أحاول جاهدة ممارسة النهي عن المنكر..فهل من نصيحة في هذا الشأن؟

0 0

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

حاولت جاهدة أن أمارس النهي عن المنكر حتى مع الغرباء، وحاليا أشعر أن الأمر أصبح أبسط بكثير؛ إذ أركز على أن يكون النهي بلا تردد، وكأنه حديث عادي، والحمد لله، معظم ردود الأفعال إيجابية.

مع العلم أنني في البداية كنت أعاني من التردد والخوف، وقلة الثقة بالنفس؛ ربما بسبب استعداد جيني، ولكن بعد أن غيرت قناعاتي وقويت ثقتي بنفسي -بفضل الله أولا- أصبح الأمر أيسر بكثير، وأشعر بأنه بات نابعا من داخلي، وليس فقط نتيجة كثرة الممارسة.

سؤالي ينقسم إلى جزئين:

الجزء الأول: بطبيعتي لا أخرج كثيرا، ولا أتعامل بشكل واسع مع الناس، وأخشى أن أتقاعس عن أداء هذه الفريضة مع الوقت، أو أن تقل مهاراتي الاجتماعية، علما بأنني أحيانا أقلل من الخروج، بسبب انشغالي بطلب العلم الشرعي، وليس هروبا من التعامل مع الناس، فهل يعتمد الأمر أكثر على القوة الداخلية ونظرتنا لأنفسنا، أم على الممارسة الاجتماعية الفعلية؟

الجزء الثاني: إذا ركبت وسائل النقل العامة، وكانت أمامي امرأة متبرجة، لا أنهى عن المنكر، خوفا من لفت الأنظار بطريقة تزعجني نفسيا، لكنني أحيانا أنصح من تجلس بجواري، وأتجنب نصح امرأة برفقة زوجها، أو في مواقف مشابهة، ومع ذلك، أمارس النهي في مواقف أخرى، فهل أعتبر مقصرة؟

أرغب في فهم معنى "النهي عن المنكر قدر الاستطاعة" هل يكفي أن أنهى أربعة أو نحو ذلك، في الموقف الواحد، ثم أغادر؟

وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ فاطمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -ابنتنا العزيزة- في استشارات إسلام ويب.

أولا: نشكر لك تواصلك مع الموقع، كما نشكر لك حرصك على إيصال الخير للآخرين، وهذا -إن شاء الله- من علامات حسن إسلامك وإيمانك؛ فقد قال رسول الله ﷺ: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه.

والنصيحة للآخرين، والوعظ، والتذكير بحقوق الله تعالى من أعظم أبواب الخير التي ينبغي للإنسان أن يحبها للآخرين، ويسعى في نشر الخير بينهم، ولكن ينبغي أن تعلمي -ابنتنا العزيزة- أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عبادة جليلة، لها شروط ينبغي أن تتحقق حين يؤدي الإنسان هذه العبادة.

ومن هذه الشروط: أمن الفساد المترتب على الأمر أو النهي؛ لأن الشريعة جاءت بتحصيل المصالح للعباد، ودفع المفاسد والمضار عنهم، فإذا كان الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر سيؤدي إلى فساد أكبر من المنكر الذي كان؛ فإن هذا يمنع شرعا، ومن ذلك الفساد المتوقع من حصول الأمر من قبل امرأة لرجل أجنبي عنها.

ومن شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أيضا: أن يكون الشيء الذي ننهى عنه محل اتفاق بين العلماء أنه منكر، أما الأمور المختلف فيها بين العلماء فلا يصح الإنكار فيها؛ لأن هذا الفاعل ربما يكون متابعا لأحد هؤلاء العلماء آخذا بقوله، فلا ينكر عليه حينئذ.

وبهذا يتبين لك أن الفقه وتعلم الأحكام الشرعية أمر ضروري، قبل أن يمارس الإنسان هذه العبادة الجليلة، وهي عبادة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ورأى بعض العلماء أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا يجب إذا ظن الإنسان أن الأمر أو النهي لا يفيد ولا ينفع، وفي هذا سعة -إن شاء الله- لإسقاط الإثم عن الإنسان حين يظن أن نهيه عن المنكر لا يفيد، فيتركه في تلك الحال.

أما ما ذكرته من تلاشي الخوف بسبب الثقة بالنفس من الداخل، فهذا أمر معلوم، إذا علم الإنسان أنه على الحق، وأيقن من نفسه أنه يريد إسداء الخير للآخرين، والقيام بنفعهم وتحقيق مصالحهم؛ فإن هذا مما يشجعه ويعينه على أن يقوم بهذه العبادة الجليلة.

كما أن امتلاك مهارات التخاطب مع الآخرين، له أثر كبير في نجاح النصح والتوجيه؛ كحسن الأسلوب، والرفق في العبارة، والتعرف على مداخل النفوس، وكيفية التأثير عليها لتقبل ما يلقى إليها، هذا أيضا من المهارات المهمة في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والوعظ والنصح للآخرين، فإن الله تعالى أمر باستعمال أحسن الأساليب، فقال: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ۖ وجادلهم بالتي هي أحسن} [النحل: 125]، والرسول ﷺ يقول: ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه.

فينبغي لمن يحب -أو يريد- ممارسة هذه العبادة العظيمة، أن يأخذ قدرا كافيا من هذه المهارات، ليكون عمله على أكمل صورة وأتمها وأحسنها.

نسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير، وأن يرزقك العلم النافع والعمل الصالح.

مواد ذات صلة

الاستشارات