السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لدينا خادمة في المنزل، وغالبا ما تتصرف بصورة خاطئة، وأنا أصغر أفراد أسرتي، وهي قريبة مني في العمر نوعا ما، وعندما قدمت لأول مرة، كنت أتعامل معها كصديقة، ولكن مع مرور الوقت بدأت تتصرف معي بندية.
في إحدى المرات افتعلت نقاشا مع والدتي، ثم امتنعت عن الحديث معنا، وبعد عدة أيام، عادت للتعامل معنا كالسابق، لكنني شعرت بنفور منها، وكرهت الاستمرار في التعامل معها كما كان من قبل، فابتعدت عنها تماما، ولم أعد أطلب منها أي شيء يخصني، ولا أتحدث معها إطلاقا، حتى إنها امتنعت عن تنظيف غرفتي، ومع ذلك لم أشتك منها، ولم أطلب منها أي خدمة.
سؤالي هو: هل في هذا التصرف إثم أو إساءة؟ علما بأنها هي من قطعت التواصل معي أولا، وأنا بعد ذلك فضلت الابتعاد، وعدم التعامل معها كما في السابق.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ صوفيا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أختنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لك هذا الحرص الذي دفعك للسؤال، ونسأل الله أن يهديك ويهدي هذه الخادمة لأحسن الأخلاق والأعمال، فإنه لا يهدي لأحسنها إلا هو.
أسعدنا حسن تعاملك مع هذه البنت التي جاءت لخدمتكم، وساءنا أنها لم تفهم هذا المعروف، ولم تدرك هذا التعامل الراقي، فليس لها ولا لغيرها أن تضع رأسها مع رأس الوالدة، أو أن تعامل الوالدة بندية، أو تجادل الوالدة؛ لأن الوالدة أكبر سنا، ولكن يبقى الاحترام لهؤلاء العاملات في بيوتنا، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يطعم، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما لا يطيقون، فإن كلفتموهم فأعينوهم".
هذا المعيار وضعه النبي -صلى الله عليه وسلم- لملك اليمين، فكيف بالأجير التي ليس لنا إلا عملها، فهي جاءت بعقد تعمل كذا وتأخذ كذا، فعليها أن تلتزم بما عليها، ونحن نحسن التعامل معها.
مرة أخرى أحيي حسن التعامل الذي صدر منك، ونتمنى ألا يتغير، لأن الإنسان لا يغير أخلاقه من أجل أخلاق الآخرين، فاستمري على ما أنت عليه من الخير.
ولا مانع من أن تكون هناك حدود جديدة لعلاقة جديدة، وعليك أن تتواصلي معها:
- أولا: لتقوم بدورها، والمهام المكلفة بها.
- والأمر الثاني: حتى تخرجي من الحرج الشرعي، فإنه لا يحل لمسلمة أن تهجر أختها فوق ثلاث، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان, فيعرض هذا، ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام))، متفق عليه.
فكوني من خير الناس، وفوزي بهذه الخيرية، وأحسني التواصل معها، وعامليها معاملة جيدة، واعلمي أن المعاملة الجيدة معها تنعكس إيجابا على عملها، وعلى تعاملها مع الوالدة، وعلى تعاملك معها، ولا مانع مع هذا أن تعرف دور وجودها وحدودها، وأن هذه الأعمال ضمن الأعمال التي تسأل عنها، والتي لأجلها تأخذ الأجر المعين.
فمع أننا نرغب في أن تكون المعاملة جيدة لهؤلاء، لكن لا ينبغي أن تجعل المعاملة الجيدة والدلال الزائد لهم، خصما على المهام التي جاؤوا لأجلها، فإذا كانت الشريعة تحثنا على الشفقة عليهم، ومعاملتهم معاملة الإخوان، فنطعمهم مما نطعم، ونلبسهم مما نلبس، فإن الشريعة أيضا تأمرهم أن يتقنوا الأعمال، وأن يقوموا بالمهام التي كلفوا بها وتعاقدوا عليها على أكمل وجه.
ولذلك نقترح عليك أن تعيدي العلاقات إلى وضعها الطبيعي، ثم بعد ذلك لا مانع من أن تقومي أنت أو من هو أكبر منك من أهل البيت بإفهامها أن هذه العلاقات تقومون بها لأن الله أمر بها، ولكن ما ينبغي أن تكون مؤثرة على حسن الأداء، أو تزيل الفوارق حتى بين الكبار والصغار؛ لأن الشريعة تقول: "ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا"، فالوالدة وكل كبير لهم التوقير منك ومنها، وحق الصغار أن نعطف عليهم، وإذا كانت في سنك فالأخوة تقتضي أيضا الاحترام والتعاطف والرحمة.
والمسلمة تجعل كبيرة المسلمين أما، وصغيرة المسلمين بنتا، والتي في سنها أختا؛ فتعامل الكبيرة معاملة الأمهات، وتعامل الصغيرة معاملة الأخوات أو البنات، وهذا معيار شرعي أرجو أن تحرصوا عليه، ونسأل الله أن يعينك على الخير، وقد سعدنا بهذا السؤال، لكن نريد للعلاقة أن تعود؛ لأن القطيعة لا تفرح سوى عدونا الشيطان.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يؤلف القلوب، وأن يغفر الزلات والذنوب.