السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أرجو قبول مشكلتي، رغم أنها قد تبدو غريبة بعض الشيء، وأتمنى الحصول على مساعدة ضرورية، فمشكلتي تضرني في ديني ودنياي، ولا أستطيع بسببها العمل أو الزواج، أو الاستفادة من متاع الحياة الدنيا، ولا أعلم ما الحكمة من ابتلائي بهذه المعصية.
منذ سبع سنوات، بدأت أرى أحلاما تظهر فيها نساء، ولم أكن أعلم في البداية أن من يتحكم في أحلامي يتجسس على المسلمين ويظهرهم لي في الحلم، لكن في يناير 2024، بدأت الأعراض تظهر بوضوح، حيث أصبحت أسمع صوتا مزعجا داخل رأسي يقرأ أفكاري، وأشعر بطنين أو اهتزاز في أذني، ويريني نساء عاريات، بالإضافة إلى هلوسة لمسية، ويتحكم في طبيعة أحلامي، بل يحدث طنينا أو اهتزازا في الأذن أثناء النوم.
ذهبت إلى العديد من الشيوخ؛ منهم من أخبرني: إنه سحر مرشوش، ومنهم من قال: إنها وساوس فقط، ومنهم من كان معه خدمة (من الجن)، وأخبرني أنه سحر مدفون، بل وقام باستخراجه، وكان مكتوبا فيه اسمي واسم والدتي وأسماء إخوتي.
مع العلم أن والدتي وإخوتي يعانون من أحلام مشابهة إلى حد كبير لأحلامي.
قمت بالاستماع إلى الرقية الشرعية، ولم تزل الأعراض، كما قمت برقية نفسي، والاستحمام بماء قرئ عليه القرآن، ولكن الأعراض ما زالت مستمرة، فهل يمكن فعلا أن يكون هناك من يتجسس على المسلمين من خلال الأحلام، أم أن كل هذه الأمور مجرد معتقدات خاطئة وغير واقعية؟ مع العلم أنني أؤمن بها وأعتقد أنها حقيقية، فأرجو تقديم تشخيص مناسب لتلك الأعراض، وما هي سبل العلاج المتاحة؟
جزاكم الله خيرا، ونفع بكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أيها الأخ الكريم-، ونسأل الله أن يشفيك شفاء تاما لا يغادر سقما، وأن يبدل ضعفك قوة، وخوفك طمأنينة، وحيرتك بصيرة.
ما وصفته يدل على معاناة نفسية، امتدت لسنوات، ومرت بعدة مراحل، وقد أحسنت بالسؤال والبوح، فهذه أول خطوة على طريق الشفاء.
وسنجيبك من خلال ما يلي:
أولا: تشخيص الحالة: الأعراض التي ذكرتها تتوزع على جانبين:
1- أعراض ناتجة عن أذى غير مرئي، كالجن والسحر، وتكون أحلام متكررة فيها نساء وصور فاحشة، شعور بوجود تأثير خارجي في النوم أو اليقظة، وإشارات من الرقاة إلى وجود سحر أو مس.
2- أعراض إدراكية نفسية:
سماع صوت داخلي يقرأ الأفكار، خيالات بصرية وجنسية قهرية، إحساس بطنين أو اهتزاز في الأذن، وهم التجسس، أو قراءة العقل، استمرار الأعراض رغم الرقية لفترة طويلة.
كل ذلك يشير إلى تداخل بين احتمال وجود أذى غير مرئي، واضطراب نفسي إدراكي خفيف أو متوسط، مثل: اضطراب الوسواس القهري المتقدم، أو اضطراب إدراكي وظيفي، وهذا لا يقلل من معاناتك، ولا يطعن في إيمانك، بل هو مرض له أسبابه، يبتلى به كثير من الناس، ويعالج -بإذن الله- بأدوية نافعة .
ثانيا: هل ما تراه خيالات أم تجسس حقيقي؟
من الناحية الشرعية: الجن لا يطلعون على الغيب، ولا يملكون سلطة التجسس على الناس كما تتخيل، وما تشعر به من رؤى النساء، أو ما يبدو لك من مراقبة الناس هو خيال موهم، وربما تصوير شيطاني لزرع الحزن والرعب في نفسك، قال تعالى:{إن كيد الشيطان كان ضعيفا}، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-:"إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم".
فهو يلقي الخواطر، ويزين الصور، ولكن لا يقرأ العقل، ولا يتجسس على الآخرين عبرك، وهذا الاعتقاد أحد أوجه الخلل الإدراكي، ويعززه الانعزال والقلق وتراكم الوساوس، فالواجب الشرعي هنا: ألا تصدق الخيالات، ولا تسلم لها، بل تقاومها بالعقيدة والذكر والانشغال.
ثالثا: العلاج الشامل، وهو:
1- العلاج الشرعي: (رقية + تحصين + توحيد)، واقرأ يوميا الرقية الشرعية وخاصة: الفاتحة 7 مرات، آية الكرسي 3 مرات، خواتيم البقرة، المعوذات صباحا ومساء، سورة البقرة كاملة كل ليلة، أو الاستماع إليها إن استطعت، استعمل زيت الزيتون المقروء عليه بمسح الرأس والصدر قبل النوم.
ردد هذا الدعاء كل يوم: "اللهم إني عبدك، ابن عبدك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك... أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي".
2- العلاج النفسي، وهو ضروري جدا: عليك بمراجعة طبيب نفسي ثقة ومحترم؛ لأن ما تراه خيالا قد يكون له تفسير علمي كاضطراب إدراكي خفيف، وهو قابل للعلاج بأدوية خفيفة وآمنة، وبتدريب سلوكي، لا يؤثر على إيمانك، ولا تقلق من الذهاب للطبيب، فالصحابة كانوا يشتكون من الوساوس، ولم يكن يعاب عليهم ذلك، بل كان النبي - صلى الله عليه وسلم- يقول: "ذاك صريح الإيمان".
3- العلاج العملي اليومي:
- الخروج اليومي للمشي، وهو يفيد في تفريغ التوتر وتحسين النوم.
- المشاركة في أنشطة بسيطة، وهو يفيد في منع العزلة، وتغذية العقل بالواقع.
- تقليل البحث عن السحر والمس، وهو يفيد في إغلاق باب التوهم والتضخيم.
- اختيار صديق صالح، وهو يقوي معنوياتك ويذكرك بالله.
رابعا: وصية قلبية ونصيحة أخوية: أنت أخ عزيز ابتلاك الله ليرفعك، وليطهرك، وليقربك إليه، فلا تجعل الشيطان يربطك بالوهم، بل اربط نفسك بالله، إذا داومت على الذكر، وأخذت بالعلاج النفسي، وواجهت الخيال بالعقيدة، فستبدأ الخيالات بالضعف، ثم بالتلاشي، ثم تصبح حرا -بإذن الله-.
وختاما نوصيك بما يلي:
- لا تسلم قلبك للخيال.
- لا تترك الطبيب النفسي، فهو ضرورة وليس عيبا.
- لا تترك الرقية، لكن اجعلها باب رجاء لا باب يأس.
- لا تبق وحدك طويلا، فإن العزلة وقود الوهم.
وفقك الله ورعاك.