السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شاب في السابعة عشرة من عمري، بدأت معاناتي مع الوسواس منذ حوالي ستة أشهر، لكنها لم تكن وليدة اللحظة.
فمنذ صغري، راودتني وساوس متعلقة بأفكار جنسية، لكنها لم تكن مسيطرة علي، غير أن الحال تغير مؤخرا، فقد ظهرت علي وساوس شديدة تتعلق بأفكار منحرفة تجاه الأطفال، ومع أنها كانت مؤلمة لي، فقد دفعتني إلى مزيد من الالتزام، ومحاولة التقرب من الله، والابتعاد عن المعاصي.
لكن بعد مدة قصيرة، تنوعت الوساوس؛ بدأت بأفكار في الصلاة، تشككني أنني أعبد غير الله، ثم جاءت وساوس متعلقة بالحيوانات، ثم وساوس تلزم بالزواج وترك الدراسة.
كل هذا بدأ يدمر صلاتي وأخلاقي، ويضعف عبادتي، حتى إنني وصلت إلى حد التفكير بالكفر ليلا ونهارا، بل أشعر أحيانا أنني قد كفرت فعلا.
ثم عاد الوسواس الأقسى: أفكار جنسية منحرفة تجاه الحيوانات، تشككني بأني قد فعلت هذا الفعل القبيح، مع أني متأكد تماما أنني لم أفعله، ومع ذلك يظل الشعور يطاردني، حتى أظن أنني كاذب أو مجرم، وأشعر بالخوف الدائم من العقوبة أو الفضيحة.
أصبحت هذه الأفكار تتغلب على عقلي وشهوتي، وأصبحت لا أفكر بالنساء أبدا، بل بهذه الوساوس القذرة فقط، وأحس أنني نجس طوال الوقت؛ مما يدفعني إلى الوقوع في العادة السرية، وأدى ذلك إلى تدهور في دراستي، وابتعادي عن طاعة الله.
ومع أن الله قد من علي بستره، فلم أقع في الفواحش رغم قوة الدافع، إلا أن الوسواس أنهكني، وسرق مني لذة العبادة، وأضعف همتي، وجعلني أتكاسل حتى عن الصلاة، ولم يعد الذنب يوجعني كما في السابق، بل أصبحت لا أبالي أحيانا، وهذا يرعبني.
أعيش في شعور دائم بالذنب، والخوف، وكره النفس، وأتمنى الخلاص، ولكني لا أعرف كيف.
أريد أن أتيقن يقينا أنني لم أرتكب تلك الفواحش، وأسترجع طهارتي وصفاء قلبي.
حتى حين كتبت هذه الكلمات، راودني شعور بأنني مراقب أو سأسجن، وتسلل إلي وسواس جديد في اللحظة نفسها.
لقد بلغ بي التعب مبلغا لا يطاق، وكل ما أعانيه اليوم هو تلك الشهوات والوساوس التي لا ترحل.
أرجوكم، دلوني كيف أنقذ نفسي، كيف أستعيد توازني، وأعود إنسانا سويا نقيا كما كنت؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نرحب بك في إسلام ويب، ونسأل الله لك الصحة والعافية.
بالفعل، أنت تعاني من وساوس متعددة، وكما تفضلت فيها الطابع الجنسي المقزز، وهذه الوساوس يمكن علاجها؛ لأنها في معظمها وساوس فكرية، وأنا أنصحك بأن تذهب لمقابلة طبيب نفسي في منطقتك، وعلى وجه السرعة؛ حيث سيصف لك دواء مضادا للوساوس، وفي ذات الوقت سيقدم لك بعض التوجيهات السلوكية المعرفية.
ومن ناحيتي أقول لك الآتي:
- قم بكتابة هذه الوساوس في ورقة، واجعلها ضمن مجموعات، تبدأ من أضعفها وتنتهي بأشدها، ولتكن خمس مجموعات مثلا، وبعد ذلك حاول أن تطبق عليها تمارين سلوكية، بكل جدية وانضباط.
- اجلس في غرفة هادئة، وابدأ بتطبيق ثلاثة تمارين على كل مجموعة من الأفكار الوسواسية:
1. التمرين الأول: التحقير بالتجاهل، ومن خلال هذا التمرين قم بمخاطبة الوسواس مباشرة قائلا: "أنت وسواس سيء، أنت كريه، أنا لن أهتم بك، أنا أحقرك، أنا أتجاهلك"، وهكذا، وتكرر هذا عدة مرات بصوت واضح وحازم، ثم تنتقل للتمرين الثاني.
2. التمرين الثاني: الإتيان بفكرة مضادة، وذلك بأن تستحضر فكرة إيجابية وجميلة مضادة للفكرة الوسواسية، كأن تتخيل نفسك وأنت تؤدي العمرة في الحرم المكي، أو تخيل يوم تخرجك من الجامعة، أو تخيل يوم زفافك، أو تخيل أي موقف سار، ودع هذه الفكرة تستبدل الفكرة الوسواسية، ثم انتقل للتمرين الثالث:
3. التمرين الثالث: تمرين (التنفير) أو (النفور الشرطي)، وهذا التمرين هام وضروري، فأثناء جلوسك داخل الغرفة، ويفضل أن تكون أمامك طاولة، قم بضرب يدك على سطح هذه الطاولة بقوة وشدة، سوف تحس بالألم من خلال الضرب على هذا السطح الصلب، ومع ضربك ليدك استحضر الفكرة الوسواسية، واربط بين الألم وهذه الفكرة، وكرر هذا التمرين 20 مرة متتالية.
وهذه تمارين فعالة جدا، وكما أوضحت لك سابقا، فهي تتكون من ثلاث مراحل أساسية:
• (تمرين التجاهل والتحقير)، وذلك من خلال مخاطبة الفكرة الوسواسية مباشرة، وتحقيرها بعبارات حازمة توصل رسالة بعدم الاهتمام بها.
• (تمرين صرف الانتباه) وذلك بإدخال فكرة مضادة مخالفة للفكرة الوسواسية، حيث يمكنك أن تستحضر صورة ذهنية إيجابية وجميلة، وتستبدل بها الفكرة الوسواسية؛ مما يعيد التوازن الذهني ويخفف من وقع الوسواس.
• (تمرين التنفير) ويتم فيه ربط الفكرة الوسواسية بأمر تكرهه النفس، كإيقاع ألم بسيط بالنفس؛ مما يكون ارتباطا سلبيا يجعل الذهن ينفر من الوسواس تدريجيا.
واعلم أن هذه التمارين تساهم بشكل فعال في تشكيل استجابة سلبية تجاه الفكرة الوسواسية، وهو عنصر بالغ الأهمية في رحلة العلاج والتعافي.
وبعد الانتهاء من تطبيق التمارين الثلاثة على المجموعة الأولى من الأفكار، انتقل إلى المجموعة الثانية، وهكذا حتى تنهي جميع المجموعات، وتكرر هذه الجلسة العلاجية صباحا ومساء، وهي تقريبا تستغرق منك حوالي نصف ساعة في كل مرة.
وبصفة عامة؛ فإن من أنجح وسائل مقاومة الوساوس أن تشغل نفسك بما هو نافع ومفيد؛ لأن الفراغ -سواء كان زمنيا أو ذهنيا- يعد بيئة خصبة لنمو الوساوس وترسخها؛ لذا احرص على ما يلي:
• نظم وقتك بشكل يومي.
• تجنب السهر ما أمكن.
• قلل من النوم في النهار، واحرص على النوم الليلي المنتظم.
• اجتهد في دراستك أو عملك، وحدد أهدافا واضحة تسعى إليها.
• مارس الرياضة بانتظام، فهي تنشط الجسد وتصفي الذهن.
• شارك في شؤون أسرتك وكن عنصرا فعالا بينهم.
• احرص على بر والديك، فإن في ذلك بركة عظيمة وانشراحا للصدر.
اجعل لحياتك معنى، ولأيامك قيمة، ولا تترك وقتك عرضة للتيه أو التشتت، فالعقل المشغول لا يجد فيه الوسواس موضعا أو فرصة، وفي كل هذا نفع عظيم لك بإذن الله تعالى.
هنالك أدوية تناسب سنك، وإذا لم تتمكن من الذهاب إلى الطبيب، فيمكنك أن تتحصل على هذه الأدوية، ومن أفضلها عقار يسمى (Fluoxetine، فلوكستين)، وهو من مضادات الاكتئاب والوساوس القهرية، يمكنك أن تبدأ بجرعة 20 ملغم (كبسولة واحدة) يوميا لمدة أسبوعين، ثم ترفعها إلى 40 ملغم يوميا (كبسولتين) وتستمر عليها لمدة ثلاثة أشهر، ثم تجعلها كبسولة واحدة يوميا لمدة ثلاثة أشهر أخرى، ثم تجعلها كبسولة يوما بعد يوم لمدة شهر، ثم تتوقف عن تناول الدواء.
وهنالك دواء آخر، دواء داعم، يعرف باسم (Risperidone، ريسبيريدون) وهو دواء مساعد، يؤخذ بجرعة 1 ملغم ليلا لمدة ثلاثة أشهر، ثم تتوقف عن تناوله.
هذه الخطة العلاجية تجمع بين الجانب السلوكي والجانب الدوائي، وكما ذكرت لك فإن مقابلة الطبيب النفسي مباشرة سوف تساعدك كثيرا، وأرجو ألا تهمل هذه الوساوس، ويجب أن تعالجها بجدية، وقد بينا لك طريقة العلاج بصورة واضحة.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.
____________________________________
انتهت إجابة الدكتور / محمد عبد العليم، استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان.
وتليها إجابة الشيخ الدكتور/ عقيل المقطري، مستشار العلاقات الأسرية والتربوية.
____________________________________
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
الشيطان الرجيم عدو لدود للإنسان كما بين الله تعالى في قوله: ﴿ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان ۖ إنه لكم عدو مبين﴾، وقد أقسم أن يضل بني آدم فقال: ﴿ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ۖ ولا تجد أكثرهم شاكرين﴾، وقال كذلك: ﴿فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم﴾، وأكد أن من يتخذه وليا فقد خسر خسرانا مبينا.
وقد أمرنا الله بمعاداته، فقال: ﴿إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا﴾، فلا يصح الإصغاء له أو التحاور معه بحال. وقد حذرنا الله من اتباع خطواته، وأكد أنه لا سلطان له على أولياء الله المتقين الذين يتقربون إليه بالصلاة والصيام والذكر وقراءة القرآن، فقال سبحانه: ﴿إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين﴾.
ومن مداخل الشيطان على الإنسان أنه يختبره أولا، فإن وجد منه ضعفا بدأ التدرج معه، ويتعرف على مواضع الضعف من خلال تجاوب الشخص مع وسوسته، أما من يستعيذ بالله منه ويرد عليه ولا يصغي له، فإنه ينصرف عنه.
وقد بلغت وساوسه حدا أن شكا بعض الصحابة رضوان الله عليهم مما يجدون في أنفسهم من أفكار يعظم عليهم أن يتكلموا بها، فقال لهم النبي ﷺ: "ذاك صريح الإيمان"، وهو دليل على صفاء القلب وخوفه من الوقوع في الشبهات.
والنبي ﷺ أرشدنا إلى العلاج بقوله: "يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا وكذا؟ حتى يقول: من خلق ربك؟ فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله ولينته"، وفي رواية: "فمن وجد ذلك، فليقل: آمنت بالله". وهذا يدل على أن الحل يكون بالإعراض عن الوسوسة، والاستعاذة بالله، والإقبال على الطاعات.
وقد فصل العلماء في ذلك، فقال المازري: إن الخواطر نوعان: عابرة تدفع بالإعراض، ومستقرة تدفع بالاستدلال. أما الوسوسة فهي من النوع العابر الذي لا أصل له، فيقطع دون حاجة إلى جدل.
وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": إن المقصود بالإعراض هو قطع الاسترسال والاشتغال بغيرها، مع إدراك أنها محاولة من الشيطان لإفساد الدين والعقل. وبين الخطابي أن مطاولة الشيطان لا تنقطع، بخلاف الإنسان الذي يقطع بالحجة، فالوسوسة لا نهاية لها؛ لذا وجب الحذر منها وعدم الانقياد لها.
ومن الصحابة الذين وسوس لهم الشيطان عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه، فشكا للنبي ﷺ فقال له: "ذاك شيطان يقال له خنزب، فإذا أحسسته فاستعذ بالله منه، واتفل عن يسارك ثلاثا"، ففعل ذلك، فأذهب الله عنه الوسواس.
وقد يصل ببعض الناس الأمر إلى الشك في كل عبادة، وقد يتسبب ذلك في ترك العبادات، وهذا ما يريده الشيطان، أن يدفع المسلم للهروب من عبادة ربه.
ومن فضل الله تعالى أن هذه الوساوس لا تعد معاصي، ويمكن دفعها بما يلي:
• عدم الإصغاء للوساوس أو التحاور معها.
• مخالطة الناس والبعد عن الخلوة والعزلة.
• القيام مباشرة من المكان عند ورود الوساوس والانشغال بعمل نافع.
• الاستعاذة بالله فورا عند حصول الوساوس والخواطر.
• المحافظة على الأذكار: أذكار الصباح والمساء، أذكار دخول وخروج المسجد والحمام، والطعام والشراب والمنزل، وذلك من كتب معتمدة مثل "حصن المسلم" أو "رياض الصالحين".
• تجنب إطالة المكث في الحمام؛ لأنه من مواضع الشيطان.
• الانخراط في مجالس الصالحين وحلقات التحفيظ، فذلك يعزز روح الطاعة ويبعد الوساوس.
• الابتعاد عن الإنترنت لفترة حتى التعافي، خصوصا مواقع التواصل التي تعرض محتوى يهيج الوساوس ولو بغير قصد.
• العمل بنصائح المستشار النفسي وعدم إهمالها.
أما ما يتعلق بالعادة السرية، فإن لها أضرارا كثيرة، وعلاجها بالصيام كما قال النبي ﷺيا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع، فعليه بالصوم، فإنه له وجاء..
نسأل الله تعالى أن يشرح صدرك، ويذهب عنك الوساوس، ويعينك على الطاعة والثبات، ويجعل لك من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا، إنه سميع قريب.