السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أعاني من التفكير المفرط في عدة جوانب من حياتي، والحمد لله لا أزكي نفسي، ولكني أسعى لأن أكون مستقيمة، وأحاول اتباع سنة نبينا ﷺ إرضاء لربنا، لذلك أتعلم ديني، وأصحح المفاهيم الخاطئة عندي بالعلم من المشايخ الثقات.
ومع ذلك تراودني أفكار متكررة إلى حد الإرهاق، مثلا عندما أمشي في الطريق أقول في نفسي: إن الله سيحل هذه المشكلة لي، وأبدأ في تخيل كيفية حلها، وأبني سيناريوهات دقيقة في عقلي، وذلك لامتلاكي خيالا واسعا، يمكنني تركيب تفاصيل الأحداث بدقة، وهذا يسبب لي قلقا مستمرا بشأن ما قد يحدث، ويؤثر سلبا على صحتي العقلية والجسدية.
ومهما أقنعت نفسي بأن لا يعلم الغيب إلا الله، وأنه وحده يقدر الأمور، وأن ما أتخيله غالبا لا يحدث، فإنني لا أستطيع التخلص من تكرار هذه الأفكار في ذهني.
أيضا: عندما ييسر الله لي القيام بأمر ما، أزداد ملاحظة للأحداث وأربطها بتوفيق من الله، فأقول مثلا: جاءت الحافلة في هذا الوقت لأصل في الموعد المحدد، وربما لأن الدرس سيتأخر، أو قد يكون خيرا في أمر آخر لم أتوقعه.
وأنا أعلم أن الله علام الغيوب، وأن حكمته فوق إدراكنا، وأن حسن الظن أمر جميل مطلوب، لكن ما يؤرقني هو استمرار هذه الأفكار المتكررة دون توقف، فشخصيتي حساسة وعاطفية.
جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مريم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نرحب بك في إسلام ويب.
هذه التجارب الفكرية التي تمرين بها هي نوع من الوساوس، نعم، هذا نوع من الوسواس الفكري القلقي، وكل الروابط بين أفكارك يحركها الوسواس، فلا تنزعجي، وأهم شيء هو:
أولا: أن تحقري هذه الأفكار، وألا تسترسلي معها، وحين تبدأ الفكرة عندك، خاطبيها قائلة: (قفي، قفي، قفي، أنا لن أتبعك، أنت فكرة غير صحيحة، أنت فكرة حقيرة...)، وهكذا.
ويمكنك أن تدربي نفسك على هذه التمارين داخل الغرفة مثلا؛ حين تأتيك هذه الأفكار أو تستجلبين هذه الأفكار بهدف التدريب، ثم بعد ذلك تقومين بدفعها واحتقارها دون تحليل أو استرسال معها، هذا التمرين يسمى (التجاهل والتحقير).
ثانيا: هناك تمرين آخر يسمى (صرف الانتباه)، وهو تدريب مهم جدا، ويقوم على أن تستجلبي فكرة مخالفة تماما لهذه الأفكار، فكرة جميلة تكون بديلا عن الفكرة الوسواسية، وتحللي الفكرة الجديدة وتسترسلي فيها، و-بإذن الله تعالى- ستضعف الفكرة الوسواسية مع الوقت.
ثالثا: هناك تمرين ثالث يسمى بـ (التنفير) أو يسمى (الربط النفسي السلبي بالفكرة الوسواسية)، وهو: أن تربطي هذه الفكرة الوسواسية بشيء تبغضه النفس ولا تحبه، مثلا: تقومين بالضرب على يدك بشدة على جسم صلب كسطح الطاولة، وطبعا هذه الضربة الشديدة ستؤدي إلى شعورك بالألم، اربطي هذا الألم مع الفكرة الوسواسية.
إذا ربطت الفكرة الوسواسية بهذا الألم، وكررت هذا التمرين 20 مرة متتالية بمعدل مرتين في اليوم، فسوف يضعف تأثير الفكرة عليك كثيرا.
أو يمكن أيضا تنفيذ نفس الفكرة بشم رائحة كريهة إن وجدت، أو تخيل منظر مؤلم، فتربطين الفكرة الوسواسية بهذا المنظر المنفر، وهذه تمارين ممتازة جدا إذا طبقت بالصورة الصحيحة.
يضاف إلى ذلك التخلص من الفراغ؛ لأن الوسواس يتصيد الناس في أوقات الفراغ، فحاولي أن تديري وقتك بصورة جيدة، و-الحمد لله- أنت طالبة في الطب، ولديك الكثير مما يجب القيام به، فأحسني إدارة وقتك.
رابعا: من المهم جدا ممارسة تمارين الاسترخاء؛ لما لها من أثر فعال في التخفيف من حدة الوسواس، ومن أبرز هذه التمارين: تمارين التنفس العميق المتدرج، وتمارين شد العضلات ثم إرخائها، وتعد هذه الأساليب من الأدوات المفيدة في تعزيز الشعور بالهدوء والسيطرة على التوتر، ويمكنك الاستفادة من البرامج المتوفرة على منصة يوتيوب، وتطبيق هذه التمارين بانتظام، بمعدل مرتين يوميا.
خامسا: العلاج الدوائي:
أنت في حاجة لأحد الأدوية البسيطة جدا المضادة للوساوس، ومن أفضل هذه الأدوية دواء يسمى "فلوكسيتين" (Fluoxetine) هذا هو اسمه التجاري، ويسمى تجاريا "بروزاك" (Prozac)، وقد تجدينه في بلدكم تحت مسمى تجاري آخر.
الجرعة التي تحتاجين لها هي أن تبدئي بكبسولة واحدة -أي 20 ملغ- يوميا لمدة شهر، ثم تجعليها كبسولتين يوميا لمدة شهرين، ثم كبسولة واحدة يوميا لمدة شهرين آخرين، ثم كبسولة يوما بعد يوم لمدة شهر، ثم تتوقفي عن تناول الدواء.
يتميز البروزاك بأنه دواء رائع، قليل الآثار الجانبية، ولا يزيد الوزن أبدا، ولا يؤثر على الهرمونات النسائية، ولا يضر بالتركيز، على العكس يحسن التركيز، وتوجد أدوية أخرى، وطبعا لو قمت باستشارة أحد الأطباء النفسيين في كلية الطب -أو في أي مكان آخر- مؤكد أن الطبيب النفسي سوف يفيدك كثيرا، لكن الحالة بسيطة وواضحة، وكل هذه مجرد أفكار وسواسية، وسوف تختفي -إن شاء الله تعالى-.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.