السؤال
السلام عليكم.
لدي طقوس أمارسها يوميا، أو شبه يومي: حيث أقوم بغسل رجلي وحذائي بعد العودة من الخارج، أو حتى من المسجد، وهذا الطقس أمارسه يوميا على حسب خروجي للشارع، وهو لا يقل عن مرة يوميا.
وكلما وطأت رجلي الأرض قمت بغسلها؛ لأن الشارع به نجاسات، أراها ولست متشككا، كما أقوم بغسل يدي إن سلم علي شخص لا يصلي، حتى إن قام طفل أو أي شخص بلمس هاتفي، فإنني أقوم بغسل الهاتف بالماء، وإن جلس طفل، أو أشخاص بعينهم، فإنني أقوم بغسل الشرشف الذي أنام عليه، وعند استخدام الريموت، وفتح مفاتيح الكهرباء، والتكييف، أقوم بغسل يدي قبل أن أستخدم هاتفي، كما أقوم بغسل النقود الورقية كلما مسكت أموالا، وأقوم بغسل ملابسي بعد العودة من مشوار استخدمت خلاله المواصلات.
ولو جلست في مقهى، أو مطعم، أو مقهى على الشارع، فإنني أغير ملابسي، وأغسلها، وأخشى أن يؤثر ذلك على عقلي، ويفقدني الصواب والاستبصار.
لقد تخلصت من وسواس الصلاة، ونية الصلاة، ووسواس الريح، ووسواس الوضوء -بفضل الله-، ولكن هذا الوسواس يعقيني بصورة كبيرة جدا؛ فهو يتعبني عند السفر، والعمل، والمشاوير.
باختصار: باحة منزلنا، والشارع، وسرير النوم، ومقاعد وكراسي الجلوس، وأشياء الآخرين: كهواتفهم، وملابسهم، وأغراضهم، كلها نجسة بالنسبة لي، وبالأخص البيوت التي يوجد بها أطفال، فأنا أحكم عليها بالنجاسة، وخصوصا سرير النوم، ولو أن طفلا لمس هاتفي فإني أغسل الهاتف.
وشكرا لكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Omer حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أرحب بك في استشارات إسلام ويب، وأسأل الله لك العافية، والشفاء، والتوفيق، والسداد.
أنت لديك استشارات سابقة في إسلام ويب، لكن أعتقد أنها المرة الأولى التي تسترسل فيها في الحديث عن الوساوس القهرية، ووساوسك -أيها الفاضل الكريم- هي وساوس أفعال، وهي قهرية في المقام الأول، وهذه يمكن علاجها، لكنها تحتاج لجهد علاجي كبير؛ فهي ليست مثل الأفكار، أو الأسئلة الوسواسية العابرة، فهذه الأخيرة يسهل علاجها، وخاصة عن طريق الأدوية.
فيا أيها -الفاضل الكريم-، إن كان بالإمكان أن تعرض نفسك على طبيب نفسي متخصص في الوساوس القهرية، فهذا سيكون أمرا حسنا جدا؛ إذ سيضع الطبيب الخطة العلاجية، ويجعلك تطبقها بعد ذلك مع الأخصائي النفسي، وإن لم يتوفر طبيب نفسي، أو أخصائي في منطقتك، فيمكنك الاستعانة بأخ، أو صديق تثق فيه، ويهتم بمثل هذه الأمور؛ ليكون معينا لك، ويساعدك بما نسميه المعالج المساعد.
والعلاج السلوكي يقوم على مبدأ التعرض مع منع الاستجابة؛ أي أن تعرض نفسك لمصدر وسواسك، دون أن تتبعه بسلوكيات التعويض، ودون أن تكافئ الوسواس.
على سبيل المثال: حين تعود من الخارج، اطلب من صديقك أن يكون معك، ويمنعك تماما من غسل حذائك أو قدميك، رغم شعورك بالقلق الشديد، لكن مع التكرار سوف يقل هذا القلق شيئا فشيئا.
هذه التمارين يجب أن تكرر، ليست مرة واحدة، بل أربع، أو خمس، أو عشر مرات، وسوف تتحسن كثيرا، خاصة أننا سوف نرشدك نحو الأدوية التي تخفف عليك القلق، وتجعل ممارساتك السلوكية أكثر سهولة.
كذلك مثلا: لا تغسل قدمك حين تطأ الأرض، حتم على ذلك، واطلب من صديقك أن يمنعك من ذلك، بل اجعله قدوة لك بأن يضع قدمه حافية على الأرض، ولا يغسلها، وأنت تتبعه، وهو في نفس الوقت يشجعك ويثبتك.
هذه التمارين ممتازة جدا، وفعالة جدا في علاج مثل هذه الحالات، وبدون هذه التطبيقات يصعب علاج هذه الحالات، لا بد أن أكون واضحا معك.
ويجب أن تقوم أيضا بما نسميه: بالتحليل السلوكي؛ أي أن تكتب جميع الوساوس التي تعاني منها في ورقة، ثم تبدأ بتطبيق التعرض ومنع الاستجابة لكل واحدة منها، وفي ذات الوقت عليك -أيها الفاضل الكريم- أن تمارس نوعا من الإعمال الفكري السلوكي؛ بأن تحقر الفكرة تماما، فمهم جدا أن تتجاهلها.
وأن تطبق كذلك تمرينا آخر نسميه (صرف الانتباه)؛ كأن تقول لنفسك: "بدلا من أن أغسل حذائي حين أعود من الخارج، سأقرأ صفحتين من القرآن الكريم"، وتقوم بالفعل بذلك، بدلا من أن تغسل رجليك وحذائك، اقرأ صفحتين من كتاب الله تعالى؛ فهذا فيه نوع من صرف الانتباه، أو قم بالتفكير في شيء جميل سوف تقوم بأدائه، وهكذا.
أيضا تمرين آخر نسميه (التنفير)؛ فمثلا أنت قدمت من الخارج، أو قمت بلمس باب المنزل، وبدلا من أن تغسل يديك، قم بالضرب بها برفق على سطح صلب، أو اضغط على يدك بقوة على سطح قاس حتى تشعر بألم خفيف؛ فهذا الربط بين الفعل الوسواسي والألم سيضعف الوسواس بمرور الوقت، وكرر هذا التمرين عشرين مرة متتالية.
فيا -أخي الكريم-، هذه التمارين كلها مهمة، وهي تمارين مبنية على أسس علمية، لكنك قطعا تحتاج للمعالج المساعد، وهذا ضروري جدا، ولنا تجارب -بفضل الله- واسعة جدا في هذا السياق، وهنالك نجاحات كبيرة قد حدثت.
أما من ناحية العلاج الدوائي: فأنا لا أعرف إن كنت قد تناولت علاجا دوائيأ أم لا، لكنك بحاجة فعلا للعلاج الدوائي، والعلاج الدوائي سوف يساعدك على كسر حدة التحفيز، والاندفاع الوسواسي، وتمنحك قدرة أكبر على الصمود في مواجهة الوساوس، وهذه ميزة كبيرة جدا في هذه الأدوية؛ إذ تعمل على تغيير بعض الموصلات العصبية في الدماغ، وخاصة مادة الـ (سيروتونين - Serotonin).
من أفضل الأدوية لهذا الغرض دواء يسمى: (بروزاك، Prozac)، والذي يسمى: (فلوكسيتين، Fluoxetine)، تبدأ في تناوله بجرعة 20 ملغ يوميا لمدة أسبوعين، ثم تجعلها 40 ملغ يوميا -أي كبسولتين-، لمدة شهر، ثم تجعلها 60 ملغ يوميا -أي ثلاث كبسولات-، لمدة أربعة أشهر، وهذه المدة ليست طويلة، بل مدة معقولة، وهذه هي الجرعة العلاجية الصحيحة، بعد ذلك -بعد انقضاء الثلاثة الأشهر- خفف الجرعة إلى كبسولتين يوميا، لمدة ستة أشهر، ثم كبسولة واحدة يوميا، لمدة ستة أشهر أخرى، ثم كبسولة، يوما بعد يوم لمدة شهر، ثم توقف عن الدواء.
كما يوجد دواء آخر يسمى: (ريسبيريدون، Risperidone)، أريد أن تتناوله بجرعة 1 ملغ ليلا لمدة شهر، ثم 2 ملغ ليلا لمدة شهرين، ثم 1 ملغ ليلا لمدة ثلاثة أشهر، ثم تتوقف عنه.
هذه أدوية ممتازة وفعالة وآمنة -بإذن الله-، وغير إدمانية، ونسأل الله تعالى أن ينفعك بها.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.