السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
قلت في خطبة الجمعة إنني من قرية "ظالم أهلها"، لأنهم لا يصلون إلا في شهر رمضان، إلا من رحم ربي.
وفي الأيام العادية، كنت أذهب إليهم فردا فردا، وأدعوهم إلى الصلاة، ولكن لم يستجب أحد منهم، رغم أنني نصحتهم مرارا وتكرارا، وبكل ما أوتيت من جهد.
وبعد أن انتهيت من الخطبة، اعتدوا علي بالضرب، ومع ذلك، والله، إني خائف عليهم من عذاب يوم عظيم، وكل ما دفعني لذلك هو النصح والشفقة.
فماذا أفعل الآن؟ وهل أنا آثم بما قلت؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ نور الدين حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أخي الحبيب- في استشارات إسلام ويب، وشكر الله تعالى لك سعيك وجهدك الذي تبذله في الدعوة إلى الله تعالى، وتذكير الناس بفرائض الله عليهم، ولا سيما الأقربون، ونسأل الله تعالى أن يثبت أجرك وينفع بك.
واعلم -أخي الحبيب- أن الدعوة إلى الله تعالى من أجل الأعمال وأحبها إلى الله، كما قال الله عز وجل في كتابه الكريم: {ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين}.
فاستمر على ما أنت عليه من دعوة الناس، وتذكيرهم بفرائض الدين عليهم، وتحذيرهم من الشرور والآثام، واحتسب أجرك عند الله تعالى، وكن رفيقا بالناس قدر استطاعتك؛ فإن الرفق سبب لكل الخيرات، كما قال صلى الله عليه وسلم: "ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه"، وقال أيضا: "من يحرم الرفق يحرم الخير".
فحاول أن تتلمس الأساليب المؤثرة، وتتخير الألفاظ المقبولة في دعوتك للناس، واحذر العجلة، وأن يستفزك الشيطان فتتكلم بكلمات تؤدي إلى نفور الناس منك، فاصبر على الدعوة إلى الله تعالى، واعلم أن القلوب بيد الرحمن يقلبها كيف يشاء، فلا تيأس من صلاح أحد ممن تدعوه إلى الله؛ فربما يتغير حاله بين غمضة عين وانتباهتها.
أد عملك، وقم بدورك، وفوض الأمور إلى الله تعالى، وهو تعالى يقدر لك ولهم ما يشاء من الخير.
أما ما ذكرته من أنك وصفت القرية التي أنت فيها بأنها "قرية ظالم أهلها"، فليس في هذا الوصف إثم في ذاته؛ لأن المعاصي كلها ظلم، والظلم أنواع، ومن أنواعه ظلم النفس بأن يرتكب الإنسان ما حرم الله تعالى عليه، أو يضيع ما فرضه الله عليه، فهذا ظلم للنفس، ومن ثم، ليس عليك ذنب ولا إثم في هذه الكلمة من حيث أصل معناها، ولكن المجاهرة بها في وجوه الناس ربما تنفرهم من كلامك، وتسد الباب الذي يرجى أن يتأثروا بالدعوة من خلاله.
فاحرص على أن تتبع ما هو أحسن وأعظم أثرا، امتثالا للتوجيه القرآني، فإن الله تعالى قال: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن}، فمن الناس من تنفعه المجادلة، ومنهم من يحتاج إلى الكلمة الطيبة اللينة، وهكذا.
واحذر أن يجرك الشيطان إلى ان تتسخط على أحوال الناس واليأس من صلاحهم، فتصفهم بالهلاك ونحو ذلك يأسا وقنوطا من رحمة الله؛ فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه مسلم وغيره: "إذا قال الرجل: هلك الناس، فهو أهلكهم".
قال الإمام النووي رحمه الله: معناه أشدهم هلاكا، ثم بين -رحمه الله- اتفاق العلماء على أن الذم إنما هو فيمن قال هذه الكلمة على سبيل الاحتقار للناس، وازدرائهم، وتفضيل نفسه عليهم، فمن قالها بهذا المعنى فهو جهل منه؛ لأنه لا يعلم سر الله تعالى في خلقه، فقد يغير الله أحوال بعض الناس من حال إلى حال، ولا ينبغي للإنسان أن يستعجل في الحكم على الناس بالهلاك، ولا أن يتكلم بكلمات تنطوي على ازدراء الآخرين، ومدحا وثناء على النفس.
أما من قال هذه الكلمة تحزنا لما يرى في نفسه وفي الناس من التقصير في أمر الدين، فلا بأس عليه، كما قال الإمام النووي في آخر شرحه للحديث، فإذا قالها الإنسان حزنا على حاله وحال أهله وقرابته، فليس ذلك إثما، ولا فيه تقنيط من رحمة الله تعالى، ولا تكبرا واستحقارا للآخرين، ومن ثم لا إثم فيه.
نرجو أن يكون الأمر قد اتضح لك بأفضل وجه، ونسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير، ويزيدك حرصا على الدعوة إلى الله، ونفع بك، وأجرى الخير على يديك.