السؤال
السلام عليكم.
اكتشفت أني منافقة في هذا العمر، واستبدلت من ثلتي المؤمنة، ورجعت بمرارة الخزي، وألم الوحدة، ثم كان تشخيصي بمرض الفصام، ثم تكالبت علي الوساوس في كل شيء: في الطهارة، والعقيدة، وفي كل شيء، حتى الفتاوى، أشك هل وقع فهمي لها صحيحا أم لا؟
أنا لا أريد منكم شفقة لما أصف من حالي، أنا لست مظلومة، بل تعدى ظلمي بعد نفسي لغيري، ونسيت نفسي حتى زادت أمراضي، وأخشى الشك في الدين والكفر.
فتح الله لي سبيلا؛ فقد لبست النقاب، وعملت محفظة قرآن للأطفال، ومن كثرة التكرار، استأنفت حفظ القرآن، وقد أقرأ في كتاب تفسير، أو حديث، ولكن آفتي هي كسلي، وجهدي قليل، ولا أجد عزما، وإرادة قوية، مع علمي أنني على حافة الخطر، ولا أسلم من وسوسة في نية، أو في عقيدة، أو في آية، أو في حديث، أو في طهارة، ولا أسلم من شعور بالخزي من قوارع القرآن التي تصف ما مررت به، وأن الله يميز بين الخبيث والطيب، من رياء، وعجب، وغيره.
أنام كثيرا أيام الإجازات، وقد أرفه عن نفسي بعد ساعات العمل بمشاهدة التلفاز، وأضعف فتجذبني متابعة أحداث مسلسل، فأتابع حلقة مثلا، ولا أزال أقول سأقرأ في كتاب كذا غدا، وسأشاهد درس كذا، ولا أفعل إلا قليلا، أزعم أني سأتوب، وأستغفر، ولكن أعود.
بعد تشخيصي بمرضي أخذ أخي مالي، حتى غلب على ظني أنه لا يخرج زكاته، وكانت أمي تسعى لأتزوج، وأحسب أنه هو من جعلها تتقاعس، ولا أقول إني أريد الزواج، حتى أنا يئست من هذا، وكان يقول لي صراحة: أنت لن تحاسبي، أو شيء كهذا.
بداخلي كم من مشاعر الغضب من هذا التحكم في حياتي، وهذا التحقير لي، وشعور بالوحدة؛ فكل له أهله، وقد يخافون كذلك مني أن أحسد أولادهم، وشعور بفقد الحب، ولم يعد لي إلا أمي، وشعور أني سأفقدها، فلا أجد معي إلا من أشعر معهم بالجفاء، ولم أعد أجد لي عند أي أحد قبولا، وكل ذلك يترجم لعصبية شديدة، وردود فعل عنيفة، حتى أمي وإخوتي يرمونني بالغل!
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ هبة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نرحب بك في إسلام ويب، وقد اطلعت على رسالتك بكل تفاصيلها.
وأؤكد لك -أيتها الفاضلة الكريمة- ومن خلال النظرة العميقة في حالتك، أنك مدركة تماما، بمعنى أنك مرتبطة بالواقع، وهذه نقطة مهمة جدا؛ لأنها تفرق بين ما هو ذهاني (عقلي)، وما هو قلق، أو وسواس، أو اكتئاب.
التشخيص الذي وضع لك مبكرا بالفصام قد لا يكون دقيقا -مع كامل احترامي لمن قال بهذا التشخيص-، لكن كثيرا من حالات الوسواس الشديدة -أو ما يسمى بالوسواس مع ضعف الاستبصار- قد تشخص على أنها فصام، أو ربما كانت حالتك في ذلك الوقت بالفعل نوبة فصامية، ثم شفاك الله منها، والآن تظهر هيمنة الوسواس.
وسواسك بالفعل هو من النوع الذي يجعلك أحيانا تفكرين بصورة متناقضة، وهذا قطعا مزعج، ولكنه ليس خطيرا، أو مستحيل العلاج، وهنالك نموذج تشخيصي آخر يسميه بعض المختصين: (الفصام الوسواسي)، أو (الوسواس الفصامي)، وقد تكون حالتك قريبة من هذا النموذج أيضا.
عموما، الوضع الأمثل -أيتها الفاضلة الكريمة- هو أن تكوني تحت الإشراف المباشر، لطبيب نفسي مؤهل وثقة؛ لأن العلاج السلوكي والحوار السلوكي يعتبران مفيدان جدا في حالتك.
وأهم نصيحة أقدمها لك: ألا تسترسلي مع هذه الأفكار، مهما كانت هذه الأفكار ملحة، ومسيطرة، ومتسلطة، حاولي قدر الإمكان أن تتجاهليها، وأن تحقريها، وأن تصرفي انتباهك عنها، من خلال الإتيان بفكرة مخالفة، نعم، هذه وسيلة علاجية، ضرورية، ومهمة جدا، وهي تلخص لنا جوهر العلاج السلوكي: (التجاهل، والتحقير، مع صرف الانتباه)، فأرجو أن تحرصي على هذا المبدأ العلاجي السلوكي الرصين.
وأيضا حاولي أن تتجنبي الفراغ؛ فالفراغ الذهني، وكذلك الفراغ الزمني يجلب الوساوس، ويزيدها، والوسواس كثيرا ما يصاحبه أعراض عسر المزاج، أو اضطراب المزاج، أو الشعور بالنفاق كما ذكرت، وأيضا الاضطراب في فهم العقيدة، وكل ذلك نتاج للوسواس القهري الشديد نسبيا.
سيكون من الجيد لك أيضا أن تتناولي أدوية مضادة للوساوس، وحالتك تحتاج لدواءين: دواء رئيسي، ودواء داعم، ومجرد مقترح أرى أن الدواء الرئيسي هو: (فلوكستين، Fluoxetine)، والذي يعرف تجاريا باسم: (بروزاك، Prozac)، ويوجد أيضا منتج مصري ممتاز اسمه: (فلوزاك، Flozac).
جرعة البروزاك أو الفلوزاك هي: أن تبدئي بـ 20 ملغ (أي كبسولة واحدة يوميا)، تؤخذ بانتظام لمدة أسبوعين، ويفضل تناولها نهارا، وبعد انقضاء الأسبوعين، اجعلي الجرعة كبسولتين يوميا (أي 40 ملغ) لمدة شهر، ثم ثلاث كبسولات يوميا (أي 60 ملغ) لمدة أربعة أشهر، وهذه هي الجرعة العلاجية الصحيحة.
بعد مرور أربعة أشهر، خففي الجرعة إلى كبسولتين يوميا لمدة ستة أشهر، ثم كبسولة واحدة يوميا لمدة ستة أشهر أخرى، ثم كبسولة يوما بعد يوم لمدة شهر، ثم يمكنك التوقف عن الدواء، مدة العلاج ليست طويلة، والجرعات هي جرعات سليمة، وليست كبيرة، ويتميز الفلوكسيتين بأنه آمن، وفعال، وغير إدماني، ولا يزيد الوزن، ولا يؤثر على الهرمونات النسائية.
أما الدواء الداعم فهو (ريسبيريدون، Risperidone)، وأريدك أن تبدئي في تناوله بجرعة 1 ملغ ليلا، لمدة شهر، ثم 2 ملغ ليلا، لمدة شهرين، ثم 1 ملغ ليلا، لمدة شهرين آخرين، ثم تتوقفين عنه، مع الاستمرار على الفلوكسيتين بنفس الطريقة والكيفية التي ذكرتها لك.
طبعا ما ذكرته لك من أدوية يعتبر علاج الخط الأول، وهناك ما يسمى بالخط الثاني، والثالث من العلاجات، لكن هذه لا بد -أي الخط الثاني والثالث- أن تكون تحت الإشراف المباشر، من طبيب متخصص.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.
_______________________________________________
انتهت إجابة الدكتور/ محمد عبد العليم -مستشار أول الطب النفسي وطب الإدمان-
وتليها إجابة الشيخ الدكتور/ أحمد الفودعي -مستشار الشؤون الأسرية والتربوية-.
_______________________________________________
مرحبا بك -أختنا الكريمة- في استشارات إسلام ويب.
أولا: نسأل الله تعالى أن يمتعك بالصحة والعافية، وأن يبلغك آمالك، ويكتب لك السعادة، ويصرف عنك كل مكروه.
ثانيا: ما دمت قد شخصت حالتك المرضية، فنحن ننصحك بأن تستمري في تناول الأدوية، والمتابعة على العلاج لهذا المرض تحت إشراف الأطباء المختصين، وقد أفادك الدكتور محمد عبدالعليم بما ينفعك -إن شاء الله تعالى-.
أما من الناحية الروحية، الدينية، فنحب أن نفيدك بما ينفعك -إن شاء الله تعالى- في النقاط التالية:
أولا: ينبغي أن تتذكري -أختنا العزيزة- أنك تعيشين نعمة عظيمة من نعم الله تعالى، وهي نعمة الوجود في هذه الدنيا؛ فقد وجدنا هنا لنستعد ونعمل للدار الآخرة، التي هي دار الإقامة الدائمة، والحياة الحقيقية، والناس هناك سعداء وأشقياء بحسب ما كانوا يعملون في هذه الدار، ولذا نصيحتنا لك أن تنفضي عن نفسك هذه المشاعر السلبية التي تقيد حركتك، وتمنعك من اكتساب الأعمال التي تنفعك في آخرتك.
الوساوس ينبغي أن تجاهديها بقدر استطاعتك؛ باتباع الأسباب الروحية، والأسباب المادية الحسية لقطعها، أما الأسباب الروحية، فهي الوصايا النبوية لمن ابتلي وأصيب بشيء من الوساوس، وذلك يتلخص في أمور ثلاثة:
أولها: تحقير هذه الوساوس، وعدم الاعتناء، وعدم الاكتراث لها، وذلك يتمثل في أن ينصرف الإنسان عنها حين تداهمه، ليشتغل بأي شيء آخر من أمر الدين، أو من أمر الدنيا، ولا يستسلم للاسترسال مع هذه الوساوس.
ثانيها: الإكثار من الاستعاذة بالله تعالى كلما داهمتك الأفكار الوسواسية.
والوصية الثالثة: الإكثار من ذكر الله تعالى، وهذا أنت قد بدأت الطريق المبارك حينما قررت أن تنشغلي بالقرآن الكريم حفظا، وتعلما، وتعليما، وتفسيرا، وهذا فضل عظيم تفضل الله تعالى به عليك، فينبغي أن تحافظي عليه.
ولا تعملي شيئا بمقتضى الوسوسة؛ فلا تعيدي الوضوء، ولا تكرري مرات في هذا الوضوء بسبب الوساوس، وكلما داهمتك الوساوس أعرضي عنها، وتعاملي مع الأمور بشكل عادي، واعتبري أنك أديت العبادة على الوجه الصحيح، والله تعالى يرضى منك هذا ويقبله، ويثيبك عليه، بل ويحذرك من اتباع الشيطان بالعمل بالوساوس، كما قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان} وباتباعك لهذا المنهج، ستتغلبين -بإذن الله تعالى- على مشكلة الوساوس، وتستريحين من شرها.
أما إنجازاتك في حياتك: فلا ينبغي أن تثقلي على نفسك بكثرة الأمنيات التي تريدين تحقيقها، بحيث تعجزين عن بلوغها، كوني واقعية في وضع برنامج يتناسب مع قدراتك، ومع أوقاتك، ومع حالتك الصحية، وقليل دائم خير من كثير منقطع.
رتبي وقتك، بحيث تكون أعمالك متنوعة؛ ففي أوقات نوافل الصلاة حافظي على النوافل، وخاصة الرواتب، وفي أوقات أذكار النوم والنهار والأحوال المختلفة -كأذكار الصباح والمساء، وأذكار النوم والاستيقاظ، والأذكار بعد الصلوات- حافظي عليها، وحاولي طلب العلم بأن تنظمي وقتا يسيرا تستطيعين أن تحصلي فيه ولو شيئا يسيرا من العلم، سواء في تفسير القرآن، أو في تعلم الفقه، أو نحو ذلك من العلوم النافعة.
وبهذا ستشعرين بالإنجاز، وسيتسلل الفرح والسرور إلى قلبك حين تشعرين بأنك كل يوم تتقدمين خطوة، وتستفيدين شيئا جديدا، ولا بأس بأن ترفهي عن نفسك، وتريحي نفسك قليلا بالشيء المباح من المشاهدة، أو الاستماع، ونحو ذلك.
أما ما ذكرته بشأن الزواج، وتصرف أخيك معك: فننصحك بأن تكوني قوية، متماسكة، وأن تشعري الآخرين بأنك قادرة على إدارة شؤونك؛ فهذا شيء يكفله الشرع لك، ولا يعطي أحدا حق الولاية على مالك؛ فأنت مستقلة ماليا، ومن حقك أن ترفعي أمرك إلى القضاء الشرعي إذا منعت من التصرف في أموالك.
وخذي بالأسباب التي تعينك على الزواج؛ كالتعرف إلى النساء الصالحات، والفتيات الطيبات، واعلمي أن المقدر سيكون لا محالة، ففوضي أمورك إلى الله تعالى، وكوني راضية بقضائه وقدره؛ فالله تعالى يختار لك ما هو خير لك، وقد قال سبحانه وتعالى: {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون}.
نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يصرف عنك كل سوء ومكروه، وأن ييسر لك الخير، ويقدره لك.