السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أود أولا أن أتقدم بالشكر على مجهوداتكم التي تقدمونها، والتي تفيدنا بإذن الله.
مشكلتي أنني كثيرة المعاصي، وكلما أكثرت منها شعرت بأن حياتي أصبحت بائسة، وأكره الحياة، فأعود إلى التوبة، وتعود السعادة من جديد، ثم أضعف وأرجع إلى المعصية.
في الفترة الأخيرة، طلبت من الله أمرا مستحيلا تحقيقه، وكنت أقدم له من الطاعات وأدعوه أن يستجيب لي، وقلت: "يا رب، بعد تحقيق هذه الأمنية، لن أعود لهذا الذنب أبدا" وكنت فعلا مصرة على ذلك، استجاب لي ربي -رغم أني لا أستحق- ثم عدت للذنب، فاستغفرت ربي في رمضان الماضي، وقررت ألا أعود، لكنني عدت مرة أخرى، أنا حقا أشعر أنني منافقة، وكرهت نفسي بشدة، والشيطان يوسوس لي بأفكار لا ترضي الله، حتى إن حياتي أصبحت مظلمة في عيني.
أعلم أن الحل هو العودة إلى الله، لكنني لا أستطيع أن أطلب مغفرته للمرة المليون، أخجل من نفسي، خصوصا أنني كنت البارحة أستمتع بالذنب، لا أعلم ماذا أفعل، هل ربي غاضب مني؟ هل لا يزال يحبني؟
أنا حائرة، ولا أعرف الطريق.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أسماء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابنتنا الكريمة- في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله تعالى أن يوفقك ويتوب عليك، ويسهل لك الثبات على التوبة، ونهنئك -ابنتنا الكريمة- بما تفضل الله به عليك من أنه حبب إليك التوبة ورغبك فيها، وهذا فضل عظيم من الله الجليل -سبحانه وتعالى- وينبغي أن تشكري نعمة الله عليك، ومن شكر النعمة الثبات على التوبة بعد إحداثها، ومجاهدة النفس لعدم الرجوع إلى الذنب.
قد أصبت كبد الحقيقة حين أدركت أن الحل إنما هو في العودة إلى الله تعالى، فهذه الحقيقة لا يمكن الانفكاك عنها؛ فلا ملجأ من الله إلا إليه، ولا مفر ولا هروب من الله -سبحانه وتعالى- إلا إليه، ولا يمكن للإنسان أبدا أن يستغني عن ربه، أو أن يجد ملجأ آخر يلجأ إليه، وهذا الإدراك منك لهذه الحقيقة يجب أن يكون محفزا لك على تجديد التوبة، والرجوع إليها، ودافعا لرد المشاعر الشيطانية التي يحاول الشيطان أن يكرسها في قلبك ويغرسها فيه، من أنك إذا تبت ثم عدت إلى الذنب فإن هذا نفاق أو أنك منافقة، أو أنك غير صادقة، أو ما إلى ذلك من المشاعر التي يريد بها الشيطان أن يبعدك عن ربك، وعن الطريق المؤدية إلى رضوانه، فادفعي عن نفسك هذه الوساوس، وهذه المشاعر، وحاربي هذه الأوهام.
واعلمي أن الله -سبحانه وتعالى- رحيم بعباده، يدعوهم إلى التوبة كلما أذنبوا، فقد قال سبحانه: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم} [الزمر:53]، ومهما كثرت الذنوب، فرحمة الله أوسع، فقد وسع سبحانه كل شيء رحمة، كما أخبر سبحانه عن نفسه في كتابه الكريم، فقال: {ورحمتي وسعت كل شيء} [الأعراف:156].
وقد أخبرنا النبي ﷺ فيما يحكيه عن ربه عز وجل، قال: "قال: أذنب عبد ذنبا فقال: اللهم اغفر لي ذنبي فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب فقال: أي رب اغفر لي ذنبي فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب فقال: أي رب اغفر لي ذنبي فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا، فعلم أن له ربا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب اعمل ما شئت فقد غفرت لك. قال عبد الأعلى: لا أدري أقال في الثالثة أو الرابعة اعمل ما شئت . [رواه الإمام مسلم في صحيحه] فهذا الحديث يبين لنا فيه النبي ﷺ أن الواجب على الإنسان أن يتوب كلما أحدث ذنبا، ومن شروط هذه التوبة: أن يكون الإنسان عازما وقت التوبة على ألا يرجع إلى الذنب في المستقبل، فإذا تحقق هذا العزم، فهي توبة صحيحة يقبلها الله، ويمحو الله بها الذنب السابق.
وهذا لا يعني أن الإنسان سيصبح معصوما من الذنب في مستقبل الزمن، فقد يقع في الذنب مرة ثانية، فإذا وقع في الذنب مرة ثانية وجب عليه أن يتوب توبة ثانية، ولكن بشرط أن يكون وقت التوبة عازما على ألا يرجع إلى الذنب في المستقبل، وإذا زلت قدمه وضعفت نفسه ووسوس وأغواه الشيطان، ووقع في الذنب مرة أخرى؛ فكذلك يجب عليه أن يجدد التوبة، وهكذا، وهذا ليس نفاقا، ولكنها طبيعة الإنسان، فقد قال الرسول ﷺ: "كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون" [رواه الترمذي وحسنه الألباني]، وقال ﷺ: "لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم" [رواه مسلم].
فلا تستمعي أبدا لوساوس الشيطان، التي يريد من خلالها أن يصرفك، ويصدك عن الله، وعن الطريق المؤدية إلى رضاه وجنته، جاهدي نفسك للثبات على التوبة بعد إحداثها، وذلك من خلال:
- التعرف على الصالحات من النساء والبنات الطيبات، والإكثار من مجالستهن.
- الحرص على سماع المواعظ والدروس النافعة، والإكثار من ذلك.
- شغل النفس بالنافع والمفيد من أمور الدين، والدنيا.
كل ذلك من شأنه أن يثبتك على التوبة، والاستقامة على طاعة الله.
نسأل الله تعالى أن يثبتك، ويوفقك لكل خير، ويرزقك العفاف والاستقامة والتوفيق لما يحب ويرضى.