السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
لدي استشارة تتعلق بموضوع الزواج.
أنا فتاة أبلغ من العمر 29 عاما، ومنذ بداية مرحلة المراهقة كنت أشعر بنفور ورفض شديد تجاه الزواج، ومنذ تخرجي من المرحلة الثانوية، بدأ الناس يتقدمون لخطبتي، لكنني كنت أدعو الله ألا يتم لي نصيب؛ لشدة كرهي لفكرة الزواج ورفضي لها، وكان النصيب بالفعل لا يتم.
حتى بلغت السادسة والعشرين من عمري، تغيرت نظرتي تدريجيا، وأصبحت أكثر اتزانا ونضجا في تفكيري تجاه موضوع الزواج، وصرت أنظر لأي خاطب يتقدم إلي بعقلية متفتحة، دون الرفض التلقائي الذي كنت عليه سابقا، لكن ما حدث هو أن كل من شعرت بأنه مناسب لي، كان هو من يرفض أو لا يتم النصيب لأي سبب من الأسباب.
ومؤخرا، تقدم لي شاب ذو خلق ودين، وكان هذا الجانب أكثر ما جذبني إليه، وصليت الاستخارة عدة مرات، ولم أشعر بشيء واضح حتى تمت الرؤية الشرعية، وفي أول نظرة له، شعرت بعدم ارتياح، وكان ذلك أول مرة يراودني فيها هذا الشعور بهذا الوضوح، مع العلم أن الرجل كان في غاية الأدب والاحترام، وتحدث معي بطريقة مهذبة جدا، ولكن بعد الرؤية الشرعية عدت للاستخارة، وكنت أبكي بشدة أثناء الدعاء، وأشعر بخوف شديد غير مبرر.
وعندما قررت أن أرفضه بسبب ما أشعر به من خوف وضيق، فوجئت بقبولهم ورغبتهم في إتمام الأمر، فعدت مرة أخرى للاستخارة، وكنت في كل مرة أجد أن الأمور تتيسر، لكن في المقابل كانت الضيقة في صدري تزداد، وكان البكاء عند الدعاء لا يفارقني.
حتى إنني في أحد الأيام، انهرت بالبكاء أمام أهلي بسبب ما أشعر به من ضيق شديد، فقررنا رفض الخاطب، وبعد الرفض، شعرت بارتياح داخلي، ولكن بقي في نفسي شيء من الحسرة؛ لأن هذا الرجل كان صاحب دين وخلق، فهل ما شعرت به من خوف وضيق وبكاء هو أمر طبيعي؟ هل يمكن أن يكون ذلك علامة من الله -نتيجة للاستخارة- تشير إلى أن هذا الأمر ليس فيه خير لي؟ أم أن ما شعرت به قد يكون بسبب عين أو حسد، خاصة أن هذه الحالة لم تحدث لي من قبل؟ علما أنني معلمة قرآن، متعلقة به، وملتزمة في ديني -والحمد لله-.
أفيدوني، بارك الله فيكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ M/d حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابنتنا الفاضلة- في الموقع، ونسأل الله أن يقدر لك الخير ثم يرضيك به، وأن يعينك على تجاوز هذه الصعاب.
بداية، نحن لا نؤيد تكرار رد الخطاب، حتى لا يهربوا من طرق الأبواب، ونسأل الله أن يعينك، وأن يعين أهلك على مساعدتك في حسن الاختيار، والشاب صاحب الدين ينبغي أن يقدم على غيره، ولا تندمي على الذي حدث، وأمامك تجارب كثيرة، لكن لا بد أن تعلمي أولا أننا كبشر لا يمكن أن نجد الكمال، ولا يمكن للمرأة أن تجد رجلا بلا نقائص، ولا يمكن للرجل أن يفوز بامرأة بلا عيوب، ولذلك ركزت الشريعة على من ترضون دينه وخلقه، وركزت على فاظفر بذات الدين تربت يداك، فإذا وجد الدين، فإن هذا الدين يصلح كل خلل يمكن أن يحدث؛ ولذلك أرجو أن يكون هذا واضحا أمامك في مستقبل الأيام.
الأمر الثاني: لا تحزني على تجربة مضت، ورفض تم وأصبح من الماضي؛ لأن هذا لا يفيد، فلا ينبغي للإنسان أن يرجع للوراء يقول: "لو كان كذا لكان كذا"، ولكن يقول: "قدر الله وما شاء فعل"، فإن لو تفتح عمل الشيطان، فانظري إلى الأمام، واستقبلي حياتك بأمل جديد، وبثقة في ربنا المجيد.
الأمر الثالث: عليك أن تعلمي أن مجرد الخوف والقلق العادي -وما شابهها- قد تكون طبيعية؛ لأن الفتاة تفكر كيف ستفارق أهلها إلى قرين لم تعرفه، وإلى مكان لم تألفه، هذا مصدر للانزعاج، لكن هذا القلق ينبغي أن يكون بمقدار، لا يزيد عن حده فينقلب إلى ضده، وهذا كله يتلاشى بعد أن تكتمل هذه المناسبات الجميلة، والشاب كذلك ينسى المعاناة، وينسى ما أنفق من أموال، وينسى كل هذا.
فلا تتابعي هذه الأفكار السلبية؛ لأن الحب من الرحمن، فاحرصي على طاعته واللجوء إليه، والبغض من الشيطان، كما قال ابن مسعود رضي الله عنه: يريد الشيطان أن يبغض لكم ما أحل الله لكم، فاقصدي مخالفة عدونا الشيطان الذي لا يريد الزواج، ولا يريد الحلال.
الأمر الرابع والمهم: أهمية المحافظة على أذكار الصباح والمساء، وقراءة الرقية الشرعية، والرقية دعاء، وهذه من الأمور المهمة، ولا مانع أيضا من عرض نفسك على راق شرعي، يقيم الرقية الشرعية على قواعدها وضوابطها المرعية، والإنسان إذا حافظ على أذكار الصباح والمساء، فإنه بذلك -بتوفيق الله تبارك وتعالى- يستطيع أن يخفف ما نزل، وأن يمنع الجديد الذي ينزل؛ لأن في الأذكار عصمة.
فكوني مع الله -تبارك وتعالى- وأكثري من الأذكار، وعندما يأتيك خاطب تواصلي مع موقعك (إسلام ويب)، وتواصلي مع محارمك، واعرضي ما عندك وما عندهم، حتى نتعاون جميعا في الاختيار الصحيح.
ونحن سعداء لأنك تستخيرين، والاستخارة لها أثر كبير، وهي طلب الدلالة على الخير ممن بيده الخير، ولكن ليس من الضرورة أن يترتب على الاستخارة شيء معين، أو رؤية شيء معين، أو بكاء، والفقهاء يتكلمون: الفتاة إذا بكت لا يعني أنها ترفض، بل قد يكون من شدة تصورها فراق أهلها، وصعوبة مفارقة بيئتها، وغير ذلك من المشاعر، ولذلك إذا حصل القبول والانشراح المبدئي، وبعد ذلك جاء شيء من الخوف أو تغير المشاعر، فهذا كله من الأمور التي ينبغي ألا تلتفتي إليها.
نسأل الله أن يعينك على الخير، وكوني مع الله، وأكثري من ذكره، وسبحي الله العظيم، وأكثري من الصلاة على النبي ﷺ، وأكثري من الاستغفار، فإنها مفاتيح للنجاح وللفلاح.