أريد ترك صديقتي المؤذية ولكنها هددتني بالانتحار، فماذا أفعل؟

0 1

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

لدي صديقة أعرفها منذ حوالي سنتين، وكانت في بداية صداقتنا فتاة لطيفة ومحبوبة، لكنها غير اجتماعية بطبيعتها، مع مرور الأيام، بدأت تظهر لي جوانب خفية من شخصيتها؛ فصارت تخبرني أن والديها ظالمان، وأنها تفكر في الانتحار، وبدأت تكذب، وتسلك طرقا خاطئة في حياتها.

في أحد الأيام، فوجئت بها تتحدث عني بطريقة سيئة جدا، وعندما واجهتها أنكرت الأمر تماما، وقالت إنها لا يمكن أن تفعل شيئا كهذا، رغم أنني كنت أعلم يقينا أنها من قالت ذلك.

منذ ذلك الوقت بدأت أشعر بضغط نفسي وتعب شديد بسببها، فحاولت قطع علاقتي بها، لكنها توسلت إلي كثيرا، بل وهددتني أكثر من مرة بالانتحار إن ابتعدت عنها، مع العلم أنني مجرد صديقة لها، ولا تربطني بها أي مسؤولية، لكنني أشعر بأنها مريضة نفسيا، وتحتاج إلى علاج.

الآن أريد فعليا قطع علاقتي بها، لكنني أخاف إن أقدمت على الانتحار أن أكون قد تسببت في ذلك، وأن أحمل ذنبها، أو ألا يسامحني الله، فهل من نصيحة توجهونها لي؟ كيف أتصرف دون أن أؤذي نفسي أو أتحمل ما لا طاقة لي به؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ روز حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أشكرك على ثقتك في مشاركة هذه المشكلة الحساسة والصعبة، وأعلم أن ما تمرين به ليس بالأمر السهل، وأنك تشعرين بعبء نفسي كبير، نتيجة هذه العلاقة المعقدة والمشحونة، وأريد أن أؤكد لك أن مشاعرك من إرهاق وتوتر، وحيرة، هي مشاعر طبيعية تماما، فأنت في موقف يتطلب حكمة وصبرا كبيرين، خاصة مع حرصك على فعل الصواب، وألا تقعي فيما يغضب الله عز وجل.

علاقتك بصديقتك بدأت بشكل جميل ومريح، ثم مع مرور الوقت ظهرت بعض الجوانب التي جعلتك تشعرين بثقل هذه العلاقة، ما زاد الأمر تعقيدا هو تهديدها بالانتحار إذا ابتعدت عنها، وهو ما وضعك في موقف صعب، يجعلك تشعرين بالمسؤولية تجاهها.

أريد أن أطمئنك أولا أن الله سبحانه وتعالى لا يحمل نفسا فوق طاقتها، كما قال تعالى في كتابه الكريم: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} (البقرة: 286) ومن الواضح أن صديقتك تعاني من مشكلات نفسية، قد تكون عميقة، وربما هي غير قادرة على التعبير عنها بطريقة صحية، ودعيني أوضح بعض النقاط التي قد تساعدك في فهم الموقف بشكل أفضل، ثم سأقدم لك مجموعة من النصائح العملية، التي تستند إلى الحكمة والإسلام.

أحيانا يتصرف الشخص الذي يعاني من مشكلات نفسية، بطرق قد تكون مؤذية للآخرين أو لنفسه، قد يكون الكذب أو التلاعب أو تهديد الآخرين بالانتحار، جزءا من محاولته التعبير عن ألم داخلي، أو طلبه للمساعدة، دون أن يعرف كيف يطلبها بطريقة صحيحة، ومن المهم أن تدركي أن هذه السلوكيات ليست بالضرورة موجهة ضدك شخصيا، بل قد تكون انعكاسا لمعاناة داخلية تعيشها صديقتك، ولكن في الوقت نفسه، من حقك أن تضعي حدودا صحية في علاقتك بها.

وإذا كنت تشعرين بالتعب النفسي أو الضغط الكبير، فهذا مؤشر على أن العلاقة قد أصبحت غير متوازنة، وأنك بحاجة إلى إعادة تقييم دورك في حياتها، بما يحمي سلامتك النفسية، وإليك بعض النصائح العملية، للتعامل مع الموقف:

1. أول خطوة هي أن تتوجهي إلى الله بالدعاء، فهو القادر على هداية القلوب وتغيير الأحوال، قال تعالى: {ادعوني أستجب لكم} (غافر: 60) فاسألي الله عز وجل أن يهدي صديقتك، ويصلح حالها، ويعينك على اتخاذ القرار الصحيح.

2. إذا كنت تشعرين أن صديقتك تعاني من مشكلة نفسية، فمن المهم أن تشجعيها على طلب المساعدة من مختص نفسين يمكنك أن تقولي لها بلطف: "أنا أشعر أنك تمرين بشيء صعب جدا، وقد يكون من المفيد أن تتحدثي مع شخص متخصص يمكنه مساعدتك".

3. الإسلام دين يحثنا على الإحسان للآخرين، ولكنه أيضا يدعونا للحفاظ على أنفسنا من الضرر، قال رسول الله ﷺ: "لا ضرر ولا ضرار" (رواه ابن ماجه)، وإذا كنت تشعرين أن هذه العلاقة تؤثر سلبا على سلامتك النفسية، فمن حقك أن تضعي حدودا واضحة لحماية نفسك، يمكنك التحدث معها بصراحة وبطريقة لطيفة، قائلة: "أنا أريد مساعدتك، ولكنني أيضا أشعر بالتعب والضغط، أحتاج إلى بعض المساحة لأستعيد توازني".

4. تهديدها بالانتحار ليس مسؤوليتك، ولكنه علامة على أنها بحاجة ماسة للمساعدة، ومن الأفضل أن تشجعيها على التواصل مع أهلها، أو مع مختص نفسي، يمكنك أن تخبريها: "الانتحار ليس الحل، وهناك دائما أمل، أرجوك أن تفكري في طلب المساعدة من شخص يمكنه دعمك" وتذكري أن الله لا يحاسبك على قرار شخص آخر، إذا كنت قد بذلت جهدك في نصحه وإرشاده، قال تعالى: {إن عليك إلا البلاغ} (الشورى: 48).

5. أحيانا قد تسيطر علينا مشاعر الخوف أو القلق من الذنب، ولكن تذكري أن الله يعلم نوايا القلوب، إذا كنت تريدين الخير لصديقتك وتسعين لمساعدتها بما تستطيعين، فلن يحملك الله مسؤولية ما قد يحدث.

6. إذا كنت تشعرين أنك غير قادرة على التعامل مع صديقتك بمفردك، فقد يكون من المفيد أن تستعيني بشخص آخر تثقين به، مثل أحد أفراد عائلتها، أو معلم أو مرشد، مع تذكيرها بقول الله تعالى: {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما{ (النساء: 29).

7. قال رسول الله ﷺ: "من فرج عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة" (رواه مسلم).

8. تذكري أن مساعدتك لصديقتك تكون بنصحها وإرشادها للخير، وليس بحمل كل أعبائها على عاتقك.

ختاما أختي الكريمة: أنت إنسانة طيبة وحريصة على الخير، وهذا واضح من كلماتك، ولكن تذكري أن الرحمة واللطف يجب أن تشمل نفسك أيضا، ولا بأس بوضع الحدود إذا شعرت أن العلاقة أصبحت تؤذيك، وفي النهاية، فالله عز وجل هو الأعلم بما في القلوب، وهو الذي يحاسبنا على نوايانا وأفعالنا بميزان عدله ورحمته.

نسأل الله أن يكتب لك الخير، وأن يهدي صديقتك ويصلح حالها، وأن يمنحك القوة والحكمة لاتخاذ القرار الصحيح، وفقك الله دائما لما يحب ويرضى.

وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات