السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نحن خمس أخوات، نعيش في منطقة ريفية دون إخوة ذكور، ووضعنا المادي صعب، فوالدي لا يعمل، ووالدتي هي التي كانت تتحمل مسؤوليات المنزل، وتعينه.
اثنتان من أخواتي متزوجات، أما أختي الثالثة فهي محل قلقي الآن، كانت طالبة مجتهدة ودخلت كلية الهندسة المعلوماتية، وكان من المفترض أن تسافر إلى الجامعة في المدينة التي تبعد عنا أكثر من 8 ساعات، وقد واجهت مشكلات مع بيت جدي عند إقامتها هناك، فقررنا أن تنهي عامها الأول، ثم نوقف دراستها مؤقتا لحين التحاقي بالجامعة لنذهب سويا.
عندما عادت أختي، اكتشفت أنها كانت على تواصل مع شاب، رغم أنه لم يكن بإمكانه الوصول إلينا، لم أقبل بهذا الأمر، وطلبت منها أن تتركه، فاستجابت لي بمحبة، وبعد ذلك، خطبت لرجل من الريف، لكن تبين لاحقا أنه لا يناسبها، وأرادت فسخ الخطبة، لكنه أثر عليها نفسيا وأقنعها بإكمال الزواج، فتزوجته، ولكن بعد فترة قصيرة ندمت، وتعرضت للإهانة من والدته التي صفعتها، فعادت إلى بيتنا، ثم رجعت إليه خوفا من كلمة "مطلقة"، والآن هي حامل.
أعيش شعورا مؤلما بسبب وضعها؛ فقد تخلت عن تعليمها، وزوجها قاس وعنيد، وشخصيتها تبدلت، وحتى الابتسامة اختفت من وجهها.
أنا نادمة لأني أصررت عليها أن تترك ذلك الشاب، وقد أشعر أنني ساهمت في إيصالها إلى هذا الحال من دون قصد.
الآن والدتي تفكر في بيع البيت لنتمكن من الانتقال للمدينة ومتابعة دراستي، لكننا في حيرة: كيف نترك أختي وحدها؟ وهل بيع البيت سيكون قرارا صائبا؟ أشعر بالذنب تجاه كل شيء، وأتساءل: هل ما حدث قدر محتوم، أم بسبب سوء اختياراتنا؟
سؤالي:
1. كيف يمكننا دعم أختي نفسيا وعمليا لاستعادة توازنها؟
2. هل المضي في بيع البيت والانتقال خطوة صحيحة في ظل الظروف الحالية؟
3. كيف أتعامل مع شعور الندم والذنب وتأنيب الضمير؟
4. وهل هناك دعاء أو نصيحة توجهوني بها لتثبيت قلبي ودعم أسرتي؟
جزاكم الله خيرا على دعمكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ fatima حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك في إسلام ويب، ونسأل الله أن يشرح صدرك، ويؤنس وحدتك، ويجبر كسر قلبك، ويرزقك وأختك من واسع رحمته.
ولقد قرأنا رسالتك بقلب يشعر بثقل الوجع الذي حملته حروفك وأنت تكتبين لا عن نفسك فقط، بل عن بيت بأكمله يشكو الصمت والألم والندم.
أولا: أقدار الله كله لا تقع إلا بحكمة وإن غابت عنا.
أختنا الكريمة: إن إصرارك على فراقها لذلك الشاب كان نابعا من المحبة والخوف والغيرة الصادقة، فلا توبخي نفسك ولا تحمليها ما لا تطيق، قال الله تعالى: (وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك) والرحمة قد تأتي من حيث لا ندري، فكم من طريق نراه ألما، وفيه باب رحمة لم يفتح بعد، وما حدث هو الخير لا محالة لأختك، فلا تلومي نفسك.
ثم إن ما حدث لها من زواج صعب، وحرج، وظلم، ومشقة، ليس نهاية الطريق، بل هو ابتلاء ولحكمة يعلمها الله، فقد قدر الله أن تتزوج، وقدر أن تواجه قسوة شديدة، لكن الله الذي قدر، هو الذي وعد بالفرج، وأمر بالصبر، وقال: (وبشر الصابرين) ثم وصفهم بقوله: (الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا للـه وإنا إليه راجعون)
أختنا : الندم لا يرد ما مضى، لكنه إن اقترن بحسن التصرف، فقد يفتح ما هو خير، فلا تفكري في "لو"، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا، كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل".
ثانيا: ما الحل؟
1- أكثري من الدعاء أن يشرح الله صدر أختك، ويثبتها في حملها، ويهون عليها زواجها.
2- الاجتهاد معها في العودة لتدرس، ولو بالتدرج، أو المراسلة أو النظام الخاص أمر جيد، لكن المهم ألا يكون على حساب بيتها وألا يحدث مشكلة بينها وبين زوجها.
3- إن قررت أمكم بيع البيت لمصلحتكم، فليكن ذلك بعد مشورة كاملة خاصة من هذه الأخت، والتي يمكن دعمها بطريقة غير مباشرة، حتى لا تشعر بالخذلان، ولو بإقناع زوجها أن يتيح لها فرصة العودة للدراسة، أو بتمكينها من زيارة عائلتها على فترات منتظمة.
4- ابحثوا عن داعية حكيم، أو امرأة صالحة من منطقتكم، تكلم زوجها بحكمة، وتنصحه أن يرفق بزوجته، فإن الكلمة الصالحة قد تصنع أثرا لا تظنون.
ثالثا: يجب عليكم الاجتهاد في بناء شخصية أختك وإحياء ثقتها بنفسها، وتعلميها طريقة التعامل الصحيح مع زوجها، وإليك بعض الخطوات العملية، نرجو أن تكون مفاتيح فرج لك ولأختك:
- ذكري أختك بأنها لم تفقد قيمتها، ولا تزال قادرة على النجاح.
- اجلسي معها جلسات خفيفة تشحن معنوياتها، ولو بكلمات يسيرة: "ما زلت أنت.. القوية.. المجتهدة.. حبيبة القلب".
- أشركيها في مهام داخلية تشعرها بأنها ذات أثر، لا مجرد زوجة مرهقة.
- إحياء الإيمان بداخلها ومراقبة الله في كل حال، والاعتماد عليه والارتكان إليه.
- اجعليها تكثر من قول: (اللهم اجعلني لك كما تحب، وخذ بيدي يا رب) صباح مساء.
-دليها على قراءة سورة "القصص" و"الطلاق" و"يوسف"؛ ففيها إشارات عميقة للابتلاء والتمكين.
رابعا: لابد من تعلم فن التعامل مع الزوج العنيد القاسي، والاجتهاد في عدم مواجهته، وذلك بما يلي:
- لا تشتكي منه في كل مجلس، ولا تواجهه أمام الآخرين، فهذا يستفز رجولته ويزيد التباعد.
- التركيز على لحظات الهدوء لا لحظات الانفعال.
- حين تراه مرتاح البال، فلتخاطبه بشيء من الامتنان لا بالشكوى.
- الابتعاد عن الإلحاح على التغيير.
- التغيير لا يفرض بكثرة الحديث، بل بالصمت الحكيم، والقدوة، والدعاء.
- ضبط رد الفعل وقت القسوة:
* لا يجب أن ترد على كلماته القاسية بكلمات مثلها، بل التغافل أقوى أحيانا من الرد.
* من أعظم أبواب الهيبة: الصمت إذا استشاط غيرك غضبا.
خامسا: إن من أفضل ما يثبت استقرار أختك هو الاجتهاد في إصلاح الزوج، ونحن ننصحكم ما يلي:
- الاستعانة بأهل الحكمة من العائلة دون صدام: كأن يزوره خال حكيم أو صهر محترم، فيثني على نعمة الزواج والرحمة، ويوصل له رسائل غير مباشرة.
- البحث عن نقطة اهتمام مشتركة تجمع بينهما: هواية، حديث عن المولود، هدف مشترك مالي أو تعليمي، هذه النوافذ تصنع تقاربا ولو في أبسط صوره.
- استثمار لحظات ضعفه أو مرضه أو ضيقه: ففي هذه اللحظات تتفتح القلوب، وقد تسمع الكلمة، وقد تستجيب الدعوة.
- الدعاء بصدق وبأوقات الإجابة.
هذه كلها مفاتيح لا تغني عن ضرورة التواصل الغير مزعج معها، فلا شك أن لها زوجا وله طلباته، وأن عليكم أن تكونوا داعمين لها في هذا التوقيت.
اللهم يا جابر المنكسرين، اجبر قلب هذه الأخت الكريمة، واشرح صدر أختها، واجعل حملها سكينة، وزوجها هداية، وافتح لهما من أبواب الرزق والعافية، واجعل أيامهما المقبلة خيرا مما مضى، وارزق هذا البيت عونك، وفضلك، ورضاك.
ولا تنسي: ما دام في القلب يقين بالله، فإن للضعف نهاية، وللدمع جبر، وللوجع فرج يكتبه الكريم الحكيم.