كيف أسيطر على نفسي عند الغضب لأتعامل مع الناس بهدوء؟

0 2

السؤال

كيف أغير طريقتي في الكلام عندما أكون غاضبا؟ علما بأنني أكون وقتها مشحونا بسبب تراكمات كثيرة، وغالبا من شخص أو أشخاص معينين، لا أستطيع التحدث معهم بسهولة؛ لأنهم يحملون الأمور أكثر مما تحتمل، ويقلبون الحقائق، هؤلاء الأشخاص من النوع الذي يفتعل المشاكل، ليجذب انتباهك، دون أن يسعى إلى الحل.

لذلك، أبحث عن طريقة أتكلم بها عندما أكون في حالة غضب، بحيث لا أظهر انفعالي؛ لأن الناس تحكم عليك من أسلوبك وطريقة حديثك.

أرجو عدم إحالة سؤالي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ the walker حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أشكرك على ثقتك في مشاركتنا مشاعرك وهمومك، ومن الواضح أن ما تمر به ليس بالأمر السهل، وأنك تحمل في قلبك الكثير من التراكمات والإحباطات، التي تجعل من الصعب أحيانا التحكم في طريقة التعبير عن مشاعرك، خاصة عندما تكون في حالة من الغضب، أريد أن أؤكد لك أولا أن مشاعرك طبيعية، وأنك لست وحدك في مواجهة مثل هذه الصعوبات، وفيما يلي سأحاول أن أقدم لك بعض النصائح، عسى أن ينفعك الله بها، ويجعل لك فيها الخير.

أولا: تفهم مشاعرك وأسباب الغضب الذي هو شعور إنساني طبيعي، وهو وسيلة تعبر بها النفس عن إحساسها بالظلم أو الإحباط أو التوتر، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب". (رواه البخاري ومسلم). هذه الكلمات النبوية تظهر لنا أن التحكم في الغضب هو قوة عظيمة، وأن الشخص القادر على كبح جماح مشاعره هو إنسان قوي عند الله، وما قد تمر به من تراكمات وضغط نفسي، بسبب تعامل أشخاص معينين معك بأسلوب غير عادل، أو استفزازي، هو أمر يسبب مشاعر طبيعية من الحزن والغضب، لكن من المهم أن تدرك أن الغضب إذا لم يتم التحكم فيه، قد يؤدي إلى نتائج سلبية على علاقاتك وعلى نفسيتك.

ثانيا: خطوات عملية لتغيير طريقتك في الكلام عند الغضب:
1. عندما تكون في حالة غضب، حاول أن تتوقف لبضع لحظات قبل أن تتحدث، خذ نفسا عميقا، وكرر في داخلك كلمات مثل: "أستغفر الله" أو "اللهم اهدني واهدهم"، هذه اللحظات ستساعدك على تهدئة نفسك، وإعادة التفكير في رد فعلك، وفي الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: "إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب، وإلا فليضطجع"، (رواه أبو داود)، هذا التوجيه النبوي يعلمنا أن تغيير الوضعية الجسدية يساعد على تهدئة الغضب.

2. إذا كنت تشعر أن كلماتك قد تفسر بشكل خاطئ، أو أن الطرف الآخر قد ينظر إليها بسوء نية، حاول أن تستخدم كلمات حيادية وهادئة، مثال على ذلك: بدلا من قول "أنتم تظلمونني دائما"، يمكنك أن تقول: "أشعر أن هناك سوء فهم بيننا، وأود أن نتحدث لنوضح الأمور".

3. إذا كنت تجد صعوبة في التعبير عن مشاعرك وجها لوجه، ربما يمكنك كتابة رسالة أو ملاحظة، تشرح فيها مشاعرك بهدوء، الكتابة تمنحك الوقت للتفكير في كلماتك واختيارها بحكمة.

4. هناك بعض الأشخاص الذين يتعمدون إثارة المشاكل، أو جذب الانتباه بطريقة سلبية، في مثل هذه الحالات، قد يكون التجاهل هو الحل الأمثل، يقول الله تعالى: "وعباد الرحمٰن ٱلذين يمشون على ٱلأرض هونا وإذا خاطبهم ٱلجٰهلون قالوا۟ سلٰما" (الفرقان: 63)، هذه الآية تعلمنا أن الرد على الجاهلين بالسلم والهدوء هو من صفات المؤمنين.

ثالثا: استراتيجيات نفسية للتعامل مع التراكمات:
1. ابحث عن صديق مقرب، أو شخص تثق به للتحدث معه عن مشاعرك، أحيانا مجرد التعبير عن مشاعرك لشخص مستمع يمنحك شعورا بالراحة.
2. خصص وقتا يوميا لكتابة مشاعرك وأفكارك في دفتر خاص، هذا التمرين يساعدك على تفريغ التوتر والتعرف إلى أنماط تفكيرك.
3. ممارسة الرياضة بانتظام، تساعد على تخفيف الضغط النفسي وتحسين المزاج.
4. خصص وقتا يوميا للتفكر الإيماني، أو ممارسة تمارين التنفس العميق.

رابعا: الإسلام يعلمنا أن الصبر والتوكل على الله هما مفتاح الراحة النفسية، يقول الله تعالى: "واصبر وما صبرك إلا بالله" (النحل: 127)، عندما تشعر أن الأمور خارجة عن سيطرتك، ذكر نفسك بأن الله هو المدبر الحكيم، وأن كل ما يحدث لك هو خير بإذنه، كما أن تكرار الأذكار والاستغفار يبعث السكينة في النفس، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ألا أخبركم بشيء إذا نزل برجل منكم كرب أو بلاء من أمر الدنيا دعا به ففرج عنه؟ دعاء ذي النون: "لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين"، (رواه أحمد).

خامسا: إذا شعرت أن التراكمات النفسية والغضب يؤثران بشكل كبير على حياتك اليومية، أو علاقاتك، فلا تتردد في استشارة مختص نفسي أو مرشد أسري، قال الله تعالى: "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون" (النحل: 43)، طلب المساعدة ليس ضعفا، بل هو خطوة نحو القوة والتحسن.

ختاما: تذكر دائما أنك تسعى لتحسين نفسك وعلاقاتك، وهذا بحد ذاته دليل على نبل أخلاقك وحرصك على الخير، لا تيأس من رحمة الله، وكن على يقين بأن الله مع الصابرين، وأن كل جهد تبذله لضبط نفسك هو عبادة وتقرب إلى الله.

أسأل الله أن يوفقك لكل خير، وأن يرزقك السكينة والحكمة في التعامل مع من حولك، وأن يبدل همومك فرحا وسعادة.

والله الموفق.

مواد ذات صلة

الاستشارات