كيف أصل لحالة الرضا بعد الطلاق؟

0 1

السؤال

كيف يقول الله تعالى: "وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته"، وأنا قد طلقت زوجتي تحت ضغوط منها ومن أقاربها، ولا أشعر بالراحة تجاه هذا الطلاق؟ فمع أنني انفصلت رغما عني، إلا أن حياتها تحسنت ماديا، ولا أدري لعلها تفكر الآن في ضحية جديدة لعقدها.

أما أنا، فقد ازدادت حالتي سوءا من الناحية المادية والمعنوية، أرغب في الزواج من جديد، ولكن لا أوفق، رغم أنني وجدت وظيفة ووعدت بحياة مناسبة، وجهزت قائمة معقولة للزواج، وفجأة، فقدت تلك الوظيفة وعدت إلى البطالة.

لا أفهم، هل الله ينتقم مني وأنا المظلوم؟ هل يريدني أن أكفر أم أشكر؟ أرجو منكم الاهتمام برسالتي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Muhammad حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -أخي الحبيب- في استشارات إسلام ويب، نسأل الله تعالى أن يقدر لك الخير حيث كان ويرضيك به، وأن ييسر لك الزوجة الصالحة، ويخلف عليك ما أصابك.

ونصيحتنا لك أولا -أيها الحبيب- أن تداوم على الاستغفار، فإن الله -سبحانه وتعالى- بحكمته جعل استغفار الإنسان لذنوبه سببا لأرزاقه، فإنه لا يحول بيننا وبين أرزاقنا شيء كما تحول الذنوب، وقد قال الرسول الكريم ﷺ: "إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه" (رواه ابن ماجه وصححه الألباني) وكلما أكثر الإنسان من استغفار الله تعالى واشتغل بذكره؛ فإن الله يغرس في قلبه رضا نفسيا وراحة قلبية، بحيث يصبح الإنسان في حالة نفسية تتقبل كل ما يقدره الله تعالى لها برضا وطمأنينة ونعيم، وحينها لن يشعر الإنسان بضيق أو ضجر لما نزل به من المصائب والآلام.

فهذه نصيحتنا الأولى: أن تدرك تمام الإدراك أن الله -سبحانه وتعالى- حكيم خبير، وأنه لطيف بعباده، يختار لهم ما هو أصلح لهم وأيسر، ويوصل إليهم الخير بطرق خفية لا يدركونها، وكم من واقعة وحادثة أثبتت لكل واحد منا أنه يحرص على شيء ويتمناه، ويكون الخير في غيره، ولذا قال الله تعالى: ﴿وعسىٰ أن تكۡرهوا شيۡـٔٗا وهو خيۡرٞ لكمۡ وعسىٰ أن تحبوا شيۡـٔٗا وهو شرٞ لكمۡ وٱلله يعۡلم وأنتمۡ لا تعۡلمون﴾ [البقرة: 216]. فأحسن ظنك بالله، وخذ بالأسباب المشروعة لكل شيء تتمناه، ثم فوض الأمور إلى الله تعالى يختار لك ما هو خير، فهو أعلم بمصالحك منك، وأرحم بك من نفسك.

وأما ما ذكرته من تفسير الآية الكريمة، وأنك فهمت منها خلاف ما هو واقع في حالك، فإن الآية جاءت في صدد الكلام عن الفرقة بين الزوجين بعد محاولة الإصلاح، فقال الله تعالى: ﴿وإن يتفرقا يغۡن ٱلله كلٗا من سعتهۦ وكان ٱلله وٰسعا حكيما﴾ [النساء: 130].

وأول معاني هذا الإغناء -كما يبينه المفسرون- أن المقصود به أن يغني الله تعالى كل واحد من الزوجين عن الآخر، بمعنى أنه يسليه عنه، ولا يشعر بعد الفراق بالندم والبؤس بسبب مفارقته له، بل يحدث الله تعالى في قلبه سلوة وراحة، وعدم شعور بالندم لحصول هذا الطلاق، فهذا أول معاني الآية، وهو حاصل في حقك أنت، فأنت لست نادما على هذه المرأة، وهي كذلك ليست نادمة، فهذا مظهر من مظاهر تحقق هذه الآية، أن الله تعالى أغناك عنها وأغناها عنك.

وأما ما فهمته أنت من أن الله -سبحانه وتعالى- سيغنيك من فضله بعد هذا الطلاق، بحيث تتيسر أمورك المعيشية وتتزوج بأخرى، فهذا ممكن بإذن الله، والله لا يتعاظمه شيء، فأحسن ظنك بالله تعالى، وسيكون -إن شاء الله- كما تأمل، ولكنه ليس هو المعنى الوحيد المفهوم من الآية حتى تظن بأن الآية لم تنطبق على حالك.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى: وعود الله تعالى تكون مقرونة بشروط، ومن هذه الشروط صلاحية الإنسان لتحقيق وعد الله تعالى فيه.

وكما ذكرنا، من أعظم أسباب الأرزاق وحسن الحال أن يكون الإنسان على حالة حسنة مع الله تعالى، شاعرا بفقره إلى الله، شاعرا بذنوبه وتفريطه، معترفا بأنه هو الذي ظلم نفسه، فإذا كان الحال كذلك فإن الله تعالى سيغرس في قلبه حالة من الغنى والراحة، وقد قال الرسول ﷺ: "ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس" (رواه البخاري ومسلم).

فالغنى أنواع ومراتب، فلا يتبادر إلى ذهنك أن تحقيق الغنى يعني الأمور المادية فقط، بل هناك غنى نفسي وقلبي، يشعر فيه الإنسان براحة وسكينة وطمأنينة، وهذا جزء من وعد الله تعالى.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا وإياك لكل خير، وأن يخلف عليك ما ذهب منك، ويرزقك خيرا منه.

مواد ذات صلة

الاستشارات