هوسي بمعرفة الحقائق الكونية، هل تفسد علاقتي بالله؟

0 6

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

لدي استفسار حول أمر يشغلني كثيرا، وهو أنني أصبحت أؤمن إيمانا حقيقيا بأن في العالم حقائق خفية من مختلف الجوانب؛ سواء في مجالات العلوم، أو الحضارات القديمة، أو أعماق المحيطات، كما أعتقد بوجود مخلوقات لا نعرفها، وأؤمن بوجود مؤامرات يشترك فيها بعض البشر مع الجن، وأن إبليس هو الرأس المدبر والمحرك الأساسي لهذه المخططات الشريرة.

أرى أن الأرض مليئة بالأماكن الغامضة؛ فمثلا: سد يأجوج ومأجوج، أعتقد أنه موجود على هذه الأرض، ورغم تطور العلوم، لم يتمكن أحد من تحديد موقعه بدقة، أو ربما تم العثور عليه وأخفي الأمر عمدا، وكذلك موقع المسيح الدجال، وغير ذلك من القضايا الغامضة التي تشغل عقلي، ولا أريد الإطالة في ذكرها.

لقد أصبحت مهووسا بمعرفة هذه الحقائق، مع إدراكي لقول الله تعالى:﴿يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم﴾ [المائدة:101]، لكن عقلي لا يهدأ، والأسئلة لا تنقطع، فهل هذا الفضول طبيعي؟ وكيف أستطيع ضبطه وتوجيهه بطريقة لا تؤثر سلبا على استقراري النفسي، ولا تفسد علاقتي بالله؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -ولدنا الحبيب- في استشارات إسلام ويب، ونشكر لك تواصلك بنا، ونسأل الله تعالى أن يزيدك حرصا على العلم والمعرفة، فمجرد حرص الإنسان على التعلم والتعرف على ما لا يعلمه، هذا الشعور في حد ذاته شعور حسن، ورغبة شريفة، وأمنية جليلة، ينبغي للإنسان أن يستثمرها، وأن يوجهها التوجيه الصحيح.

والتوجيه الصحيح للرغبة في العلم والمعرفة –أيها الحبيب– هو توجيهها نحو تعلم ما يفيد وينفع؛ فإن العلوم كثيرة، والمعلومات غزيرة، منها ما يحتاجه الإنسان، ومنها ما لا يحتاجه، ولا يستطيع الإنسان أن يحيط بجميع المعارف والعلوم، فالأعمار محدودة ضيقة، والعلوم أشبه ما تكون بالبحار، لا يستطيع الإنسان أن يحوزها كلها، بل يكفي أن يقف على شاطئها.

ولهذا، فإننا ننصحك –ولدنا الحبيب– في أن توجه هذه الرغبة الموجودة لديك في التطلع والتعرف على ما غاب عنك، ننصحك أن توجه هذه الرغبة إلى تعلم العلوم النافعة والمفيدة، وقد حثنا الشرع الحكيم، في آيات الكتاب العزيز وفي أحاديث الرسول الكريم ﷺ، على التعلم، ولا سيما تعلم الدين، وقد فضل الله سبحانه وتعالى أهل العلم على غيرهم، حتى من الحيوانات، فقد فضل الكلب المعلم ببعض الأحكام على سائر الكلاب، وكذلك فضل الإنسان المتعلم على غيره.

والنصوص الدالة على هذا التفضيل كثيرة جدا، ويكفي أن نشير إلى القاعدة العامة التي وضعها الشارع في قوله سبحانه وتعالى: ﴿قل هل يستوي ٱلذين يعلمون وٱلذين لا يعلمون﴾ [الزمر: 9]، وقوله جل شأنه:﴿يرفع ٱلله ٱلذين ءامنوا۟ منكم وٱلذين أوتوا۟ ٱلعلم درجـٰتۢ﴾ [المجادلة: 11].

وأما الأحاديث، فهي أكثر من أن تحصر في هذا المقام، من ذلك قوله ﷺ: من سلك طريقا يطلب فيه علما، سلك الله به طريقا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا بما يصنع، وإنه ليستغفر للعالم من في السموات والأرض، حتى الحيتان في جوف البحر، وإن ‌فضل ‌العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء هم ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر [رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد والدارمي].

والتعلم النافع –أيها الحبيب– أن يبدأ الإنسان بتعلم ما فرض الله تعالى عليه مما يجب فعله أو تركه، سواء من الأعمال القلبية أو البدنية، وهذا النوع من التعلم مفروض على الإنسان، وواجب عليه أن يسعى إليه، وهو ما أشار إليه النبي ﷺ بقوله: طلب العلم فريضة على كل مسلم [رواه ابن ماجه]، وهو الذي أمر الله تعالى به في قوله ﴿فاعلم أنه لآ إلـٰه إلا ٱلله وٱستغفر لذنبك﴾ [محمد: 19].

فننصحك بأن توجه طاقتك ورغباتك نحو تعلم هذا القدر أولا من الدين، ثم الاستزادة بعد ذلك في تعلم ما يفيد وينفع من العلوم الدينية أو الدنيوية التي تجلب لك رزقا، وتحسن وضعك المادي، وتقدم بها خدمة لمجتمعك وأمتك.

فهذه العلوم ستملأ وقتك، وتسد الفراغ الذي لديك، بل ستجد نفسك –مع الوقت– عاجزا عن استيفاء طلب هذه العلوم ومعرفتها، فهي أكثر من أوقاتك، وهي في الوقت نفسه تفوق قدراتك، فاحرص على أن تأخذ منها القدر الذي يفيدك وينفعك.

وننصحك بمجالسة الرجال الطيبين من أهل الاختصاص، وأصحاب العلوم النافعة، والتواصل معهم، والتواصل مع موقعنا أيضا، أو غيره من المواقع المفيدة، لتملأ وقتك وبرنامجك بتحصيل العلم النافع، وهذه هي وصية النبي ﷺ، حين قال: احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز [رواه مسلم].

وفي الوقت نفسه –أيها الحبيب– احذر من تدخل الشيطان في برنامجك، ومحاولته إفساد وقتك وتضييع جهدك فيما لا طائل تحته ولا منفعة فيه، فإن الشيطان إذا رأى في الإنسان رغبة في شيء أو تجاه معين، حاول استغلاله في هذا الاتجاه لإبعاده وصرفه عما هو نافع ومفيد، وتشتيته عما هو أولى، وقد قال رسول الله ﷺ: إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه كلها... [رواه أحمد والنسائي بسند حسن].

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقك لكل خير.

مواد ذات صلة

الاستشارات