السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جزاكم الله خيرا على ما تقدمونه من جهود طيبة في خدمة الإسلام والمسلمين، وأسأل الله أن يجعل ذلك في ميزان حسناتكم.
أنا أخوكم صفوان، أكتب إليكم راجيا منكم التوجيه والإفادة الشرعية.
أنا -بحمد الله- أصلي وأؤمن بالله وبدينه، وأسأل الله الثبات على الإيمان حتى الممات، لكن قبل فترة قصيرة تحدثت مع شخص -بدا لي أنه مسلم-، وأثناء الحديث ألقى علي شبهة تتعلق بالدين، والله كأنها خنجر استقر في صدري، رغم أنني لم أكن أبحث عن هذه الشبهة، ولم يكن لي اهتمام بها.
منذ ذلك الحين، بدأت تراودني وساوس شديدة، شعرت معها بضيق نفسي كبير، لدرجة أنني في لحظات الضعف قلت في نفسي: "لأن أطرح نفسي من مبنى أهون من أن أبقى في هذا الحال"، لكني عدت واستعذت بالله، ولله الحمد، لم أقدم على أي أذى.
استمر هذا الشعور الثقيل أسبوعا تقريبا، ثم خفت حدته، ولكن لا تزال تراودني أحيانا أفكار مزعجة أثناء النوم، أستيقظ بسببها وأستغفر الله كثيرا مما يرد في خاطري، وخاصة ما يتعلق بذات الله سبحانه وتعالى.
سؤالي هو: هل ما أعاني منه يعد وسواسا شيطانيا، أم هو أثر التفكير المفرط في تلك الشبهة؟ وهل أنا آثم بما يرد على خاطري، رغم أنني لا أؤمن به ولا أنشغل به عمدا، بل أكرهه وأستعيذ بالله منه؟
أرجو منكم توجيهي وتثبيتي، فأنا أريد أن أطمئن وأتجاوز هذه المرحلة بعون الله، ثم بعون علمائنا الأفاضل.
جزاكم الله خير الجزاء، وأسأل الله أن يرزقني وإياكم الثبات على الحق، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ صفوان حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا بك في موقعك إسلام ويب، وجزاك الله خيرا على صدقك، وحسن ظنك بإخوانك، وحرصك على دينك، نسأل الله أن يثبتك، ويشرح صدرك، ويطفئ عنك نار الوسواس، ويجعلك من عباده الراسخين في الإيمان.
أولا: ما تعانيه لا يخرجك من الإيمان، بل هو علامة الإيمان، قال رسول الله ﷺ: "يأتي الشيطان أحدكم، فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول: من خلق ربك؟ فإذا بلغ ذلك، فليستعذ بالله، ولينته" وفي رواية أخرى لما شكى الصحابة مثل حالك وقالوا: "نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به"، قال ﷺ: "ذاك صريح الإيمان".
أي: أن شعورك بالخوف من هذه الوساوس، وكراهيتك لها، ونفورك منها؛ هو في حد ذاته علامة إيمان صادق؛ لأن القلب الخالي من الإيمان لا يبالي بمثل هذه الوساوس، بل يتقبلها.
ثانيا: أنت غير آثم، ما دمت لا ترضى بما يرد في نفسك، ما دمت لا تعتقد بما يرد في نفسك، ولا تسعى إليه، بل تكرهه وتستعيذ بالله منه، فإنك غير محاسب عليه إطلاقا، قال رسول الله ﷺ: "إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها، ما لم تعمل أو تتكلم به"، فلا تخف، فالله أرحم بك من نفسك، يعلم أنك لم تختر هذه الوساوس، ولم تفتح لها الباب، بل فوجئت بها، كما يفاجأ المؤمن بالسهم إذا أصابه.
ثالثا: نعم، هذه وساوس شيطانية مركبة، لا شبهة علمية، ما وصفته من اضطراب مفاجئ، وضيق نفسي، وأفكار مزعجة في النوم، وتمني الهرب من الواقع، كله يدل على أن هذه ليست "شبهة علمية تحتاج إلى بحث"، بل هي وساوس مركبة من الشيطان، أدخلها في قلبك عبر لحظة غفلة أو حديث غير مضبوط، فإن كنت بحثت عن رد علمي، فافعل ذلك من باب الاطمئنان فقط، لكن لا تفتح عقلك مرة أخرى للنقاشات المفتوحة مع من يلقي الشبهات، فالشبهة لا تدخل القلب من العلم، بل من مدخل القلق، فإذا أغلقت باب القلق، لن تبقى الشبهة، بل تذوب.
رابعا: كيف تتجاوز هذه المرحلة عمليا؟
1. لا تطل التفكير في الوسوسة، بل اقطعها بالذكر والعمل، قل إذا جاءك الوسواس: "آمنت بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد ﷺ نبيا ورسولا"، ثم استعن بالانشغال بعمل، أو وضوء، أو خروج للمسجد، أو مهارة عملية.
2. الزم أذكار الصباح والمساء بدقة، وخاصة:
- "حسبي الله لا إله إلا هو، عليه توكلت، وهو رب العرش العظيم" (7 مرات).
- "لا إله إلا الله وحده لا شريك له..." (100 مرة صباحا).
3. الدعاء اليومي في السجود: أكثر من الدعاء وقل : "اللهم طهر قلبي من النفاق، وصدري من الوسواس، وعملي من الرياء، ولساني من الكذب، وعيوني من الخيانة، إنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور."
4. لا تخف من النوم، فكل ما تراه وساوس من بقايا النهار، ولا حرج إن قلت قبل النوم: اللهم اجعل نومي سكينة، ولا تجعل للشيطان علي سلطانا، وقل: "أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق." 3 مرات.
خامسا: هذه رسالة من الله لاختبار صدقك، ما تمر به اليوم، سيمر -بإذن الله-، وسينقلب إلى زيادة إيمان، إن صبرت.
واعلم -أيها الأخ الكريم- أن الله إذا أحب عبدا ابتلاه بشيء في عقله أو قلبه أو جسده، فإذا صدق وثبت، رفعه الله في مقام المؤمنين الصادقين، ووسع صدره بعد ضيق، قال تعالى: ﴿أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه﴾.
وأخيرا: أنت ثابت -بإذن الله-، فقط واصل الثقة، ولا تفتح للشيطان منفذا جديدا.
ثبتك الله، وغفر لك، وشرح صدرك، ونور قلبك باليقين، والله الموفق.