السؤال
السلام عليكم.
أبي كبير في السن، ونحن خمس بنات، وليس لدينا ولد، ونسكن بالريف، ونحن من المدينة أصلا، حيث إن أبي كان يعمل في محل الحلويات، وانتقلنا للسكن في الريف، وبعد أن أصبحنا شابات، تزوجت أختي الكبيرة من شخص في الريف، بينما تزوجت أختي الأخرى وسكنت في المدينة.
أما الثالثة فقد كانت تدرس هندسة معلوماتية، ولكن ذهبت للمدينة وحدها، وصعب الأمر عليها من دوننا، وقلنا لها تعالي، وأوقفي جامعتك، إلى أن ألتحق بالجامعة، ونذهب سوية، ولكنها تزوجت من شخص وسكنت في الريف؛ مما جعلني في حيرة كيف ستكمل دراستها معي في الجامعة؟ كيف سنعود إلى المدينة وهي متزوجة وتسكن في الريف؟ هل حكم علينا أن نبقى هنا؟ مع العلم أنه كان يجب أن تصبر لمدة سنة، ونذهب أنا وهي.
أنا الآن خائفة من هذا التشتت، أخاف من الضياع، لا أحب أن أفترق عنها، فهي لطيفة، ويؤثر عليها أي كلام، وبسبب هذا الشيء ضاق صدري، وزاد حزني، كنا نستطيع الذهاب بكل سهولة إلى المدينة أنا وأختي، لكن من سيصرف علينا إذا انتقلنا إلى المدينة؟ حتى ولو قمنا ببيع البيت، فإن تلك الأموال ستصرف وتنفد.
بعد زواج أختي أصبح الندم يقتلنا؛ ليتنا ذهبنا قبل زواجها كبقية الناس، فهل هذا قدرنا، ومكتوب علينا؟ هل هناك أمل أن نعود إلى مدينتنا جميعا؟ هل هذا الزواج قضاء وقدر، أم أن سوء تفكيرنا بالمستقبل هو السبب؟
عندما أشاهد الحزن بعين أختي المتزوجة أتمنى لو لم أكن موجودة في الحياة، أتمنى أن تدعوا لنا بأن نبقى مع بعضنا، ولا نتشتت أو نضيع، وأن تعود سعادتنا كما كانت وأجمل.
أرجوكم ما هو الحل؟ فأنا أتمنى أن الموت حتى أرتاح؛ فقد بلغ الألم الحناجر، وليتني لم أدع لأختي بالزواج. أرجوكم أرشدوني للصواب.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Fofeta حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابنتنا الغالية- في موقع إسلام ويب، حفظك الله، ورزقك سعة الصدر، وطمأنينة القلب، وجبر خاطرك، وخاطر أختك، وكتب لكما السعادة حيثما كنتما، وجمعكما دائما على الخير.
أول ما نريد أن نقوله لك هو: أن مشاعرك النبيلة تجاه أختك، وحرصك على لم الشمل، ومراعاتك لمشاعرها؛ كلها تدل على طيب أصلك، ونقاء قلبك، فجزاك الله خير الجزاء، وأقر عينك بقربها، أو بما هو خير لكما معا.
لكننا نود أن نضع أمامك حقائق شرعية، ونفسية، وواقعية، تساعدك على تجاوز هذه المرحلة:
أولا: الزواج قدر من الله، لا يرد، الزواج الذي تم لأختك، لم يكن خطأ بشريا، بل هو قضاء كتبه الله في اللوح قبل أن تخلقي لحكمة يعلمها الله، وقد قال النبي ﷺ:"كل شيء بقدر، حتى العجز والكيس"؛ فلا مكان للندم على ما مضى، ولا يصح أن تقولي: "ليتني لم أدع لها"؛ لأن الله هو الذي يقدر المقادير، وهو الأعلم بما يصلحنا.
ثانيا: نعم، الدنيا دار ابتلاء، ولكن لا تتركي مجالا للشيطان كي يضخمه؛ فالحزن الذي تشعرين به مفهوم ومشروع، لكنه لا يجوز أن يتحول إلى اعتراض على قضاء الله، أو إلى أفكار يائسة؛ فهذا خطر على دينك، وصحتك، وهو مما يريده الشيطان؛ ليفسد عليك رضاك، قال الله تعالى: ﴿ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله، ومن يؤمن بالله يهد قلبه﴾، وقال النبي ﷺ: "إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا"، فكوني كما أنت الآن: فتاة عاقلة، تدركين أن ما تمرين به ابتلاء عابر، وأن هناك من هم في عمرك ابتلوا بأشد من ذلك، ثم صبروا، وفتح الله لهم من الخير ما لا يتوقع.
ثالثا: التشتت ليس قدرا نهائيا، بل حال مؤقت يمكن تغييره، وعودتكم إلى المدينة ممكنة، ولكن لا تكون بالحسرة، بل بالتخطيط:
- ابحثوا في الأسرة عن فرص عمل، أو دعم، أو دراسة.
- فكروا في بيع البيت بطريقة تحفظ حقكم، وتضمن بديلا مناسبا.
- اجعلوا انتقال أختكم للدراسة مجددا هدفا،؛ فهي ما زالت شابة، والفرص قائمة، وتذكري دائما: "ما أغلق الله عليك بابا، إلا ليفتح من بعده أبوابا أوسع."
رابعا: أختك لا تزال قريبة، ويمكن أن تتغير الظروف؛ فكثير من النساء تزوجن في أماكن نائية، ثم انتقلن مع أزواجهن للمدن بعد عام أو اثنين، أو أكملن دراستهن بنظام مرن، فلا تحكمي على المستقبل الآن، بل اجعلي الدعاء طريقك: "اللهم اجعل هذا الزواج مباركا، واكتب لها سبلا جديدة للعلم والخير، واجمعنا على طاعتك في مكان يرضيك."
خامسا: خطوات عملية، واقتراحات واقعية:
- اجلسوا كعائلة، واكتبوا خطة واضحة: ما الذي تحتاجونه للعودة إلى المدينة؟ كم المال المطلوب؟ هل هناك من يمكن أن يدعمكم؟
- اسألي الجامعة عن فرص العودة للدراسة لأختك، أو التحويل إلى نظام انتساب، أو أونلاين.
- تواصلي مع أختك بلغة الدعم لا اللوم، وقولي لها: "نحن معك، وزواجك ليس نهاية لأحلامك، بل بداية مرحلة سنخوضها معا -بإذن الله-".
وفي الختام ندعو لك: اللهم اجبر كسرها، وأبدل حزنها سكينة، وارزقها قرب أختها، ويسر لها ولأهلها كل خير، اللهم إن كانت الخيرة في رجوعهم إلى المدينة، فسهل لهم ذلك من غير فتنة، وإن كانت الخيرة في بقائهم، فاجعل لهم فيها فتحا وبركة، اللهم اكتب لها السعادة في دينها ودنياها، وارزقها رضاك، وجمل قلبها بالصبر والرضا.
والله الموفق.