السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أحبكم في الله عز وجل.
لا أستطيع الإقدام على الخطبة للزواج بسبب كثرة فشلي في الدراسة، وتعقيداتي النفسية، وكثرة ما أعانيه من الذهان والاكتئاب.
ما هي نصائح حضراتكم لمن لا يستطيع الخطبة بسبب العقبات ومخاطر الارتباط، كالعصبية وقلة المال؟ وما هو الأفضل من الزواج في مثل هذه الظروف؟ وما هي حكمة الزواج بالنسبة لمن هو في وضعي (الغلبان)؟ فمن الصعب أن يكون الإنسان من الصالحين المصلحين وهو بهذا الحال.
أنتظر دعواتكم الغالية، جزاكم الله خيرا، ونفع بكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أيها الابن الكريم، والأخ الفاضل- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام والحرص على السؤال، ونسأل الله أن يكتب لك العافية والسلامة والتوفيق، وأن يلهمك السداد والرشاد، هو ولي ذلك والقادر عليه.
من الذين يعينهم الله: المتعفف الذي يطلب النكاح طلبا للعفاف، وما كثرت الصعوبات والمشكلات في أمر زواج الشباب إلا بسبب تقصير الأمة في هذا الجانب، فإن للمجتمع دورا عظيما في تزويج الشباب، فقد قال العظيم: ﴿وأنكحوا الأيامىٰ منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم﴾ [النور: 32]، وكأن قائلا يقف ليقول بعد هذا التوجيه للكبار ولأولياء الأمور، وللمسؤولين: من أين المال؟ قال العظيم: ﴿إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله﴾ [النور: 32]، فنسأل الله -تبارك وتعالى- أن ييسر لك وللشباب سبيل العفاف، وأن يعينكم جميعا على بلوغ العفاف.
وإذا تعسر على الإنسان، وصعب عليه الدخول في هذا المشروع؛ فإن الإسلام دعوة إلى أن يسلك الإنسان سبيل العفاف، قال العظيم: ﴿وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتىٰ يغنيهم الله من فضله﴾ [النور: 33]، والنبي ﷺ قال:"يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء" [رواه البخاري ومسلم].
واعلم أن أعظم أسباب التيسير والفرج تقوى الله عز وجل؛ فإن الله وعد المتقين بالخروج من المضائق والضيق، فقال: ﴿ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب﴾ [الطلاق: 2-3].
والزواج من أعظم أبواب الرزق والخير، فإذا اتقى العبد ربه، وصدق معه في نيته، يسر الله له ما يريد من الخير، وأعانه على بلوغ العفاف بالحلال.
والتقوى ليست مجرد كلمات تقال، بل هي التزام عملي، وترك للمعاصي، وإقبال على الطاعات، مع يقين راسخ بأن الفضل كله بيد الله، يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
فالإنسان إذا ينبغي أن يسلك هذه السبل، وإذا اضطر إلى أن يؤجل فعليه أن يسلك أيضا التوجيهات الروحية والعملية التي يشغل فيها الإنسان نفسه بمعالي الأمور، ويشغل الإنسان نفسه بالمهام العلمية وغيرها، ويكثر من اللجوء إلى الله -تبارك وتعالى- من أجل أن يسهل أمره.
ومهما كان عند الإنسان من صعوبات، إلا أن الإنسان إذا سعى في هذا السبيل، وطلب معونة الفضلاء، وساعده الفضلاء من أحبابه وإخوانه؛ فإن الأمر يسير، بل قد يكون الزواج علاجا لكثير من المشكلات التي تواجه الإنسان.
على كل حال، نحن ندعو الله -تبارك وتعالى- أن يسهل أمرك، وأن يكثر المال في يديك، وأن يرزقك ما يعينك على الحصول على الزوجة الصالحة، ونسأل الله -تبارك وتعالى- أيضا أن يعجل بشفائك من كل مرض، وأن يرفع عنك الهموم والغموم.
أوصيك أولا بلزوم الاستغفار، والإكثار من الصلاة على النبي ﷺ، والمداومة على قول: (لا حول ولا قوة إلا بالله)، فهي كنز من كنوز الجنة، وذكر عظيم واستعانة بالله -تبارك وتعالى-.
وأكثر من الدعاء، ولا سيما أدعية الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-؛ فإنها جامعة لمعاني الخير والرجاء، كقول إبراهيم عليه السلام: ﴿رب هب لي من الصالحين﴾، وقول زكريا عليه السلام: ﴿رب هب لي من لدنك ذرية طيبة﴾، ودعائه الآخر: ﴿رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين﴾، وقولهم: ﴿ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما﴾، وقولهم: ﴿وارزقنا وأنت خير الرازقين﴾. ثم تأمل كيف ختم الله هذه الدعوات بالبشرى والاستجابة، فقال: ﴿فبشرناه بغلام حليم﴾، وقال: ﴿فاستجبنا له ووهبنا له يحيى﴾.
وقد تقول: هؤلاء دعوا وهم متزوجون، وأنا لم أتزوج بعد! فنقول لك: هذا من تمام الدعاء أن تسأل الله ما يبدأ به الخير وما يتمه: أن يرزقك المال، ثم الزوجة، ثم الذرية، والله جل وعلا خير الرازقين، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
ثم ندعوك إلى الطاعة؛ فإنها سبيل للتوفيق، والصلاة؛ فإنها مفتاح للرزق، وكن مع الله -تبارك وتعالى- ولا تبال، واجتهد دائما في بذل الأسباب، ثم توكل على الكريم الوهاب.
وتجنب القناعات المعلبة الجامدة: (أنا لا أستطيع، أنا لن أفعل)، لا، استعن بالله -تبارك وتعالى- وتعوذ بالله من العجز والكسل؛ فإن العجز نقص في التخطيط، والكسل نقص في التنفيذ.
نسأل الله أن يسهل أمرك، وأن يلهمك السداد والرشاد، ولك منا خالص الدعاء وصادق الأمنيات، ونسأل الله -تبارك وتعالى- أن يضع في طريقك صالحة تسعدها وتسعدك، وتتفهم وضعك، وتعينك وتعينها على طاعة الله، ونكرر الترحيب بك في الموقع.