السؤال
دائما أحاول بر والدي مهما كان، لكنه يقابل ذلك بالاستغلال والعنف، وأرجو من الله أن يغفر له، فلا أريد أن يحاسبه إلا بالخير، لكنني دائما أشعر أنني أتجنى على نفسي، فنفسي لها حق، لا أجد من حولي شخصا تقيا أو كبيرا أستشيره وأشكو إليه؛ ليعينني على تعديل طريقتي أو طريقة والدي، ولا أخفي عليكم أنني ما زلت أعيش معه، ولا أملك القدرة على السكن في مكان آخر، لذلك لا أستطيع الابتعاد عن المشاكل، فذلك حل غير وارد.
الأمر جلل ومتعدد الجوانب، فهل من حل؟ أو هل بإمكانكم إرشادي إلى شخص أو شيخ صاحب علم، يمكنني مراسلته؟ فأنا دائما وحدي مع مشاكلي، ولا أعلم ماذا بعد الإحسان، ولا أريد أن أتبع خطوات الشيطان، فالابتلاء عظيم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ the walker حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ولدنا الحبيب- في استشارات إسلام ويب مجددا، ونشكر لك تواصلك مع الموقع وثقتك فينا، ونحن على دوام -إن شاء الله تعالى- لبذل ما نقدر عليه من مساعدتك بالرأي والمشورة، فلا تتردد في التواصل مع الموقع في كل ما نزل بك وتحتاج فيه إلى استشارة.
وأما ما ذكرته -أيها الحبيب- بشأن تعاملك مع والدك، وأنك تعامله بالإحسان والبر، وتجد منه العنف والفظاظة والقوة، فنقول -أيها الحبيب-: اعلم أن حق الوالد عظيم جدا، وفضله عليك كبير، فلا أحد من بني الإنسان أعظم فضلا عليك من والدك، ولهذا قرن الله سبحانه وتعالى شكره بشكر الوالدين، فقال: {أن اشكر لي ولوالديك}، وقرن حق الوالدين بحقه هو سبحانه، فقال: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا} وذلك لأن الوالد كان سببا في وجود هذا الولد في الحياة، ونعمة الوجود هذه تتفرع عنها جميع النعم الأخرى التي يعيشها الإنسان في دنياه أو في أخراه، فحق الوالد عظيم، ولا يمكن للإنسان أبدا أن يجزيه ويرد إليه حقه وجميله، ولهذا قال النبي ﷺ: (لا يجزي ولد والدا إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه).
وكما أن هذه الصورة مستحيلة الوقوع، يعني لا يمكن للإنسان أن يشتري والده فيعتقه؛ فكذلك رد الجميل للوالد أمر غير ممكن أيضا، وقد ضرب النبي ﷺ هذا المثال فرضا، فلو قدر أن يجد الإنسان والده مملوكا فيشتريه ثم يعتقه، لكان بذلك قد بلغ غاية البر بوالده، لما في ذلك من عظيم الفضل والجميل.
وقد أمر الله تعالى بالإحسان إلى الوالدين حتى في أسوأ الأحوال المتوقعة من الإيذاء للولد، فقال سبحانه: {وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما} ثم قال سبحانه: {وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي}[لقمان: 15].
ففي هذه الحالة التي بلغت إساءة الوالد أعظم مبلغ، وهي أنه يجاهد ولده بكل أسباب المجاهدة، ويحاول معه بكل أنواع المحاولات ليوقعه في الكفر، ومعنى هذا أنه يدعوه ليكون من أصحاب النار المخلدين فيها، وليست هناك إساءة أعظم من هذا، ومع كل هذا أمر الله تعالى الولد بالإحسان إلى الوالد، فقال: {فلا تطعهما} يعني في الكفر، {وصاحبهما في الدنيا معروفا}، أي مع كل هذه الإساءة يجب عليك أن تحسن إليهما، وتصاحبهما بالمعروف، وتفعل ما تقدر عليه من الإحسان إليهما.
هذا كله نقوله -أيها الحبيب- حتى تعلم مقدار حق والدك عليك، لأنك إذا علمت هذا صار من الأمر البسيط والسهل عليك أن تحسن إلى والدك، وإن وجدت منه إساءة، أو قابل إحسانك بنوع من الفظاظة والغلظة، فإن معرفتك لأهمية العمل الذي تبذله، وعظيم الأجر الذي ستناله ببرك لوالدك؛ يهون عليك هذه الطاعة ويسهلها لك، ويجعلك راضيا صابرا.
فاحذر كل الحذر من أن يستغلك الشيطان، فيدفعك أو يدعوك لعقوق والدك والإساءة إليه بأي نوع من أنواع الإساءة، سواء بالكلام أو بالفعل، أو التقصير في حقه، واصبر واحتسب أجرك عند الله، فإن عاقبة الصبر دائما طيبة، كما قال الشاعر:
الصبر مثل اسمه مر مذاقه ** لكن عواقبه أحلى من العسل
وننصحك -أيها الحبيب- بأن تتعرف على الشباب الطيبين والرجال الصالحين في الحي الذي أنت فيه، إن أمكن ذلك، من خلال المساجد، ومن خلال أماكن الاجتماع التي تجتمع بها، كأماكن الدراسة إن كنت تدرس، أو أماكن العمل التي تلتقي فيها بالناس، حاول أن تتعرف على الطيبين، وأن تكثر من مجالستهم؛ فإنهم خير معين لك على الثبات والاستمرار في طريق الطاعة والاستقامة.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يسهل لك الخير كله، وأن يدلك عليه ويعينك عليه، ونجدد دعوتنا لك إلى إرسال أسئلتك واستشاراتك إلى الموقع، لنقدم لك ما نستطيعه من خدمة ومشورة.
نسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير، ويثبتك على الحق، ويعينك على بر والديك.