السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا طالبة، أعاني من مرض الاكتئاب، ولم يعد لدي اهتمام بالحياة، وأميل إلى الكسل في كثير من الأمور، ونادرا ما أضحك مع عائلتي.
بدأت حالتي عندما دخلت الصف الثانوي، والتزمت بالحجاب المحتشم، وتوقفت عن السلام على الرجال، وبدأت أرتدي القفاز، لكن والدتي كانت تغضب من هذا كله، وتشتمني وتسيء إلي بالكلام دائما، و-لله الحمد- كنت أصبر، وأرد عليها بالكلام الطيب، أو أختار السكوت وأتجاهل الأمر حتى لا أزداد ضيقا.
في إحدى المرات ذهبت إلى المدرسة، وكنت قد ارتديت القفاز قبل خروجي من المنزل، فقالت لي والدتي: أنت مقرفة، وكل ما تفعلينه مقرف، تأثرت جدا بذلك، وبكيت قليلا ثم سكت.
بعدها بدأت أقتنع أنني محسودة، وتحديدا من قبل زوجة عمي، ولهذا السبب ارتديت النقاب، وتوقفت عن السلام على الرجال الأجانب، لكنها كانت تخبر الناس أنني متشددة، وأن هناك فتاة تمليني بأفكار غريبة وأقوم بتطبيقها، والله يعلم أنني لا أصاحب أحدا من الفتيات، لأن أخلاق أغلبهن سيئة، فآثرت البعد.
كانت والدتي تقريبا كل ليلة من ليالي رمضان، تسبني وتشتمني بسبب ما أرتديه، وكنت أستغرب: لماذا كل هذا؟
أصبحت أعيش في المنزل صامتة، لا أتكلم إلا نادرا، وأقضي وقتي في قراءة الكتب الدينية، لكني بدأت أشعر بالضيق، إذ إن كل ما أفعله هو القراءة والتنظيف، وإذا رأيت أمي تفعل منكرا ونهيتها عنه، كانت تسبني وتستهزئ بي أمام الناس، بل وتؤلف مواقف غير حقيقية تصورني فيها وكأنني متشددة، فأصبت بالاكتئاب.
يا سيدي: أصبحت لا أبكي ولا أضحك إلا نادرا، وأعيش على هذا الحال، وحاولت الانتقال للعيش مع جدي، لكن الحياة هناك كانت متعبة، وحين أمرض أتعب أكثر.
أصبحت الآن أرغب بشدة في مغادرة المنزل بأي وسيلة، أو على الأقل أن أبتعد عنهم، ولا أجد من يواسيني، حتى هجمت علي أفكاري السلبية، وأصبحت تثقل علي نفسيا، أرجو منكم مساعدتي في إيجاد علاج فعال، لا يكون من المهدئات.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ن ك حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أرحب بك في إسلام ويب.
لا أريدك أبدا أن تتعجلي في تشخيص حالتك، أو أن تعتبري نفسك مصابة بمرض نفسي محدد؛ فأنت تعانين -في رأيي- من قدر من الاضطراب النفسي المرتبط بصعوبة التكيف، وعدم القدرة على التواؤم؛ وذلك بسبب عدم موافقة والدتك على منهجك الديني ومنهجيتك في التفكير، وهذا أمر قد يقع في بعض الأسر.
ومن الواضح أن النقاش بينك وبين والدتك لم يدار بشكل جيد وعلمي، وأرجو ألا تحملي على والدتك؛ فهي بلا شك تريد لك الخير، ولا تقصد غير ذلك، وإن كانت هنالك اختلافات في الأسلوب أو في المنهجيات.
طبعا موضوع الدين وموضوع التدين، خصوصا إذا نحا صاحبه منحى يراه بعض الناس نوعا من التشدد، قد يثير الكثير من الخلافات والنقاشات، بل قد يؤدي إلى عدم التوافق الفكري داخل الأسرة.
لذا أنصحك أولا: لا تعتقدي أنك مكتئبة، هذا مهم جدا؛ الأمر كله عدم القدرة على التوافق والانسجام، وهذا ربما يكون أدخلك في شيء من عسر المزاج البسيط.
أما ميلك للكسل: فهذا يتطلب منك تحسين الدافعية لديك، بأن تحسني إدارة وقتك، وتديري برنامجا يوميا واضحا تسيرين عليه بكل عزيمة وحيوية؛ وبهذه الكيفية -إن شاء الله تعالى- يتحقق لك التغيير الإيجابي.
أنا أرى أنك بحاجة إلى ما يسمى بالـ (Mentor)، أي مرشدة تربوية ودينية موثوقة ومؤهلة، تأخذ بيدك نحو المنهج الإسلامي الصحيح، وتكون لها مكانة عند والدتك لتشرح لها موقفك وتقرب وجهات النظر بينكما، وفي نفس الوقت، ستقدم لك هذه المرشدة خبرتها وتوجيهها، خاصة وأنت في هذه السن التي تحتاجين فيها إلى الإرشاد والاحتواء، فأرجو أن تلجئي لهذا الأسلوب.
وأما انشغالك -كما ذكرت- بقراءة الكتب وفي التنظيف: وهذا وإن كان حسنا من جهة الاطلاع والمعرفة، إلا إنه قد يشوش فكرك أحيانا إذا لم يضبط بأصوله الصحيحة، نعم الإنسان يطلع ويكتسب المعرفة، هذا أمر جيد، لكن الأمور يجب أن تؤخذ من أصولها بالصورة الصحيحة، لذا احرصي على أن تأخذي المعارف من مصادر موثوقة ذات منهج سليم.
فأرجو أن تبحثي عن مرشدة موثوقة ذات نهج راسخ معروف، لتكون واسطة خير بينك وبين والدتك، فيقع -بإذن الله- التفاهم والانسجام، ويزول ما بينكما من توتر.
وأوصيك أن تتقبلي والدتك كما هي، لا كما تتمنينها أن تكون، وأن تعامليها بالحسنى دائما، حتى وإن دار بينكما النقاش حول مسائل الدين؛ فكوني أنت صاحبة الصبر والحكمة والأناة، فهذا في غاية الأهمية.
بارك الله فيك، وجزاك خيرا، ونسأل الله لك التوفيق والسداد.