ساءت طباع ولدي بسبب الهاتف والانترنت، فكيف نتصرف معه؟

0 1

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا أب لثلاثة أولاد، أكبرهم يبلغ من العمر 23 سنة، وأصغرهم سنتان ونصف، بدأت مشكلتي مع ابني الكبير منذ تخرجه من المرحلة الثانوية؛ حيث لاحظت عليه الانطوائية، وانعدام العلاقات الاجتماعية، واعتكافه الطويل على الهاتف المحمول، حتى بدون اتصال بالإنترنت، إذ يقضي وقته في ألعاب الهاتف.

حاولت دمجه في المجتمع؛ من خلال إدخاله في برامج تحفيظ القرآن ومجالس المسجد، لكنه لم يتقبل ذلك.

التحق بالجامعة، ونظرا لبعدها عن سكننا، أسكنته في سكن طلابي تحت إشراف جيد، لكنه رسب في السنة الأولى في مادتين، ثم رسب في السنة الثانية في خمس مواد، وعندما سألته عن السبب، أجاب بأن المواد لا فائدة منها، وأن الأساتذة يعقدون الأمور!

مع العلم أنني لم أفرض عليه التخصص أو الجامعة، بل هو من اختار ذلك بنفسه، لاحقا أخبرني بعض زملائه في السكن بأنه يقضي معظم وقته في السهر على اللابتوب والهاتف، حتى في أيام الامتحانات.

ووصلتني رسالة من مشرفي السكن تفيد بتهاونه في أداء الصلاة، وبعد كل ذلك، رسب في الفصل الدراسي الخامس في جميع المواد؛ بسبب هذه التراكمات، قررت إيقافه عن الدراسة وإرجاعه إلى المنزل، وتحاورت معه أكثر من مرة، لكنه لا يتجاوب، ولا يبدي أي رأي، بل يلوذ بالصمت، وأحيانا يغادر المجلس دون كلمة.

من وجهة نظر ابني: يجب أن أبقيه في الجامعة، حتى وإن كان يرسب، والآن مضت سبعة أشهر منذ توقفه عن الدراسة، وهو يرفض الالتحاق بأي جامعة أخرى، كما يرفض الدخول إلى سوق العمل، ولمح لوالدته بنيته الهروب إلى إحدى الدول وطلب اللجوء!

حاليا: يقضي معظم وقته على الهاتف المحمول، ويرفض الانتظام في الصلاة، وعندما نأمره بالصلاة في المسجد، يتشنج وينفعل، ويقول: يكفي أنني أصلي، ويتطاول بالسب والشتم على والدته في غيابي، ويصل به الأمر أحيانا إلى الضرب، خاصة إذا تم قطع الإنترنت عنه، فيتحول إلى وحش كاسر، ويهاجم والدته وأخاه الأوسط.

ولدي يرفض أي حوار أو نقاش، بحجة أنه رجل كبير ومسؤول عن نفسه، كما يرفض أي قواعد داخل البيت، أو تقديم المساعدة، ويعتبر ذلك نوعا من الذل والمهانة، فكيف أتعامل مع هذا الابن؟

أفيدوني، جزاكم الله خيرا،

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -أخي الفاضل- في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله أن يوفقنا وإياك إلى ما فيه صلاح القول والعمل.

نحيي فيك حرصك على صلاح ولدك، ونسأل الله أن يجعل هذا السعي في ميزان حسناتك، أما عن الحالة التي وصفتها لابنك الأكبر: فهي ليست مجرد تمرد عابر كما قد يظن البعض، بل هي أزمة نفسية واجتماعية متراكمة، تستوجب تدخلا واعيا وحكيما، وعلاجا عاجلا ومدروسا لخطورة الأمر.

ورغم أن التدخل في مثل هذا العمر المتأخر قد يكون أكثر صعوبة وتعقيدا، وتكون استجابة الشاب فيه للعلاج أقل مما لو بدأ في وقت مبكر، فإن هذا لا يعني فقدان الأمل، بل يتطلب منك جهدا أكبر، وصبرا أوسع، وخطة محكمة تراعي طبيعة هذه المرحلة، إلى جانب تعاون الأسرة والبيئة المحيطة به، لذلك سنقدم لك مجموعة من النصائح نسأل الله أن ينفعك بها، والنصائح كالتالي:

أولا: فهم طبيعة المراهقة:
أولى خطوات العلاج تبدأ بفهم طريقة تفكير المراهق وسلوكه، ومعرفة الأسباب التي تدفعه إلى العناد، والرفض، والمواجهة، واعلم أن مرحلة المراهقة ليست انحرافا، وإنما هي مرحلة حرجة وطبيعية من مراحل النمو، تتميز باضطرابات وجدانية ونفسية، تنتج عن تغيرات هرمونية وعقلية متسارعة.

ففي هذه المرحلة، تنشط المراكز الانفعالية في الدماغ مبكرا، بينما تتأخر مراكز ضبط السلوك واتخاذ القرار، وهذا ما يفسر الانفعالات القوية، وردود الأفعال القاسية، والعصبية المتكررة لدى كثير من المراهقين، ومع ذلك، يتمكن العديد من المراهقين من تجاوز اضطرابات هذه المرحلة بسلام، بفضل التربية الحسنة، والتوجيه السليم، والاحتواء، والتقدير الأسري المبكر.

إن إدراكك لهذه الحقائق سيساعدك على أن تنتقل من موقع المحاسبة والعقاب، إلى موقع الفهم والدعم والتوجيه البناء.

لذلك السلوكيات السلبية التي ظهرت بعد التخرج من الثانوية ليست وليدة اللحظة، بل هي نتاج تراكمات سابقة، بدأت غالبا منذ سنوات المراهقة الأولى، لكن ظهورها بوضوح في هذه المرحلة يعكس نضجا جزئيا له كمراهق، كمحاولة إثبات الذات، وتحقيق استقلاليته التي يفتقدها، وربما تفريغ مكبوتات سابقة.

هنا يجب أن تكون أكثر وعيا؛ لأن أي تدخل غير مدروس قد يؤدي إلى نتائج عكسية، ويزيد من العناد أو الانفصال النفسي، ولا بد أن يقابل هذا التغير في سلوكه بتغير في أسلوب تعاملك معه.

ثانيا: دور الإنترنت في تشكيل سلوكياته، هروب ولدك إلى الإنترنت هو محاولة لإشباع ما يفتقده من استقلالية وإثبات الوجود، فهو من خلال هذا الفعل يفرغ طاقته، ويشبع احتياجاته النفسية من خلال عالم الإنترنت والألعاب التفاعلي المفتوح.

هذا العالم الافتراضي يمنحه شعورا بالتفوق، والتحكم، والانتماء، في مقابل واقع يملؤه التلقين، والنقد، وغياب التقدير في كثير من الأحيان، ومع مرور الوقت، تشكلت لديه ثقافة جديدة نتيجة طول التعرض، ونشأت في ذهنه أحلام افتراضية، ورغبات قد لا تمت للواقع بصلة؛ ومنها رغبته في السفر أو الهجرة، لا بدافع الطموح أو البناء، وإنما هروبا من واقع يرفضه، وهذه إشارة خطيرة تستوجب الحذر؛ إذ قد تتطور إلى سلوكيات أكثر تطرفا.

ثالثا: خطوات العلاج المطلوبة لحالته:
إن العلاج في مثل هذه الحالة يتطلب خطوات متدرجة، ومنهجية تربوية، ونفسية دقيقة، نلخصها فيما يلي:

المرحلة الأولى: التدخل العلاجي والتربوي.
1- تجنب المواجهة المباشرة وفرض السيطرة: المراهق المضطرب كحالة ابنك، في هذا السن يرى في كل نصيحة إهانة، وفي كل توجيه تحكما، لذلك لا تلجأ للمواجهة، بل اجعل هدفك إعادة التوازن النفسي إليه، وليس فرض الجامعة، أو الوظيفة عليه، فإذا استقر نفسيا سيستجيب لكل ذلك عن قناعة ورضا.

2- تجنب التوبيخ أو التقريع، خاصة أمام الآخرين؛ لأن ذلك يزيد من العناد، ويعمق الفجوة بينه وبينك، ويعزز فكرة الهروب والهجرة.

3- أشعره بالثقة والمسؤولية: وهذا مهم جدا، كلفه بمهام ذات أهمية يثبت وجوده واستقلاليته من خلالها، وأثن على إنجازاته مهما كانت بسيطة، وبين له أنك تعتمد عليه وتثق فيه، كرر هذا الأمر كثيرا وستجد ثمرة ذلك -بإذن الله-.

4- دعه يجرب ويتحمل نتائج قراراته: امنحه هامشا آمنا ليخطئ ويتعلم، ما دام الخطأ لا يكون مصيريا، فهذه التجربة تجعله يشعر بذاته ويغير من شدة أفكاره، لذلك ساعده على خوض تجربة العمل مثلا، ليدرك أن الواقع ليس كما يتخيل.

المرحلة الثانية: بناء العلاقة وتجسير الثقة.
1- أنصت له: لا تبدأ بالحديث، بل دعه يتحدث، واسأله عن اهتمامات يتقنها، كالإنترنت، أو الألعاب، أو الرياضة ونحوه، واستمع له دون مقاطعة، اظهر إعجابك بمعلوماته واثن عليها، تكرار هذا التفاعل معه سيذيب جليد الصمت، ويشعره بالأمان، وأن هناك من يستمع له بحب وشغف.

3- أشركه في إدارة شؤون الأسرة: كونه الابن الأكبر كاستشارته في بعض قرارات الأسرة، مثلا اطلب رأيه في تنظيم وقت الإنترنت لبقية الأسرة، واجعله هو من يتحكم فيه من باب إعطاء الثقة وتحمل النتائج، وامنحه الفرصة لوضع الضوابط ومتابعة تنفيذها، وكرر هذا الفعل في مهام مختلفة مع المراقبة عن بعد لقراراته.

3- عزز العلاقة عبر المشاركة: اجعله قريبا منك كصديق، وخذه في نزهة، أو سافر معه، ويفضل أن تكون رحلة روحانية، مثل: العمرة، أو الدعوة، فالتشاركية تقوي العلاقة وتعيد الثقة.

المرحلة الثالثة: البيئة الداعمة والتنسيق الأسري:
العلاج لن يجدي ما لم يكن هناك تعاون فعلي من بقية أفراد الأسرة، فمن المهم جدا أن تتفقوا جميعا على أسلوب موحد في التعامل معه، وأن يسهم كل فرد في إعادة دمجه تدريجيا، دون إشعاره بالرفض أو التوبيخ.

اخي الكريم: تعامل معه بحزم وذكاء، خصوصا فيما يتعلق بسلوك الضرب والاعتداء، فهو أمر خطير لا يمكن السكوت عنه، ولا بد من اتخاذ تدابير عاجلة لاحتوائه، ومنع تكرار هذا السلوك، سواء عبر الحوار العائلي، أو المباشر، أو إشراك مختصين اجتماعيين.

لا تنس الدعاء، فهو باب لا يرد، وخاصة دعاء الوالد لولده، والتجئ إلى الله بإلحاح، واطلب له الصلاح والهداية، فإن ما يفتح بالدعاء أعظم مما يفتح بالقوة أو الإقناع.

وأخيرا، نوصيك بمتابعة حالة ابنك مع مستشار نفسي واجتماعي متخصص –إن لزم الأمر-؛ ليتابع معك مراحل العلاج، ويقدم لك الإرشاد الأمثل في كل مرحلة، ومع الصبر والاجتهاد وحسن التطبيق، تصل –بإذن الله– إلى الثمرة المرجوة.

وتذكر أنك تتعامل مع إنسان من روح ودم، يتأثر بصدقك وحسن تعاملك، كما يتأثر سلبا بعكس ذلك.

وفقك الله، ويسر أمرك، وأعانك لصلاح ابنك.

مواد ذات صلة

الاستشارات