السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبركاته.
لدينا جار قريب جدا من بيتنا، ويعمل في الأدوات التي تصدر أصواتأ عالية ومزعجة في تصليح السيارات، ويحتاج إلى ألوان لكي يدهن السيارات -يقال أنه غير مرخص له- وغير ذلك أنه يقرب لأبي؛ فهو ابن عمه، وأنا طالبة توجيهي، وطول اليوم نعاني من الإزعاج، ولا نرتاح إلا في الليل فقط، عندما يتوقف عمله، ورائحة الدهان الذي يستخدمه قوية، والأصوات مزعجة للغاية، ولهذا نضطر لإغلاق النوافذ، ونحن في فصل الصيف، وبيتنا يصبح مضغوطا، وأنا وأخي طلاب في الثانوية العامة، وهناك شخص آخر يعمل نفس عمل جارنا، لكنه ليس قريبا منا كجارنا الذي هو ابن عم أبي، لكنه أيضا يسبب إزعاجا أيضا.
نخشى أن نشتكي فنتسبب بقطع رزقه، فماذا نفعل مع كل هذا الإزعاج، ورائحة الدهان مزعجة للغاية؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا بك في إسلام ويب، ونسأل الله أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان.
لا شك أن حق الجار في الإسلام عظيم؛ فما من دين رفع من قدر الإنسان في خصوصه وعمومه كدين الإسلام، وما من شريعة اعتنت بجوانب المعاشرة والمجاورة كما اعتنت الشريعة الغراء.
وقد بلغ من عناية الإسلام بالجار أن أوصى به جبريل -عليه السلام- النبي مرارا، حتى ظن نبي الرحمة -صلى الله عليه وسلم- أن الجار سيورث، فقال: (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه).
لقد جاءت النصوص الشريفة مؤكدة على أن البر بالجار ليس خيارا خلقيا، بل فريضة اجتماعية، تترتب عليها المسؤوليات الدنيوية والأخروية، ففي الحديث: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره)، بل جعل النبي -صلى الله عليه وسلم- الإيذاء للجار من علامات ضعف الإيمان، أو نفيه، فقال: (والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن) قيل: من يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه).
إن الإسلام –بما فيه من عدل ورحمة– لم يمنع الناس من السعي في أرزاقهم، لكنه قرن ذلك بعدة شروط، منها: ألا يكون السعي سببا في ظلم الآخرين، أو الإضرار بجيرانهم؛ فالجار ليس طيفا يرى من بعيد، ولا صوتا يسمع ويتجاهل، بل هو أمانة من الله، وميزان لصدق الدين، وميدان تختبر فيه الأخلاق، لذا نوصيك بعدة أمور:
أولا: فهم المعاناة في ميزان الصبر والحق؛ ونعلم أن من الناس من يكابد في طلب الرزق، وأن قسوة الحياة قد تدفعهم إلى العمل بكل وسيلة، حتى لو لم تكن مرخصة أو مهيأة، ولا نملك إلا أن نقدر هذا الجهد، ونحفظ له كرامته.
لكننا في الوقت ذاته لا ننكر ما أصابنا من ضيق، ولا نخفي ما نلقاه من عناء دائم في النهار، وخصوصا وأننا طلاب في مرحلة دقيقة من عمرنا، نحتاج إلى الهدوء والتركيز؛ لذا ما نطلبه ليس مقاطعة أحد، ولا منعا لرزق، ولكن مساحة راحة نتقاسمها بعدل ورحمة.
وقد قال النبي ﷺ:لا ضرر ولا ضرار؛ وهو مبدأ يعلمنا أن الصبر لا يعني السكوت عن الأذى، وأن الشفقة لا تلغي حق الإنسان في بيته وصحته.
ثانيا: الباب ما زال مفتوحا للكلمة الطيبة؛ فنرجو أن يكون في العائلة أو الجيران من له قبول عنده، فيخبره بما نعانيه من غير عتاب، ولا لوم، بل بلغة الأخوة والحرص.
ليقال له مثلا: "نحن نعلم ضيق الحال، ونعلم أن الرزق من الله، لكن هذا العمل فيه ضرر بين على الطلبة والبيت، فلعلك تعيننا بما تقدر عليه في ضبط الصوت أو الرائحة"، فإن وجد منا الصبر، ووجدنا منه التفهم؛ فذلك خير وبركة، ورفق يضاعف الأجر للطرفين.
ثالثا: الاستعانة الهادئة إن ضاقت السبل؛ فنحن لا نحب أن نحرج أحدا، ولا أن نلجأ إلى الجهات المختصة، لكن إن استمر الضرر، فلا بد من طلب النصح من جهة مسؤولة بهدوء، ومن غير خصومة، ولعلهم يرشدون إلى حل وسط يحفظ للجميع حقوقهم، فالشكوى ليست إسقاطا لحقه، بل حماية لحقنا، ولا نطلب منه ترك العمل، بل ترتيبا يحفظ راحتنا وكرامته.
رابعا: لن نفرط في الخلق مهما اشتد الألم، ونحن -بحمد الله- لا نريد أن نكسر خاطر قريب، ولا جار، وله في القلب مكان، ولكن الجار الصادق هو من يسند أخاه حين يتعب، لا من يزيد عليه الكلفة، ولعل الله أن يجعل الكلمة الطيبة بداية لحل، ويجعل الصبر في قلوبنا بابا للفرج.
خامسا: الدعاء وسيلة لا تغلق، فالقلوب بيد الله، والرزق بيده، والتوفيق بفضله ﴿إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه كان بعباده خبيرا بصيرا﴾، فندعو له بالتوسعة، وندعو لأنفسنا بالفرج، ونسأل الله أن يجعل في هذا الضيق أجرا ورفعة.
سادسا: تدابير تخفف أثر الضرر قدر المستطاع:
- استخدام سدادات الأذن وقت الدراسة.
- التهوية بالمراوح أو الفلاتر متى أمكن.
- تقليل التواجد في الجهة الأقرب لمصدر الإزعاج إن تيسر.
نسأل الله أن يوفقكم لكل خير، وأن يكتب لكم الأجر، وأن يوفقكم في دراستكم، إنه جواد كريم، والله الموفق.