السؤال
السلام عليكم.
أريد أن أسأل بخصوص القدر.
أنا فتاة ثلاثينية، غير متزوجة، وأخاف من الزواج والعمل، فهل إذا لم أتزوج بسبب خوفي، ولأني غير جاهزة، فهل هذا يعني بأنه قدري؟ وهل يعني بأنني سأتزوج الشخص المكتوب لي، حتى لو لم أكن أريده، وأن القدر مربوط بالسعي، وأنني بدون السعي لن آخذ قدري ورزقي؟
أنا دائما ما أغضب من نفسي بأني قصرت في السعي، وأقول: لو كنت سعيت، لكنت مثل هؤلاء الأشخاص!
وشكرا جزيلا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ دانا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا بك في إسلام ويب، ونسأل الله أن يشرح صدرك، ويهدئ قلبك، ويجعلك ممن اطمأنوا بذكره، ورضوا بحكمه، وسعوا لمرضاته.
ما سألت عنه -أختنا الفاضلة- سؤال كبير في مضمونه، شريف في غايته، ينبع من قلب حي متأمل، يتساءل عن القدر والسعي، والخوف والتقصير، والحيرة بين ما هو مكتوب، وما هو مطلوب، فأبشري، فما دام القلب يسأل، فإنه بخير، وما دام الهم متعلقا بالله، فلن يضيع.
أولا: هل كل شيء مكتوب؟ نعم، كل ما يجري لك من خير أو شر، سعادة أو تأخير، فهو مكتوب عند الله قبل أن تخلقي، قال الله تعالى: ﴿ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها﴾، وقال رسول الله ﷺ: "كتبت مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة" رواه مسلم، فكل شيء مقدر، مكتوب، لكن هذا لا يعني أن نترك العمل أو نعطل السعي.
ثانيا: هل نخاف من القدر؟
القدر ليس خصما لنا، بل هو عدل الله وحكمته، والمشكلة ليست في القدر، بل في سوء فهمنا له؛ فالذي كتب لك كل شيء، هو أرحم الراحمين، وهو أرحم بك من نفسك، يعلم متى يعطي، ومتى يمنع، ومتى تتأخرين في أمر ما لتكوني أنضج وأقوى وأكرم.
ثالثا: هل السعي يغير قدري؟
السعي جزء من قدرك، والله كتب في اللوح: إن سعت فلانة، رزقتها، وإن تقاعست فلانة، فوتت على نفسها هذا الخير؛ فالقدر ليس عذرا للكسل، بل هو دافع للاجتهاد، قال النبي ﷺ: "احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز"؛ فالسعي من القدر، والإرادة من القدر، والنجاح بعد السعي من القدر، حتى دعاؤك، ودمعتك، وتساؤلك الآن، كلها من القدر.
رابعا: هل تأخري عن الزواج هو قدري؟
نعم، إن تأخر الزواج عنك هو بقدر الله، لكن ليس في ذلك مهانة لك، بل لعل الله يدخر لك خيرا عظيما، أو يبتليك ليرفعك، واعلمي أن الخير قد يتأخر؛ لأن وقته لم يأت بعد، أو لأننا لم نستعد له بعد، أو لأن فيه شرا دفع عنا، وتذكري قول الله: ﴿وعسىٰ أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم﴾، فإن جاءك خاطب، وخفت من الزواج، فلا تجزعي، بل استشيري أهلك، واستخيري الله، واسأليه أن يريك الحق حقا، ويرزقك راحة القلب.
خامسا: وماذا إن لم أسع؟ هل أكون السبب في تفويت قدري؟
نعم، إن ترك السعي تقصير منك؛ يفوت عليك الخير الذي جعل مرهونا بالسعي، وقد قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لما نزل الطاعون في الشام، وهم أن يرجع: فقال له أبو عبيدة: "أتفر من قدر الله؟"، قال: "نعم، نفر من قدر الله إلى قدر الله!"، أي: نبتعد عن الضرر بسعينا، وكل من الأمرين قدر.
سادسا: نصيحتنا لك عمليا:
- جددي ثقتك في الله كل يوم؛ فهو أرحم بك من دمعتك، وأعلم بمواضع الخير في عمرك.
- ابدئي بخطوة صغيرة نحو التغيير: سواء بالسعي في عمل، أو فتح باب الزواج، ولو بالدعاء والاستشارة، قال ﷺ: "من تحرى الخير أعين عليه".
- لا تندمي على ما فات، بل تعلمي منه؛ فالندم وحده لا يغير، ولكن التعلم يصنع الفرق.
- اذكري الله كلما أحاطك القلق؛ فقلب المؤمن إذا اهتز، رده الذكر، قال تعالى: ﴿ألا بذكر الله تطمئن القلوب﴾.
وختاما: أسأل الله أن يرزقك طمأنينة لا تطفئها الأسئلة، وثقة لا تهزها المقارنات، وسعادة تأتيك في الوقت الذي يرضيه ويرضيك، وأن يكتب لك رزقا طيبا من حيث لا تحتسبين، ويجعل لك في كل تأخير سترا، وفي كل انتظار أجرا، والله أعلم، وهو أرحم الراحمين.
والله ولي التوفيق.