسية رغم الإخلاص والتفاني، وإذا تذكر الإنسان هذه الحقيقة، علم أن الله قد أنعم عليه في مواطن كثيرة، وأن هذا البلاء ما هو إلا اختبار مؤقت، يكفر الذنوب، ويرفع الدرجات، ويجعل صاحبه في موضع من قرب الله، لا يبلغه أهل الراحة.

أسأل الله أن يجبر كسرك، ويداوي جرحك، وينصرك على من ظلمك، وأن يكتب لك الفرج القريب، والسكينة التامة، والتمكين في الأرض والقلوب، وأن يوفقك في بيتك وعملك ودينك، ويقر عينك برؤية ثمار جهدك ولو بعد حين.

والله الموفق.

مواد ذات صلة

الاستشارات