مقبل على الزواج ومبتلى بوساوس الطلاق والظهار!

0 1

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله.

أنا شاب أعاني منذ أكثر من ثماني سنوات، من الوسواس القهري بكل أنواعه تقريبا، وسواس العقيدة، وسواس الوضوء والصلاة، أما الآن أعاني من وسواس في الظهار والطلاق، رغم أنني لم أتزوج، الحمد لله اقترب موعد الزواج، ولكن أعاني مع هذه الأفكار، كل يوم لدي وسواس أنني نطقت بكلمة ما، كل يوم وسواس على شكل مختلف، بأنني قلت شيئا في موضوع الظهار، أدخل في هم وغم وشك هل فعلا نطقت بذلك؟ أدخل المواقع من أجل الاطمئنان، ولكن لا جدوى.

نصيحة من فضلكم، فأنا مقبل على الزواج.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ بدر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك في إسلام ويب، ونسأل الله أن يذهب عنك البأس، ويملأ قلبك يقينا وسكينة.

أنت الآن في معركة حقيقية، لا مع الشيطان فقط، بل مع وهم يتسلل في ثوب الدين، ويدعي الورع، وهو في حقيقته خنجر في طمأنينتك، وسلاح لتقويض يقينك.

* أولا: موقف الشرع:
اعلم -قطعا- أنك ما دمت غير متزوج، فلا يقع منك ظهار ولا طلاق، مهما قلت، ومهما ظننت أنك قلت؛ لأنه لا يقع شرعا إلا من الزوج لزوجته، وما دمت لم تتزوج بعد، فكل هذه الوساوس لا أثر لها ولا اعتبار، ومن القواعد الفقهية المقررة: "لا يلتفت إلى الوساوس، ولا يبنى عليها حكم شرعي"، فأقوال الطلاق أو الظهار التي يشك الإنسان في التلفظ بها لا تعتبر حتى لمن تزوج، ما لم يتأكد أنه قالها، وقصد معناها، لا لمجرد مرور الفكرة، أو حتى تحريك اللسان دون وعي.

نكرر مرة أخرى: مثلك لم يقع منه طلاق ولا ظهار ولو صرح؛ لأنك لست متزوجا أصلا، أما المتزوج فإن الظن -مهما بلغ- لا يزيل اليقين، وعليه: فكل خاطرة تمر على المتزوج، يسمع فيها لفظ طلاق أو ظهار أو غير ذلك، لا يبنى عليها أي حكم شرعي.

* ثانيا: طبيعة الوسواس:
اعلم أن الوسواس القهري مرض وليس ذنبا، وهو خلل نفسي يضخم الأفكار، ويحولها إلى دائرة مغلقة لا تهدأ، ووسواس العقيدة والطلاق من أكثر أنواعه شيوعا عند الملتزمين، ثم إنه ليس عدوا خارجيا ذا قوة ذاتية، بل فكرة سخيفة، تستمد طاقتها من مقدار استجابتك لها.

ومن هنا: فإن العلاج الحقيقي يبدأ من فهم طبيعة تلك الوساوس، فإذا فهمت الوسواس على حقيقته؛ ستملك مفاتيح الخلاص منه، فالوسواس لا ينشط إلا في بيئة التفكير السلبي، ويخمد إذا قوبل بالاحتقار والتجاهل، وعليه: فطريق العلاج هو التغيير المعرفي والسلوكي معا، وننصحك بما يلي:

1. توقف عن الاستجابات الخاطئة:
• لا تدخل المواقع لتطمئن، بل تغافل، ولا تناقش الوسواس أصلا.
• لا تكرر العبارات في نفسك.
• لا تبحث عن الفتاوى مرة أخرى.
• كل هذه الأفعال تغذي الوسواس وتثبته، وإن أوهمتك براحة مؤقتة.

2. استخدم القاعدة الذهبية: "اليقين لا يزول بالشك".
• إن لم تكن متيقنا من أنك نطقت، فلا عبرة بما شعرت به.
• واجعل هذه القاعدة مطلقة في حياتك كلها.
• ولا طلاق قبل الزواج أبدا.

3. عندما يراودك الوسواس، بادر فورا برفضه ذهنيا، وقل لنفسك بوضوح:
• "هذا مجرد وسواس، لا حقيقة له".
• "هذا كلام لا قيمة له".
• "هذا خيال مرضي، وليس واقعا".
• "هذه فكرة سخيفة لا تستحق التفكير".

كرر هذا التقييم الحاسم كلما عاد الوسواس، وعلق في ذهنك صورة سلبية عنه، واربطه دائما بالسخف والبطلان، فكلما واجهت الوسواس بهذا الأسلوب المعرفي الواعي، ضعف تأثيره عليك، وانكسر الرابط النفسي الذي يجعلك تستسلم له دون وعي، فالاحتقار والتجاهل هما أول خطوة في طريق التحرر منه.

4. الانشغال وعدم الانقطاع:
• لا تترك عملك، ولا تجلس خصيصا للرد على الوسواس.

5. ردد أذكارك أثناء عملك، وفي الطريق، وفي كل لحظات حياتك العادية.

6. لا تغير سلوكك لأجل الوسواس، بل عامله كذباب مر على وجهك.

7. الصبر، والتكرار، والجدية:
• الوسواس لا يرحل من أول يوم، لكنه يضعف بالتدريج.
• كرر هذه المقاومة بضعة أسابيع، وسترى الفرق بإذن الله.

8. الاستعانة بالله والدعاء:
• أكثر من قول: "اللهم طهر قلبي، اللهم طهر سمعي وبصري، اللهم اكفني شر الشيطان".
• كرر هذا الدعاء صباحا ومساء: "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وغلبة الدين وقهر الرجال".
• وقل دائما: "آمنت بالله، وكذبت وسواس الشيطان".

9. ابتعد عن الفراغ، فهو البيئة المثالية لنمو الوساوس، وأشغل وقتك بالعلم، والقراءة، والعمل، والرياضة، والتطوع، المهم: ألا تترك وقتا للتفكير السلبي.

10. صاحب الأخيار الإيجابيين؛ فإن في صحبتهم دفعة قوية نحو السلامة النفسية، والاستقرار القلبي.

وختاما: أنت على أعتاب مرحلة جديدة من حياتك، فإياك أن تسمح للوسواس أن يطفئ نورها، أو يعكر صفوها، وثق أن ما تمر به الآن عابر، وأن معاناة اليوم ستزول بإذن الله، متى ما واجهتها بالعزم، واستعنت عليها بالله، وأخذت بالأسباب الشرعية والنفسية.

كن ثابتا، مطمئنا، وقل لنفسك بثقة: "سأتجاوز، وسأشفى، وسأستعيد سكينتي"، وستنظر إلى هذه المرحلة يوما ما فتقول: "كانت تجربة ثقيلة، لكنها مضت، وخلفتني أقوى مما كنت".

نسأل الله أن يشرح صدرك، وييسر زواجك، ويجعله لك سكنا وشفاء، ويبدلك من بعد الوسواس راحة ويقينا.

مواد ذات صلة

الاستشارات