أفكر في فسخ الخطبة لأحقق ذاتي، فهل تفكيري صحيح؟

0 0

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا بنت، ومنذ أن كنت صغيرة كنت مجتهدة ومتفوقة وناجحة ومتميزة، وكان الجميع يريدني أن أدخل كلية الطب، لكنني لم أدخلها، لأن ميولي ليست في الطب، بل أحب البرمجة والحواسيب وما شابهها، وبما أننا نعيش في منطقة نائية، والتعليم فيها ضعيف، ولا توجد حتى معاهد تقدم دبلومات في هذا المجال، فقد دخلت تخصص اللغة الإنجليزية، على أمل أن تفتح لي فرص أخرى وأفضل من التدريس.

أنا الآن تخرجت منذ أربع سنوات وأعمل، وطوال فترة دراستي كنت في غفلة، بمعنى أنني كنت أسمع الأغاني، وأفكر كثيرا، وأتكلم مع نفسي، يعني فعليا ضيعت وقتي، رغم أنني كنت أملك قدرات جيدة.

الآن أنا مخطوبة لرجل مطلق وله بنت، وهو يعمل في وظيفة ممتازة، لكن بعدما صحوت من غفلتي، وجدت أنني لا أرغب في هذه الخطبة، وأريد أن أحقق ذاتي، وأخرج من بيتي، لأن بيته مثل بيتي، نفس المنطقة ونفس الفرص، والعمر يمر، وصرت أصرخ لساعات طويلة، وكنت دائما أقول: إن هذه الأمور مستحيلة، ولا تعلق بقلبي، لكن الآن قلبي معلق فعلا، تعبت، وصحوت، ودعوت ربي، وقلبي معلق بفكرة فسخ الخطبة، والخروج من بيتي.

أنا خائفة أن أظلمه، لأن في قلبي مثل الكره لنفسي، وأخشى أن أجرحه أو أظلم نفسي، تعبت جدا، كل يوم أبكي وأدعو ربي أن يفرج همي، أستغفر كثيرا، وأصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- وأقوم الليل، -والحمد لله- ولكني خائفة أن يكون كل هذا سخطا مني على قدر الله، لأن هذا هو ما فهمته حتى الآن.

فهل من نصيحة أو توجيه، يساعدني على اتخاذ القرار الصحيح، وكيف أستطيع أن أوازن بين رغبتي في تحقيق ذاتي، وخوفي من الظلم وعدم التسبب في الأذى لأي طرف؟ وكيف أتعامل مع هذه المشاعر المتضاربة، وأجد السلام الداخلي في هذا الموقف؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ فاطمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -ابنتنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام والحرص على السؤال، ونسأل الله أن يقدر لك الخير، وأن يصلح الأحوال.

أرجو أن تعلمي -ابنتنا الكريمة- أن إقامة البيت وتأسيس الأسرة، وتحقيق الأمومة، من أعظم وأكبر وأصدق أهداف كل امرأة مسلمة، فللنساء خلق الله الرجال، وللرجال خلق الله النساء، ولا تكتمل سعادة المرأة بوظيفتها، ولا بدرجتها العلمية، ولهذا هتاف الكثيرات اليوم: "خذوا شهاداتي كلها، وأسمعوني كلمة (ماما)" والمرأة -وكذلك الرجل- بعد مرور السنوات الطويلة، سيجد أن من أعظم النعم، أن الله جعله في أسرة بسيطة يرعاها وترعاه.

ولذلك أرجو أن تقبلي على حياتك الجديدة بأمل متجدد، وثقة في ربنا المجيد -سبحانه وتعالى-، واعلمي أن المرأة تستطيع أن تحقق الكثير حتى بعد زواجها، تحقق الكثير في ذاتها ونفسها، وفي عون زوجها على أن يتقدم، وفي إخراج أبناء نجباء وفتيات صالحات نابغات، صاحبات أدوار وأثر في هذه الحياة، ونسأل الله تعالى أن يعينك على فهم هذا الواقع، والإقبال على حياتك الجديدة بإيجابية.

ونحب أن نؤكد أن البيئة التي تتحدثين عنها، رغم ضيق الفرص فيها، إلا أن الفطرة فيها ما زالت حية، والحياة المبنية على أسس صحيحة ممكنة فيها، فلا تنخدعي بعبارات: "أريد أن أحقق ذاتي"، لأن تحقيق الذات يمكن أن يتحقق من خلال الأمومة، بل هذا من أعظم الأبواب التي تحقق فيه الفتاة المسلمة ذاتها، عندما تنجح كأم، وتنجح كزوجة، وتنجح كمربية، وتنجح كمؤثرة على زوجها وأبنائها وبناتها وإخوانها إيجابيا، وهذا ما نرجوه وننتظره منك.

ولذلك أرجو أن تزيحي هذه الأفكار السلبية، وتقبلي على الحياة الجديدة بثقة، ووجود هذا الرجل في حياتك سيكون –بإذن الله– معينا لك وداعما، والذكيات مثلك والنابهات، قادرات على التأثير فيمن حولها، وأول من تستطيع أن تؤثر عليهم إيجابيا هم الأزواج.

ولذلك أرجو أن تغيري هذه التصورات والأفكار السالبة الموجودة، واستبدليها بأفكار مبنية على التوكل على الله، والاستعانة به، والانسجام مع فطرتك السليمة التي فطرت عليها، التي هي: أن تتزوج المرأة، وتؤسس حياتها، وتبني حياتها على الإيمان.

ولو لم تفعل المرأة في حياتها كلها، إلا أن تخرج طفلا أو طفلة، يسجد لله ويخضع له تبارك وتعالى؛ فإن هذا وحده نعمة لا يعدلها شيء في الدنيا، بل هو من أسباب الشفاعة والخير يوم القيامة، هؤلاء الأبناء الذين ننجبهم ونتعب في حسن تربيتهم؛ نؤجر عليهم في الدنيا والآخرة.

وأتمنى ألا يكون في هذا التردد الموجود في ذهنك اعتراض على قدر الله تعالى، وسعدنا بمعرفتنا أنك تصلين وتستغفرين وتقومين الليل، ونسأل الله أن يقدر لك الخير ثم يرضيك به، واجعلي دعاءك أن يقدر الله لك ما فيه الخير، وأن يختار الله لك ما فيه الخير، والتي تصلي وتستغفر وتستخير وتشاور من حولها، خاصة من هم أكبر منها وأعقل، لن تندم أبدا، فإنه (ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار).

واعلمي أن التردد وتنازع الأفكار ليس دائما اعتراضا، بل المؤمن يفعل الأسباب ثم يتوكل على الكريم الوهاب، ونسأل الله -تبارك تعالى- أن يعينك على الخير، وأن يقدر لك الخير، ثم يرضيك به.

وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات